الكابتن مصطفى
الكابتن مصطفى


حكايات فوق السحاب| مصطفى الخفاجي: احتفلت بعيد ميلادى على ارتفاع 32 ألف قدم

إنجي خليفة

الإثنين، 13 يناير 2020 - 02:38 ص

«بأحب الطيران لكن أهلي وأصحابي بيوحشوني ببقى نفسي إجازتي تبقى أطول».. حين ترك  كابتن مساعد مصطفى الخفاجي الأرض  وما عليها بحثًا عن الرزق في السماء، لم يعلم ابن بلاد الرافدين العراق أن قُمرة القيادة بطائرة إيرباص ستصبح «صديقه الوحيد» في الجو.

3 آلاف و469 ساعة دفعها «الخفاجي» من عمره على متن طائرة «Airbus 319-320-321» ثمنًا لعشق التحليق بين السحاب، إذ يستعيد كابتن مساعد مصطفى الذكريات الأولى لاختيار مهنة الطيران، بقوله: «حبي للطيران وشغفي بالسفر وحبي للتعرف على ثقافات الشعوب كان سر اختياري لهذه المهنة».

الإحساس بـ«فقدان» الأهل والأحباب، لا يُعبر عنه لسان «الكابتن مصطفى»؛ بل تحمله تعبيرات وجهه، خصوصًا حين يعود بشريط ذكرياته إلى مرحلة دراسة الطيران، عندما قرر البدء فيها بعد المرحلة الثانوية «مباشرة» في أكاديمية الشرق الأوسط للطيران بالأردن.

طقوس للمزاج

يحاول «الخفاجي» تجاوز كل ما يُعكر مزاجه، محاولا كسر جليد الروتين في أيام الرحلات، بطقوس ألزم نفسه بها قبل الجلوس على مقعد قُمرة القيادة، تبدأ بالنوم.. فيقول «صراحة المهم بالنسبة لي هو النوم والراحة قبل الرحلة، وتختلف إذا كانت الرحلة الصبح أو ليلًا، يجب أن أخذ راحة زيادة عن أيام العطلة».

«ما فيش طقوس معينة، صراحة يوم شغلي بيكون مثل أي يوم عادي، وتختلف عندي فقط إذا كنت طالع رحلة مبيت، ولو في طقوس فتتمثل فقط في تجهيز الحقيبة، وأشوف الدولة اللي ذاهب إليها أكلها مناسب ولا لا، وإذا كان لا باخد معلبات معايا، وبتعرف على طبيعة الجو في الدولة المتجهة إليها وأتعرف على الأماكن إلى ممكن أزورها فيها».

تجهيزات التحليق

لكن مرحلة الجد تبدأ مع كابتن مساعد مصطفى، تبدأ تفاصيلها مع أول خطوة على متن الطائرة، وخصوصًا داخل قُمرة القيادة، إذ يُلزم نفسه بالتواجد داخلها قبل الرحلة بساعتين، ثم يسارع بإجراء اختبار لكل أجهزة الطائرة، للاطمئنان على عمل كل الأجزاء قبل الطيران.

ورغم كل صولات وجولات «الخفاجي» على متن الطائرات، إلا أن ذكريات أول رحلة له كمتدرب على متن طائرة كانت متجهة من العاصمة الأردنية (عمّان) إلى العاصمة الإيطالية (روما)، ثم ككابتن مساعد من (عُمان) إلى (العقبة)، تظل الأكثر تعلقًا في ذاكرته.

وكإيمانه بعقيدته، يُجدد كابتن مساعد مصطفى الخفاجي حلمه دائمًا بقيادة طائرة «إيرباص A380»، وأن يصير «كابتن» للطائرة التي تحمل الطراز الخاص به.

ولا يُخفي «الخفاجي» أن كثرة أصدقائه في وسط الطيران، يجعله لا يشعر بأغلب الرحلات حتى وإن كان على متن إحداها كراكب وليس كمساعد كابتن، خصوصًا على متن طائرات التي يعمل بها، وهو ما يعبر عنه بكلمات: «صراحة لما أكون راكب بكون طاير مع شركتي، فبيكون أغلب فريق الطائرة أصدقائي، أوقات ندردش ومرات تانية أنام».

ومثلما تحيط الجدية والدقة برحلات الطيران؛ إلا أن بعضها لا يخلو من الضحك والطرائف مع «مصطفى».. «أطرف موقف حصل لي كراكب إن رئيسة طاقم الضيافة كانت تعلمني كيف استخدم الحمام على الطائرة، وحاولت تعلمني إزاي أربط حزام الأمان.. ولكم تتخيلوا باقي تفاصيل الموقف».

التأثير الأكثر وضوحًا على حياته – كما يرويه مصطفى – يجسده اشتياقه لأصدقائه؛ لأنه صار من الصعب رؤيتهم حاليًا جميعًا في ظل وجوده داخل حياة الطيران، وإن ظل الشعور الدائم لديه رغبته في الجلوس برفقة عائلته لأطول وقت خلال أيام العطلة.

ذكريات اجتماعية سيئة

إنسانيًا.. تظل مأساة «الخفاجي» متجسدة في ضياع مناسبات أسرية مميزة، وهنا يقول: «بسبب شغلي لم أتمكن من حضور زفاف أخي، وكنت حزين لذلك؛ لكن الشغل شغل، وراضيت نفسي بأني موجود مع عائلتي الثانية وهي طاقم الطائرة».

وبحسب الكابتن مساعد مصطفى، فإنه كلما «كان الطيار شاطر ويحب مهنته، لا أحس بالصعوبات التي تواجهني وأنا أجلس إلى جواره، إلا اختلاف ثقافات الشعوب والتفاهم معهم واختلاف مزاج الكابتن المرافق بالرحلة، أكثر الصعوبات التي تواجهني على متن الطائرات».

ومن بين عشرات المواقف، يظل الموقف الأصعب سوء الأحوال الجوية خلال الإقلاع والهبوط، والتي قد تُجبر «الخفاجي» على اتخاذ قرار إلغاء رحلة بسببه، وحتى الآن ما مر عليه موقف صعب فكل الرحلات كانت موفقة.

ولا ينسى الكابتن مساعد، يوم عيد ميلاده العام الماضي، حين كان على ارتفاع 32 ألف قدم، وفجأة ظهر طاقم الطائرة بمفاجأة على متن الطائرة وهم يحتفلون بعيد ميلاده.

غير أن الصدمة التي قوته قبل أن توجعه، تمثلت في وفاة كابتن إحدى رحلات التدريب التي كان على متنها، أثناء الطيران، وبعد أن كنت وقتها أنا طالع طاقم إضافي، الوفاة حدثت قبل الإقلاع، نزلنا الكابتن وطلع كابتن آخر بدلا منه وكملنا رحلتنا.

من بين عشرات المطارات، يحتفظ «مصطفى» بذكريات سيئة عن مطار دلهي، فزحام الأجواء وصعوبة فهم لهجة مراقب البرج أثناء توجيه التعليمات كفيلان بحفر هذه الأمور في الذاكرة، وعلى النقيض مطارات «الملكة علياء، وحمد الدولي وهيثرو»، ومع ارتباطه الشديد بعمله يشعر الكابتن مساعد بـ«راحة نفسية» كلما يهبط في أحد المطارات الثلاث.

يُدرك «مصطفى» جيدًا أن 80% من مهارة و«شطارة» الطيار تساعده في الهبوط، فضلا عن القدرة على اتخاذ القرارات، ففي النهاية الراكب ليس لديه علم بما يدور داخل كابينة الطيران، والرحلة الناجحة تحدد بشكل كامل «شطارة الطيار».

وفي النهاية، باتت من المسلمات لدى كابتن مساعد مصطفى الخفاجي أن «الهبوط» بالطائرة يمثل المرحلة الأصعب في عمل الطيار، ويحدد ذلك طول المدرج المناسب لطائرته للهبوط والإقلاع.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة