إبراهيم عبد المجيد
إبراهيم عبد المجيد


مصر الجديدة :

سؤال الكتابة

إبراهيم عبدالمجيد

السبت، 18 يناير 2020 - 07:49 م

تمتلئ الحياة الثقافية الآن بالاصدارات الادبية. الاصدارات الفكرية مهما كثرت تظل قليلة لاننا فى حاجة إلى كثير جدا من النقاش لقضايا حياتنا ومستقبلنا. لكن حديثى هو عن الاصدارات الابداعية واخص منها فنون الرواية والقصة القصيرة والشعر بفرعيه الفصيح والعامى. الرواية طبعا هى التى تتصدر الاصدارات الابداعية الثلاثة حتى اننى تقريبا اقرأ عناوين جديدة كل اسبوع من دور نشر كثيرة جدا تزداد يوما بعد يوم وقد يتجاوز ما ينشر من الرواية الخمسمائة رواية فى العام. فى الفترة الاخيرة قرأنا ان هناك من يكتب الرواية فى اسبوع او خمسة ايام وان دور نشر تشجع الكثيرين على كتابة الرواية باعتبارها السلعة الرائجة الآن. قرات اكثر من تعليق يستهجن هذا الاسراع فى الوقت فى كتابة الرواية ولا خلاف معها كلها فمسألة خمسة ايام او اسبوع فى رواية امر لا يمكن الاقتناع به بمعنى ان المكتوب سيكون حكاية لو تفرغ لها الكاتب للكتابة ليل ونهار ليكتب مثلا مائة صفحة فما بالك لو اكثر. انا شخصيا كنت امضى ثلاث سنوات واحيانا ست سنوات كما حدث فى روايتى لا احد ينام فى الاسكندرية لكنى طبعا لم اكن اكتب كل يوم وكذلك عدت إلى صحافة الاربعينات من القرن الماضى وقرات كتب القادة السياسيين لتلك الفترة وقادة الحرب العالمية الثانية. الرواية فرضت على ذلك وحين كتبتها فى اول التسعينات لم تكن هناك انترنت ولذلك كنت اذهب شبه يوميا إلى دار الكتب اتصفح الصحف القديمة. طبعا لو كتبتها الان لاصبح الوقت نصف ما انفقته فيها فكل المراجع على الانترنت. لكن ليست كل الروايات تاريخية وتحتاج مراجع. فى الروايات غير التاريخية كنت امضى مابين العام والعامين والثلاثة.وهنا ايضا لابد ان اشير إلى زحمة الحياة ايام الشباب. الان لدى فراغ كبير واشعر بضرورة التفرغ للعمل اكثر من الماضى فالعمر يسرع لكن فى النهاية صارت منذ خمس سنوات لا تستهلك الرواية اكثر من عام وخاصة انها روايات عن زماننا او زمن عشته وليست الحرب العالمية الثانية. هذا لايعنى انى مع او ضد الاسراع فى الكتابة لكنى ضد ان تكون الكتابة لمجرد الكتابة. الجهد الكبير للكاتب ليس فى الحكى لكن كيف يقيم بناء روائيا فيه تتعدد الشخوص وتتعدد لغات الشخوص واذا كان لديه اهتمام بقضايا الانسان الوجودية الكبرى تكون خافية خلف مايكتب. الكتابة ليست مجرد تنفيس عن الكاتب بل هى بناء عالم وهمى من الجمال الفنى ولقد قطع الادب تاريخا فى ذلك وتعددت المذاهب الادبية من الكلاسيكية إلى مابعد الحداثة مرورا بالرومانتيكية والطبيعية والواقعية والواقعية الاشتراكية والواقعية الجديدة والعجائبية والحداثة وما بعدها. هذا التاريخ من الافضل ان يقرأ الكاتب شيئا منه لا ان يمشى وراء الرواية باعتبارها رائجة ويحكى. ويظل الوقت رهين المعرفة ليس بالموضوع فقط لكن بالبناء والشكل. لم تكن المعارك بين المذاهب الادبية تسلية لكنها قامت على معرفة ورؤى مختلفة للوجود. فى الوقت نفسه لا اقف عند من يتندرون على كاتب لغزارة انتاجه او لقلتها فهناك عظماء لهم كتاب واحد او اثنين وعظماء لهم كتب عديدة. المهم هو ان يكون الكتاب او الرواية رواية حقيقية. لا يجب ان يفرح من ينتقلون إلى فن الرواية بغزارة الآن برضا بعض دور النشر على مايكتبون لاسباب استهلاكية فمثل هذه الاعمال لن تصمد فى تاريخ الادب ولن يصمد بعضها. كيف تكتب لا ماذا تكتب هو السؤال الذى لا يجب ان يضيع عن اى كاتب. اما الوقت المبذول فانت حر فيه لكن لو عرفت ان القضية هى كيف تكتب لن تكون الرواية فى عدة ايام.

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة