نوال مصطفى
نوال مصطفى


يوميات الأخبار

كلفة الحب وأرباح السعادة

نوال مصطفى

الثلاثاء، 21 يناير 2020 - 06:23 م

 

«من يصدق أن رجلين فى خيمة فى الصحراء عام 1968 كان لديهما هدف بناء دولة متقدمة عالمية ومتطورة؟ من يتخيل أن رجلين كان لديهما التفاؤل والثقة الكافيان للنجاح».

مع بداية العام الجديد كانت الملكة الأم فى بريطانيا، الملكة إليزابيث على موعد مع القدر! أصابها دوق ودوقة ساكس الأمير هارى وزوجته ميجان بصدمة من العيار الثقيل! أعلنا عن تخليهما عن دوريهما الملكيين، والانتقال إلى كندا للعيش باستقلالية وحرية بعيدا عن تقاليد العائلة المالكة وبروتوكولاتها المحافظة.
استشاطت الملكة غضبا، نفت فى البداية الخبر وقالت لم نتشاور بعد فى ذلك، ولم يخبرنا الأمير بنواياه بعد، لكن الخبر انتشر بسرعة مذهلة فى زمن السوشيال ميديا واهتمام الناس بحياة الملوك والأمراء، وكذلك مع تأكيدات هارى وميجان علانية عن نواياهما للعيش بحرية، والاستغناء عن مخصصاتهما الملكية.
تخيلت فى البداية أنها تسطيع أن تحتوى الأزمة الملكية، وتقنع الأمير بأن يراجع نفسه، ويقدر حجم الخسارة التى ستلحق به، لكنه فيما يبدو نسخة من أمه ديانا التى انتصرت لإنسانيتها، وقررت الاستغناء عن نعيم القصر، ورفاهية البلاط الملكى.
عندما تأكدت الملكة من قرار هارى وميجان أعلنت عن قرارها القاسى بحرمان حفيدها وزوجته من لقب «السمو الملكى» وألقابه العسكرية، ومخصصاته المالية. وعندما تساءل المراقبون عن تكلفة انتقال هارى وميجان إلى كندا ومن سيتحملها، كشفت صحيفة الـ«ديلى ميل» البريطانية أن دافعى الضرائب سوف يتحملون دفع تكاليف تأمين الأمير هارى وزوجته التى تقدر بنحو 7.6 مليون جنيه استرلينى على الرغم من أن الزوجين أسقطا لقب صاحب السمو الملكى! والواضح أن قصر بيكنجهام ليس لديه رد على هذه المسألة.
من ناحية أخرى، اتصل جاستين ترودو رئيس وزراء كندا بالملكة ليطمئنها أن حفيدها وزوجته سيكونان فى أمان فى بلاده، لكن يبدو أن ترودو وضع نفسه فى مأزق بهذا الالتزام، فمن سيدفع فاتورة تأمين الزوجين الفارين من نعيم الملكية: بريطانيا أم كندا؟.
البعض يتوقع أن البلدين سوف يتقاسمان الفاتورة الباهظة، صرح أحد المسئولين الأمنيين فى كندا بأنهم يحتاجون إلى حراس شخصيين طوال الوقت، وهذا يتطلب رواتب عالية لهؤلاء، بالإضافة إلى ثمن السيارات التى يستقلونها، والطائرات التى يسافرون بها، ومعدات الاتصالات المتطورة، فمقر إقامتهم سيحتاج إلى تثبيت الأسوار إلى جانب الدوائر التليفزيونية المغلقة وأجهزة الإنذار.
طبعا أدى ذلك إلى حالة من الاحتقان الشعبى فى كندا، بسبب تحمل البلاد أعباء تأمين الأمير وزوجته، فقد أظهر استطلاع رأى أن ما يقرب من ثلاثة أرباع الكنديين لا يرغبون فى دفع تكاليف انتقال الأمير هارى وميجان إلى البلاد أو دفع تكاليف إجراءاتهما الأمنية.
المبالغ الباهظة التى تتناقلها الأنباء فى هذا الشأن مذهلة ومدهشة فى آن معا. أول الغيث أن ميجان ماركل تتطلع إلى الاستقلال عن العائلة الملكية فى قصر كندى بقيمة 21 مليون جنيه استرلينى يضم ست غرف نوم، وخمسة حمامات عبر أربعة طوابق، كل الغرف بها نوافذ تضفى أجواء رومانسية، مبهجة على الشاطئ الجميل.
كيف سينفق الزوجان على حياتهما القادمة؟ الإجابة هى أن هارى سوف يستمر فى تلقى الأموال من والده الأمير تشارلز والتى تصل إلى 2.3 مليون جنيه استرلينى سنويا، وتعهد الأمير الصغير برد مبلغ 2.4 مليون جنيه استرلينى لصندوق المنحة الملكية وهو المبلغ الذى تم إنفاقه على تجديدات منزل «فروجمور» فى محيط قلعة ويندسور، الذى سوف يحتفظان به كمقر لإقامتهما فى بريطانيا.
القصة عجيبة تنطوى على مفاجآت وأسرار، الموضوع ليس رغبة فى البساطة والحياة العادية، والدليل أن ميجان اختارت قصرا فاخرا لتعيش فيه فى كندا، والحساب سيظل على صاحب المحل «قصر باكينجهام». إنها مفاجآت القصر التى تذكرنا بقصة قديمة تخلى فيها عن العرش أيضا الملك إدوارد الثامن ليتزوج من سيدة أمريكية مطلقة هى واليس سيمبسون وعاش حياته معها فى فرنسا. صحيح الحب بهدلة!
تأملات فى السعادة والإيجابية
شيء جميل أن تقرأ كتابا يتناول أفكارا متوهجة تنطلق من أرضية الواقع إلى سماء الحلم، وأن تسحبك صفحاته بسلاسة وعمق لاكتشاف قصص محفزة، تجارب حية وملهمة، هذا الكتاب الذى فاجأنى، أسعدنى وشحن حواسى هو كتاب «تأملات فى السعادة والإيجابية» الذى كتبه سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبى، ورئيس مجلس وزراء دولة الإمارات العربية.
يسجل الكاتب فى هذا الكتاب عصارة تجربته الشخصية كقائد، ومحرك لشعب الإمارات الشقيق فى رحلة التطور والحداثة التى نجح فيها بكل المقاييس بما يفوق الوصف، ويتجاوز التوقعات.
يقول الكاتب فى المقدمة: فى هذا الكتاب المختصر فى كلماته، السريع فى عباراته، أحببت أن أتناول مفهومى السعادة والإيجابية من زوايا جديدة وظلال مختلفة، فوضعت مجموعة من التأملات الإدارية فى السعادة والإيجابية وتأثيرهما فى الإنجاز والإنتاج والإبداع والنجاح فى الحياة.
أتوقف هنا عند بعض سطور الكتاب الممتع:
>> هل تعلم تأثير السعادة فى الصحة، والوفر الذى يمكن أن تحققه الحكومات عندما يكون المجتمع صحيا؟ وتأثيرها فى إنتاجية الموظفين، وتأثير هذه الإنتاجية فى الناتج الاقتصادى، ومدى استفادة المجتمع من ذلك؟.
>> من يصدق أن رجلين فى خيمة فى الصحراء عام 1968 كان لديهما هدف بناء دولة متقدمة عالمية ومتطورة؟ من يتخيل أن رجلين كان لديهما التفاؤل والثقة الكافيان للنجاح فى تحويل إمارات متصالحة يسودها النظام القبلى ويتنازعها العوز وقلة العلم إلى دولة مؤسسات وأنظمة وسلطات وقوات نظامية وتعليم نظامى وجامعات؟ وكل ذلك فقط خلال سنوات، بل أكثر من ذلك، لم يكن طموحهما بناء دولة المؤسسات فحسب، بل كانا يريدان مدنهما أن تكون كمدن العالم الكبيرة التى زاراها مرات قليلة. أليس كل ذلك تفاؤلا وإيجابية؟ تخيلوا لو أن زايد وراشد كانا قائدين سلبيين، أين ستكون دولة الإمارات اليوم؟ تخيلوا لو أنهما جلسا يعددان المشكلات والعقبات وضعف الإمكانات، ويلتمسان العذر فى قلة الإنجاز. إنه كتاب جدير بالقراءة.
مى زيادة فى المعرض
أشارك فى معرض القاهرة الدولى للكتاب هذا العام بالطبعة الثانية الصادرة عن دار العين لكتابى «مى زيادة أسطورة الحب والنبوغ». وهى الخامسة من عمر الكتاب الذى يتجدد مع الزمن وتزداد قيمته ومحتواه كلما ازداد توقنا للمعنى والقيمة.
زمن مى هو زمن العقاد، طه حسين، جبران خليل جبران، أحمد شوقي، مصطفى عبد الرازق، أحمد لطفى السيد. زمن التنوير والفكر والصالونات الأدبية التى تنعش الروح وتضئ العقل بالأفكار والرؤي. لذلك يعيش كتابى ويجدد نفسه ذاتيا مع كل طبعة جديدة.
أتمنى أن يأتى بعدى من ينصفني! كانت هى الجملة التى كتبتها مى فى مقدمة أحد كتبها، فتراءت لى رسالة تحركنى، تدفعنى بقوة لإنجاز هذا الكتاب.
وبدأت الرحلة الصعبة للإبحار فى دهاليز ذلك الزمن الجميل. زمن كان للفكر فيه هيبة.. للأدب والثقافة إحترام وإجلال. وكان المبدعون هم صفوة المجتمع.. وليسوا رجال الأعمال! زمن كان الحدث الثقافى لا يقل فى أهميته عن الحدث السياسي. والمعارك الأدبية تجد من القراء ما لا تجده المعارك السياسية.
زمن الإبداع والفكر والثقافة حينما ملأت أنواره نهايات القرن التاسع وبدايات القرن العشرين. زمن ارتفعت فيه هامات العبقريات المصرية فى كل المجالات : الأدب.. الموسيقى.. الغناء.. الشعر.. الطب.. الهندسة.. زمن الإبداع الكلى.. فالإبداع لايتجزأ.. وشعاعه يمتد ويسرى فى شرايين المجتمع.
مى هى المرأة الوحيدة التى تألقت وتفردت وسط باقة من العمالقة الرجال فى عصر لم يكن مسموحا للمرأة بأن تخرج للحياة العامة، لم تكن ظاهرة أدبية.. ثقافية انثوية فحسب.. بل ظاهرة إنسانية أيضا.
فهى لم تعش حياة طبيعية، بل نصف حياة ! خافت من الحب خشية أن يجرها إلى الخطيئة.. وفى نفس الوقت لم تجد القلب الحقيقى الذى يحتضن مخاوفها ويضمها بصدق.. وكان ذلك سبب كارثة حياتها.
صلاح منتصر
هناك أقلام تحجز لنفسها مكانا فى عقل وقلب القارئ، لها كاريزما خاصة تنفذ من خلالها إلى محبيها ومتابعيها. من تلك الأقلام الجميلة الاستثنائية قلم الأستاذ صلاح منتصر. منذ أربعين يوما غاب عموده اليومى بالأهرام عن قرائه، وكعادته الراقية تقدم إليهم باعتذار رقيق ملئ بالإنسانية والتواضع، طالبا أجازة من الكتابة بسبب وعكة صحية عنيفة اقتضت منه السفر إلى لندن لإجراء جراحة دقيقة جدا.
لا أخفى عليكم أننى حزنت، ودعوت له من أعماق قلبى بالشفاء العاجل والعودة إلى قرائه ومساحته الغنية بالفكر والرؤى فى عموده «مجرد رأى». الأستاذ صلاح أعرفه على المستوى الإنسانى وأفخر بتلك الصداقة بشخصية بهذا الثراء الفكرى والثقافة الموسوعية والحياتية معا، وأعرفه على المستوى المهنى وأراه يمثل جيل الأساتذة الذين عشقوا هذه المهنة، وشغفوا بها فأعطوها حياتهم وإخلاصهم، فمنحتهم الوجود والخلود.
عاد الأستاذ بحمد الله إلى الكتابة ففرح قلبى بقراءة أول عمود له بعد الغياب. كان عنوانه «كاتب تحت التمرين». كتب ببساطته المبهرة إنه اضطر لأول مرة للانقطاع عن الكتابة التى هى عمله الوحيد طوال 60 سنة، وعندما أحس بتحسن فى حالته طلب العودة للكتابة من المستشفى رغم انتظاره لإجراء الجراحة، لكنه أحس لأول مرة بحالة من الفراغ يقول « لا فكرة.. ولا موضوع ولا قدرة فلماذا كل هذا العقاب؟ هل لأننى توقفت عن الكتابة 40 يوما، والقاعدة أن من يهمل أى موهبة تنساه الموهبة؟!
ويقول فى آخر المقال العذب الجميل لذلك قررت أن ألجأ إلى قارئى الذى استأذنته من قبل فى أجازة، أن استأذنه هذه المرة كاتبا تحت التمرين أو حتى كاتب «ظهورات» لعل وعسى !
إنها كلمات لا تصدر إلا عن أستاذ أيها الكاتب الرائع: صلاح منتصر.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة