مصطفى رجب
مصطفى رجب


يوميات الأخبار

سيبويه يلبس « الجينز» ويشرب «الكولا»..!!

بوابة أخبار اليوم

الإثنين، 13 يناير 2020 - 07:27 م

مصطفى رجب

وهذا العدد من القتلى لو فجروا أنفسهم سنويا فى إسرائيل لأصيب نتنياهو بحالة متأخرة من الإسهال والشلل الرعاش والحول.

بالرغم من أن المرحوم الأستاذ «سيبويه» ليس عربى الأصل، وقد أخذ كل علمه أو أكثره عن العالِم العربى: الخليل بن أحمد الأزدى، فإن شهرته فاقت شهرة شيخه، ووجد الأدباء الفكهون فى اسمه الغريب مادة سائغة للتفكه، فحمَّلوه كل أوزار اللغة العربية، أو بمعنى أدق: كل مالا يفهمونه من أسرار العربية وغوامض أساليبها، ولأن كتابه الأشهر المسمى «الكتاب» صار مع الزمن «إنجيل» النحاة، ففيه غموض كثير، ولا أحد يتمكن من فك شفراته بسهولة، لذلك نجد أمثلهم طريقةَ حين يستشهد بفقرة منه يقول «والظاهر من كلام سيبويه كذا وكذا....»
فمثلا لا أحد يستطيع أن يحدد بالضبط بدء ولع العقل العربى باستخدام الصيغة الصرفية المسماة: «أفعل التفضيل»، فكتب الأدب تروى الكثير عن أهجى بيت، وأمدح بيت، وأغزل بيت، وأفخر بيت قالته العرب !!
ومن العجيب أن بعض المؤلفين - قديماً وحديثاً - قد يدفعهم تعصبهم لشاعر كبير كجرير مثلاً إلى أن يجعلوا قوله :
ألستم خير من ركب المطايا وأندى العالمين بطون راح ؟
هو أمدح بيت قالته العرب، وقوله :
إن العيون التى فى طرفها حور قتلننا ثم لم يحيين قتلانا!
أغزل بيت قالته العرب، ويختارون له أهجى بيت، وأفخر بيت إلى آخر هذه اللعبة التى تنتهى بالحكم المتوقع : أن جريراً هو أشعر العرب !!
هذا التفكير «الأحادى» - بضم الهمزة أو بمدها أى الآحادى- كانت له انعكاسات خطيرة على العقل العربى، فأبو حنيفة هو أعظم الفقهاء (عند أنصاره بالطبع) ولما كان الشافعية يرون إمامهم الشافعى هو أعظم الفقهاء وأتقاهم، كان عليهم واجبٌ لازمٌ : وهو الحطّ من مكانة أبى حنيفة، ولأن مالكاً هو أعلم الثلاثة (عند أتباعه) كان لابد للمالكية من التهوين من شأن أبى حنيفة والشافعى، وهكذا صنع الحنابلة، ولأن الأربعة فى النهاية هم «الأعظم» فقد ضاعت جهود فقهاء عظام لم تتح لهم شهرة الأربعة مثل: الأوزاعى، والإمام زيد، والليث بن سعد، وداوود الظاهرى، وغيرهم.
ويمكن أن يقال مثل هذا الكلام عن علماء الحديث، فغالبية المسلمين يطيب لهم استخدام تعبير «أصح» كتاب بعد كتاب الله: وصفاً لصحيح البخارى عند المشارقة، أو يقال التعبير نفسه وصفًا لصحيح مسلم عند المغاربة. والإباضية فى عمان وبعض بلدان المغرب يصفون مسند الربيع بن حبيب بأنه «أصح» كتاب بعد كتاب الله، فتتسع هوة الخلاف - نفسياً على الأقل - نتيجة الإحساس بالدونية الذى يرتبط ارتباطاً حتمياً باستخدام صيغة التفضيل.
ومع أن كتب اللغة تؤكد أن التفضيل - بوصفه صيغة اشتقاقية - لا يعنى إلا زيادة المفضل على المفضل عليه فى صفة من الصفات، دون سلب المفضل عليه الصفة الأصلية التى هى موضوع التفاضل، إلا أن قولنا: «زيد أحد بصراً من عمرو» أصبح يعنى فى مفهومنا أن عَمْراً لابد له من نظارة طبية كثيفة كثافة الشعر الحداثى !!
مع أن نظره قد يكون مثلاً 6 على 9، فى حين يكون نظر زيد 6 على 6، وبذلك يكون هناك ملايين - من الخليج الثائر إلى المحيط الهادر !! - نظرهم يتراوح بين 6 على 12 و6 على 60 ولكنهم لا يشعرون بالمهانة التى يشعر بها عمرو حين يسمع تلك الجملة التفضيلية المُهينة لمركزه الاجتماعي!!
وقد ترتب على هذاً: انحياز المفضَّل عليه إلى نفسه، وانحياز أنصاره إليه، ومحاولتهم الذبَّ عنه، فنتج عن ذلك أن وجد فى المجتمع العربى فريقان كبيران: الفرزدقيون والجريريون، وتحولت العقلية العربية من الأحادية إلى الثنائية. ففى مصر مثلاً أكثر من خمسة عشر نادياً رياضياً ولكن المصرى الأصيل لابد له من أن يكون أهلاوياً أو زملكاوياً.. فالنادى الأهلى ونادى الزمالك هما جرير والفرزدق، ولا معنى لأن يشجع أحدٌ أحداً غيرهما.
وكثير من شعرائنا فى مطلع هذا القرن كانوا مجيدين حقاً - بمقاييس عصرهم - مثل أحمد محرم ومحمد عبد المطلب وخليل مطران وعلى الجارم، ولكن الكرة الأرضية - فى ذهنية النقد العربى - لم تكن تتسع إلا لاثنين : شوقى وحافظ. وشأن الأدب شأن الشعر، ففى الوقت الذى كانت فيه أقلام: محمد حسين هيكل، وتوفيق دياب، وأحمد أمين، وعبد الوهاب عزام، أحمد حسن الزيات ومصطفى صادق الرافعى وغيرهم، تصول وتجول، لم تكن الساحة تحتمل إلا المبارزيْن الأكثر شهرة وهما: طه حسين والعقاد، تمشيا مع ضرورة ألا يكون على الحلبة إلا مبارزان !!
ولابد لكل مسلم بالغ عاقل - كما يقول الفقهاء - أن يشجع أحد الشاعرين: أحمد شوقى أو حافظ إبراهيم، وأن يشجع أحد العملاقين: طه حسين أو العقاد.
وإذا أردت إقناع أحد المتعصبين بأنك متحرر عن التأييد المطلق والذم المطلق، وأنك تحب لطه حسين الأيام وحديث الأربعاء، تماما كما تحب كتاب العقاد عن «ابن الرومي» وكتابه عن نفسه «أنا»، اتهمك من تناقشه بأنك من «الباطنية» أو من الذين يؤمنون بمبدأ «التقية» أى أنك متحيز ولكنك تخفى تحيزك لأديبك المفضل.. !!
وما زالت صحافتنا تكرس هذا الوضع، ففلان أشجع العرب، وفلان أعلم أهل عصره، وفلان أمهر لاعب فى الفريق. ومن الأحادية إلى الثنائية أضاع العقل العربى جهوداً كبيرة فى الخصومات والعصبية كان من الممكن أن تستغل لمزيد من العطاء والإبداع ولا حاجة بنا إلى تضييع الوقت فى المقارنة بين البحترى وأبى تمام، وشوقى حافظ، و«أبو» الطيب المتنبى وأبو جلمبو.. !!!
وقد سرت عدوى الثنائية من العرب إلى الأمريكان، فرأينا الرئيس الأمريكى جورج دبليو بوش، يقول - وهو يتهيأ لالتهام العراق -: «من ليس مع التحالف الدولى بقيادتنا، فهو مع الإرهاب»، والإرهاب فى مفهومه هو كل ما يهدد أمن إسرائيل، أو مصالح الأمريكان.
ثلاث كلمات فى مصحف السيارة
عندى أربعة عشر سببا تجعلنى أهيم عشقا وولعا وولها وهياما بأخى العزيز الذى يدعى «المواطن العربى» وهو كائن حى عجيب وغريب له صفات نادرة هى التى أنبتت له فى قلبى كل ذلك العشق والهيام والوله والولع، غير أننى لا أستطيع الإفصاح عن الأسباب الأربعة عشر فى هذا المقال، وسأكتفى بذكر السببين التاسع والحادى عشر (ولا علاقة لهذين الرقمين بأحداث 11/9) من أسباب الإعجاب:
أما السبب الحادى عشر فهو ما يقوم به أخى العزيز المواطن العربى حين يريد شراء ساعة فهو يدقق ويحقق، ويسأل ويتثبت ويبحث ويكد ويوسع الخبراء والمستهلكين والتجارة أسئلة واستفساراً عن أجود وأمتن وأقوى وأجمل وأغلى الساعات وأشهر «الماركات» العالمية قبل أن يشترى ساعة لنفسه، حتى إذا اشتراها وعرضها على رفاقه ومجالسيه وسمار لياليه، لم تعنيه إلا إذا اختلف مع صديق له حول موعد «فيلم» أو مسلسل أو مباراة يذيعها «التليفزيون». فهو حينئذ قد يحتاج إلى النظر فى ساعته. !!
وقد تفننت الشركات العالمية فى إنتاجها لتناسب الذوق العربى، فمن المعروف حالياً، أن كثرة الشركات العالمية تنتج كثيراً من منتجاتها وفقاً للذوق العربى لأن أسواق العرب من خير أسواق الأرض توزيعاً، فالعرب - بطبيعتهم - مستهلكون - بكسر اللام - (ويجوز فتحها من سوء النية).
وقد أنتجت بعض شركات الساعات ساعات يدوية مزودة بدوائر إليكترونية توفر لمستخدم الساعة آلة حاسبة، وذاكرة لأرقام الهاتف، ومنبهاً للمناسبات، وأجراساً تدق إذا حان وقت معين يريد صاحب الساعة أن يتنبه إليه، بل واحتوت بعض الساعات مؤشراً يحدد جهة القبلة إذا أراد صاحبها الصلاة... إلى غير ذلك من خدمات ظنت تلك الشركات أن الإنسان العربى - المفعم بالانشغال - بحاجة إليها.
وقد أقبل العرب على هذه الأنواع المتقدمة من الساعات إقبال الإبل العطاش على الماء البارد العذب، فاشتروا منها الآلاف وتهادوها بالملايين، وزينوا بها معاصمهم المصونة وتبختروا بها بين أنديتهم ورفاقهم وأطنبوا فى ذكر محاسنها ومميزاتها وخدماتها التى تشير - فى النهاية - إلى أن مستخدمها رجل شديد الأهمية، مغرق بالتكاليف المتنوعة، نهب للمواعيد المتلاحقة، معرّض للحسابات الطارئة، إلى آخر ما فى الساعة من خدمات متاحة.
ثم ماذا ؟
ثم إن العربى بعد أن يحمل تلك الأثقال من الخدمات التقنية المعقدة، تراه مسترخياً على المقهى، ساحباً أنفاس « الشيشة « فى برود قاتل، يتابع حلقات دخان الشيشة، وحلقات مسلسلات التلفاز فى هدوء يحسده عليه الشيطان نفسه. فإذا طلبت منه موعداً غداً تريده فيه قال لك : آخر النهار !!! ولا تستطيع مهما تفعل أن تقنعه بتحديد موعد يستلزم استخدام الساعة !!
والسبب التاسع لحبى لأخى العزيز المواطن العربى : يشبه ما سبق، فهو حين يشترى سيارة جديدة، يسأل ويحقق ويدقق ليختار مصحفا فخم الطباعة، فاخر التجليد، واضح الخط، مزودا بأحكام الترتيل، ومواضع سجدات التلاوة،وحبذا لو كان بقراءة ورش أو أبى عمرو، أو ابن كثير المكى - من باب التعالم -وحبذا لو كان محفوظا فى حقيبة غالية الثمن !! وهو من حين لآخر يتعهد هذا المصحف بالتنظيف والتبخير والتعطير والتقبيل، لكنه لم يفكر مرة واحدة - كما أكد لى صديق متابع نمَّام - فى استخدام هذا المصحف فى القراءة !!
ولو أنه قرأ قوله تعالى : « واقصد فى مشيك « فى سورة لقمان وتدبر معناها العميق بما يموج به من دلالات الهدوء والسكينة والتواضع، لما حدث من نراه من نزيف مستمر للدماء على الأسفلت، ولما وصل الحال بنا إلى هذا المستوى المؤسف الذى تعكسه التقارير الرسمية، إن أشد التقارير تفاؤلا تقدر إجمالى ضحايا السيارات عربيا بعشرين ألف قتيل بخلاف ضعف هذا العدد ممن يتحولون إلى معوقين، وحوالى من 3-5 مليارات دولار لعلاج ما يترتب على تلك الحوادث من علاج وإعادة رصف الطرق وغير ذلك من تكاليف.
وهذا العدد من القتلى لو فجروا أنفسهم سنويا فى إسرائيل لأصيب نتنياهو بحالة متأخرة من الإسهال والشلل الرعاش والحول وربما أمسك طرف ثوبه بأسنانه وولى الأدبار نحو بيت جده فى بولندا !! لأن مثل هذا العدد (20000) ممن يقتلون أنفسهم وغيرهم بسبب جنون السرعة كاف لتحرير فلسطين من النهر إلى البحر، وكل هؤلاء القتلى يحتفظون فى سياراتهم المنكوبة بمصاحف فخمة التجليد، واضحة الخط، جيدة التغليف، متبوعة بأحكام الترتيل، ومواضع سجدات التلاوة، وفى كل منها مذكورة كلمات ثلاث لو تدبرها أولئك الذين يقودون بجنون لما حدث ما حدث من كوارث ولوفروا أرواحهم وأرواح غيرهم فضلا عن مليارات الدولارات وهى قوله تعالى «واقصد فى مشيك».
أليس لى كل الحق فى إعجابى وولهى وولعى بأخى العزيز «المواطن العربى» ؟؟ !!

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة