إبراهيم عبد المجيد
إبراهيم عبد المجيد


مصر الجديدة :

كل هذا الألم

إبراهيم عبدالمجيد

السبت، 11 يناير 2020 - 08:03 م

الموت علينا حق. لا أحد يعترض على قضاء الله، لكنه الفراق هو الذى يؤلم. وربما فى لحظات الموت يكون الإنسان ذاهلا مشغولا بالوداع، لكن بعد أن ينتهى كل ذلك يبدأ فى الإحساس الصعب بالفراق. ربما تداوى الأيام الفراق، أو ينشغل الأحباء عمَّن افتقدوه وتأخذهم الحياة وإن ظل بين لحظة وأخرى يظهر لهم ويشتاقون إليه. لن أتحدث عن هذه المشاعر الانسانية الآن. أتحدث فى حزن ليس على من مات فربما رحمه الله من هذا العالم القبيح، لكن اتحدث عن كم الغبن الذى يلقاه الكاتب فى بلادنا من الأجهزة المعنية بالرعاية له. اشتعلت فى الأسابيع السابقة الحوارات عن عجز اتحاد الكتاب عن مد يد العون للشاعر والمترجم الكبير رفعت سلام ولم تبدِ وزراة الثقافة شيئا من العون ولم تتحرك وزارة الصحة، اتحاد الكتاب لأن رفعت سلام ليس عضوا ومن ثم ما يمكن تخصيصه له مبلغ تافه قيل إنه ستة آلاف جنيه، ووزارة الصحة لأن مرضه يحتاج مبالغ طائلة ليست فى حدود التأمين الصحى، كأن المريض لابد أن يختار المرض. ووزارة الثقافة بدت عاجزة عن أى شيء. فى الوقت نفسه كان الشاعر والمترجم الكبير محمد عيد ابراهيم فى المستشفى على نفقته الخاصة، وأنفق فيه كل ما وفره من سنوات الغربة الطويلة فى الخليج ثم اختاره الله. أدعو الله أن يمد فى عمر رفعت سلام صديق العمر. أعرف أنه لا فائدة فيما أقول، وأن جهة ما لن تتقدم بسرعة لإغاثة أى كاتب كبير مادام بعيدا عن الأجهزة المؤثرة أو مادام ليس له الشهرة الإعلامية إلا نادرا. أعرف أنه لا فائدة ولا أستطيع أن أبعد الحزن عن روحى مع وفاة الكثيرين وآخرهم محمد عيد ابراهيم الذى كان موته بمثابة يقظة لأيام السبعينيات، حين كنت أعمل إخصائيا ثقافيا فى قصر ثقافة الريحانى بحدائق القبة - بالمناسبة عرفت أنه مغلق الآن وهو أصلا بيت العظيم نجيب الريحانى وهناك خوف أن يتم هدمه لاقامة عمارة كالعادة. بالمرة يعنى! وكان الشاعر الراحل أحمد الحوتى - رحمه الله - مديرا للقصر. كنت أقيم لقاء أسبوعيا كل يوم أحد لجيل السبعينيات من الشعراء حلمى سالم - رحمه الله - وعبد المنعم رمضان وحسن طلب وجمال القصاص ومحمد سليمان ومحمد عيد ابراهيم واحمد طه وأمجد ريان وشعبان يوسف ومحمد خلاف وغيرهم. كان لهم رأى فى الشعراء السابقين وكانوا تمهيدا كبيرا عميقا لقصيدة النثر وممارستها من بعضهم، وكانت الندوة حافلة بالنقاش وندعو لها أحيانا نقادا وشعراء كبارا مثل سيد حجاب، وكنا أحيانا بعد الندوة ننتقل ومعى بعضهم إلى الشقة المفروشة التى كنت أعيش بها مع المخرج المسرحى الراحل سامى صلاح ونستكمل السهرة، وأحيانا يأتى المغنى الثورى عدلى فخرى يغنى فى البيت فضلا عن أنى كنت أدعوه للغناء فى القصر نفسه فى شهر رمضان، وكان رئيس الثقافة الجماهيرية هو الراحل العظيم سعد الدين وهبة يسمح لى بذلك. ظل شعراء السبعينيات فى معركتهم الأدبية وأصدروا سلسلة «أصوات» بدواوينهم أو مجلة «الكتابة السوداء» بأفكارهم النقدية وقصائدهم المغامرة. ظلوا على عهدهم بأفكارهم السابقة لعصرها وأخذوا أماكنهم الكبيرة فى عالم الشعر، وبعضهم مثل رفعت سلام أو محمد عيد ابراهيم اشتغلوا أيضا بالترجمة لأعمال أجنبية عظيمة. وكتبت الصديقة عبلة الروينى مشكورة هنا تطالب بعلاجه لكنه كان قد فارقنا فى يوم صدور المقال، وكتبنا كلنا على الفيسبوك لعلاجه وعلاج رفعت سلام - أمد الله عمره - لكن بلا فائدة. حزنى ليس على الموت فمن فى عمرى يصبح موت الأحباء حولهم روتينا طبيعيا، وحزنى ليس على الفراق فكم من الوقت بقى للحزن، لكن حزنى على أنه لا قيمة ولا معنى لنبى فى وطنه. هذا حال الثقافة والمثقفين الكبار - للأسف - عند الاجهزة الرسمية الخاصة بالعلاج.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة