د. حسام بدراوي خلال حواره مع الزميل حازم بدر
د. حسام بدراوي خلال حواره مع الزميل حازم بدر


حوار| د. حسام بدراوي: ثورة يناير أحدثت فراغا ملأه الإخوان.. وجينات مصر الحضارية أسقطتهم سريعا

حازم بدر

الأربعاء، 22 يناير 2020 - 06:46 ص

- كنت أرى أنها أهم من ثورة 1919.. وغيرت رأيى بعد تكشف الحقائق

- مبارك كان مقتنعا بإجراء انتخابات مبكرة.. والدوائر القريبة منه غيرت رأيه

- واجهنا لعبة مخابراتية.. وتاريخ الدولة المصرية حماها من التفكك

- الديمقراطية فيلم طويل إحدى لقطاته «صندوق الانتخابات»

- أسرتى انقسمت حول قبول منصب أمين الحزب الوطني.. ورفعت السعيد نصحنى بالموافقة

 

من بين الخطوات التى اتخذها الرئيس الأسبق حسنى مبارك ضمن محاولاته لاحتواء عاصفة 25 يناير 2011، كان تعيين د.حسام بدراوى، أمينا عاما للحزب الوطنى الحاكم آنذاك، خلفا لصفوت الشريف.


لم يكن الاختيار مفاجأة بالنسبة للجميع، فمبارك كان يبحث حينها عن وجه مقبول جماهيريا، ود.بدراوى كان من الوجوه القليلة فى منظومة الحزب الوطنى التى تحظى بهذا القبول، ربما لتغريده أحيانا خارج السرب، معلنا آراء قد يبدو من الغريب صدورها عن أحد قيادات الحزب.


ولكنى بعد أن التقيته أدركت مزيدا من الأسباب التى جعلت مبارك يقدم على هذا الاختيار، فمثل هذه اللحظات الحرجة التى كانت تموج بالأحداث والتفاصيل، تحتاج إلى سياسى بمواصفات خاصة، لديه من المرونة ما يمكنه من قراءة تطورات المشهد والتعامل مع المتغيرات الجديدة بواقعية بعيدا عن الآليات القديمة والتقليدية التى كان قيادات الحزب الوطنى لا يعرفون إلا سواها، وفوق كل ذلك يجب أن تكون أفكاره منظمه، وحديثه لينا، وانفعالاته موظفة، فلا يكون من السهل استثارته.


وخلال 80 دقيقة قضيتها فى مكتبه، وجدت أن كل هذه المواصفات تجمعت فى هذا الرجل، فالهدوء الذى يجيب به على الأسئلة السهلة، هو نفسه الذى يقابل به الأسئلة الصعبة، فلم ترتفع نبرة صوته أكثر من المعتاد عندما قلت له إنك كنت ممثلا فى مسرحية الديمقراطية المزيفة التى كان يدعيها النظام، ولم يحمر وجهه غضبا عندما واجهته بتناقض تصريحاته بين وصف ثورة يناير فى حوارات سابقة بأنها أهم حدث فى التاريخ، ثم وصفها لاحقا خلال الحوار بأنها جزء من لعبة مخابراتية.


وكان فى رده على هذه الملاحظات والأسئلة مسترسلا فى الحديث بلباقة ولياقة، تجعله قادرا على وضع اللفظ فى المكان المناسب، ومنظما فى طرح الأفكار التى كانت تتلاحق، للدرجة التى جعلتنى أتجنب بعض الأسئلة التى أعددتها مسبقا، لملاحقة هذا السيل المتدفق من الأفكار.


ولولا الشعر الأبيض الذى غزا رأسه، لظننت مع كل هذه المواصفات التى تحتاج إلى سنوات طويلة من العمل والتدريب، أننى أمام شاب فى الأربعينيات من عمره وربما أقل، مع أن السيرة الذاتية له تقول إننا أمام رجل فى منتصف العقد السادس من عمره.. وإلى نص الحوار.
 


< بداية وأنا أعد لهذه المقابلة، احترت فى وصفك لتنوع اهتماماتك، فهل أنت المفكر أم السياسى أم الطبيب أم أستاذ الجامعة.. وهو ما يدفعنى لسؤالك عن الاهتمام الأقرب إلى قلبك؟


- أجاب على الفور: أستاذ الجامعة بالطبع، لأن أستاذ الجامعة مهنة تربطنى بالشباب، والارتباط بالشباب يعطى طاقة، وتجديدا للحياة.


< بما أنك وصفت عملك كأستاذ جامعة بأنه جعلك قريبا من الشباب، ألم تشعر قبل 25 يناير 2011، بأن  ثمة غضبا بينهم من ممارسات النظام؟
- تخرج الكلمات من فمه سريعة: طبعا شعرت وترجمت ذلك كتابة، ومن خلال عملى بالحزب، ولكنى كنت أقلية، وأذكر أننى قلت فى الاجتماعات أكثر من مرة وبوضوح إننا أغلبية برلمانية وأقلية فى المجتمع،وسألتهم كيف أنكم لا ترون ذلك، وربما ذلك هو ما أنقذنى فى اللحظة الحرجة.


قرار قبول المنصب
< صدر كتاب بعنوان «رجل العاصفة» للصحفى محمد مبارك، يوثق لطبيعة دورك فى مشهد ٢٥ يناير، وقد احترت بعد قراءة ما كتب عن الكتاب، فهل القدر هو الذى اختارك لهذه المهمة أم أنك سعيت لهذا الدور؟

- ترتسم على وجهه حالة من الدهشة يعقبها بقوله: وهل من المنطقى أن أسعى إلى تصدر المشهد وأخذ الصورة فى لحظة السقوط، فقرار قبولى منصب أمين عام الحزب الوطني، لم يكن سهلا، فقد كنت مترددا، وأسرتى كانت منقسمة، هل اقبل أم لا.. وحرصت أيضا على استشارة بعض رموز المعارضة من أصدقائي، ومنهم رفعت السعيد رئيس حزب التجمع الذى نصحنى بالقبول فورا لهذه المهمة.. وكان هدفى هو الانتقال خطوة للأمام بإرادة شعبية، ولكن فى إطار من الشرعية، وذلك عبر انتخابات رئاسية مبكرة.


< وبعد تسعة أعوام من ثورة يناير، هل تراها ثورة، أم أنها انتفاضة، وهو الوصف الذى استخدمه المفكر الكبير د.جلال أمين فى حوار أجريته معه قبل شهرين من وفاته؟
- يصمت لوهلة قبل أن يقول: التعبير اللفظى بالنسبة لى غير ذى قيمة، فإذا عدنا للموسوعات ونظرنا إلى معنى الثورة، ستجد أنها تغير من وضع لوضع آخر، والحقيقة التى تبدو واضحة هى أن مصر قبل الثورة كانت شيئا، وبعدها شيئا آخر، فبعد الثورة سقطت مؤسسات، وانهار الاقتصاد، وتغير نظام الحكم وجاء الإخوان للسلطة، والسؤال: هل ما حدث كان فى صالح البلاد أم ضدها؟ والإجابة على هذا السؤال يجيب عليه التاريخ، والتاريخ لا يكتبه إلا المنتصرون، بمعنى أن ما حدث فى يناير لو كان قد تم وأده، كان الثوار سيوصفون بالمجرمين، ولكن بما أن النظام هو من خسر فقد حدث العكس.


والواقع يقول إنه بعد 9 سنوات، فإن كل ما حدث فى يناير بمصر وقبلها تونس وما تلاهما فى سوريا وانعكاساته على العراق واليمن والسودان، هو ترتيب منسق مخابراتيا يهدف لتفكيك الدول العربية وإنقاص قوتها لصالح إسرائيل، فهناك مستفيد وخاسر، والمستفيد هو إسرائيل، والخاسر هى الدول العربية.


عصية على التفكك
< وهل ما نواجهه الآن من تحديات له علاقة بما حدث فى 25 يناير 2011، وأعنى بذلك تهديدات تواجهنا من الجنوب متمثلة فى سد النهضة، والشرق حيث التنظيمات الإرهابية شمال سيناء والغرب حيث الاضطرابات فى ليبيا والتدخل التركى هناك، فيما يبدو وكأنه حصار للدولة المصرية؟

- يطلق تنهيدة عميقة استعدادا لإجابة طويلة قبل أن يقول: أخشى أن نظن أن مصر هى الهدف من كل هذا، فمصر جزء مما يحدث من الفوضى التى خلقتها المخابرات الأمريكية والبريطانية، ولكن مصر أصعب من الانهيار، لأنها دولة حكومتها مركزية عميقة ودولتها عمرها آلاف السنين، فليس من السهل تفكيكها مثلما حدث فى دول الجوار، لكن هل كان هناك شكل عام أن المنطقة كلها تسقط اقتصاديا وتنهار اجتماعيا وتنهزم ثقافيا، بالقطع نعم؟ وهل المسئول عن ذلك هو صاحب المخطط، أم شعوب وقيادات لم تستوعب حركة التاريخ، فسقطنا ببساطة وحدث لنا ما حدث؟ أى كانت الإجابة فإن هناك تغييرا حدث، ولكن الشعب المصرى يختلف أن لديه جينات حضارية، مكنته من الانقلاب على الحكم الدينى المتطرف خلال سنة واحدة، مع أن هذه النوعية من الحكم لا تخرج من أى بلد قبل مائة عام.


ولكن إجمالا فإن ما حدث فى التسع سنوات الماضية، أظهر التطرف الدينى بقوة، وأدى لانهيار اقتصادى، فلا يخفى على أحد أن مصر فى 2010، كانت تقف على اعتاب نمو اقتصادى، وحققنا معدلات نمو وصلت 7 %، صحيح أن ذلك صاحبه أخطاء وخلل فى العدالة الاجتماعية، ولكن الدول تبنى على تاريخها ولا تهدمه، والثورات بطبيعتها تهدم، وعندما تهدم بدون بديل يحدث فراغ، والفراغ يملأه الأعلى صوتا والأكثر تمويلا والأكثر تنظيما، وهنا تدخل التنظيمات المتطرفة وأجهزة المخابرات.


لعبة مخابراتية
< هذا الرأى الذى تقوله عن ثورة 25 يناير يبدو متناقضا مع تصريح لك فى حوار مع الأخبار للزميلين أسامة السعيد وأحمد داوود فى 27 نوفمبر 2011، حيث وصفتها بأنها أعظم حدث فى تاريخ مصر؟
- يومئ بالموافقة على صحة هذا الوصف الذى أطلقه على ثورة يناير، قبل أن يقول وقد ارتفعت نبرة صوته: كانت هذه نظرتى ساعتها، ولكن بعد ما عرفته اختلف رأيي، ففى الأيام الثلاثة الأولى للثورة، كانت نظرتى لها أنها مثل الثورة الفرنسية، وأفضل من ثورة 1919، ولم تكن ثورة جياع، أو ثورة اشتراكية يسارية أو دينية، ولكن تغير الحال بعد هذه الأيام الثلاثة وصارت لعبة مخابراتية.


< كيف يمكن أن يتسق وصف الثورة بأنها لعبة مخابراتية مع خروج جموع الناس للشارع؟.. فهل هناك من دفعهم لذلك؟
- يومئ بالرفض قبل أن يقول وقد أصبحت نبرة صوته أكثر حماسا: اللعبة كانت فى التحكم بمسار الثورة.. لكن هل الناس خرجت بإرادتها؟.. نعم خرجت بإرادتها، وبالمناسبة كان أبنائى بينهم.. وهل كان الناس يطالبون بالعدالة والكرامة؟ نعم كانوا يطالبون.. هل معهم حق.. نعم كان معهم حق.. ولكن حتى تستطيع أن تجعل مليون شخص يجتمعون فى مكان واحد لمدة 19 يوما، فأنت تحتاج إلى تمويل كبير وغذاء ودورات مياه، وناس تذهب للراحة، وآخرون يحلون محلهم، وهذه إدارة معركة، لا تفعلها الجموع، ولكن تفعلها قيادات مدربة ومحنكة.


< تقصد قيادات الإخوان، فكل من شارك بالثورة كان يقول إنهم كانوا يتولون مهمة الإدارة التى تشير إليها؟
- لم ينتظر إكمال السؤال وقال: لم يشاركوا فى الثلاثة أيام الأولى، ولكن بلا شك كان هناك من ينسق ويدير.. وأذكر مقولة لفيلسوف فرنسى لا أتذكر اسمه، قال إن ادارة الجموع تخلق تغييرا فى الشخصية، فتستطيع بالصوت العالى والتنظيم توجيه الجموع، بحيث إن الشخص الذى ينظف ويحمل الورد، يمكن أن يكون نفس الشخص الذى يقذف بالحجارة ويدمر المحال التجارية، إذا طلب منه ذلك.


الديمقراطية وصندوق الانتخابات
< من التصريحات التى توقفت أمامها كان تصريح لك فى جريدة الوفد فى 27 أغسطس عام 2006 قلت فيه إن حصول الإخوان على 20% من الأصوات فى انتخابات 2005، يعنى أن الأغلبية تؤيد الحكم المدني، فكيف أتت بهم نفس الأغلبية لسدة الحكم فى انتخابات 2012؟

- يرد على سؤالى بسؤال قائلا: بما أن الثورة قامت على نظام مبارك، فكيف حصل ممثل هذا النظام وهو الفريق أحمد شفيق على 50% فى انتخابات الرئاسة.. فلا يخفى على أحد أنه كانت هناك قوتان بالشارع، وهما الإخوان والحزب الوطني، ولكن الديمقراطية ليست صندوق الانتخابات فقط، فهو مشهد فى فيلم طويل يسبقة مشاهد ويعقبه مشاهد، وكانت المشاهد التى سبقت انتخابات 2012 تمهد لتولى الإخوان من خلال إعلام يصف كل من ينتمى للحزب الوطنى بالفساد، وبالتالى تم إخراجهم من المشهد لصالح الطرف الآخر، وبعد الانتخابات وفوز الإخوان جاءت لقطات مثل احترام الدستور والوقوف على مسافة واحدة من الجميع، وعندما أدرك المصريون أن الإخوان أكثر دكتاتورية وأقل كفاءة وبلاحكمة،ولايتكلمون إلا مع الإخوان، هنا ظهر ذكاء الشعب وجيناته التى تحدثنا عنها، وقام الشعب المصرى بالتخلص منهم.. يعنى باختصار ما حدث قبل الانتخابات أدى لوصولهم للحكم، وما فعله الإخوان بعد فوزهم أدى لنهايتهم.


< وهل كان وصولهم للحكم هو السبيل للخلاص منهم، فهذا أحد الآراء التى قالها لى سياسى كبير؟
- ترتسم على وجهه ابتسامة ساخرة قبل أن يقول: هذا تحليل بأثر رجعي، ولكنه ليس بأثر سابق، لأنه لم يكن أحد ليضمن حدوث ذلك، فالحكم الدينى إذا وصل لحكم دولة يستمر قرنا من الزمان.


مستقبل الإخوان
< هل للإخوان مستقبل فى مصر؟

-  يطلق تنهيدة عميقة قبل أن يقول: الطريق الوحيد لعدم عودتهم هو التداول السلمى للسلطة، لأن السلطة عندما تتغير يبدأ كل حكم من جديد عن طريق عمل توازنات، وفى هذه التوازنات يجدون فرصة للعودة، ولكن الحكم عندما يكون تراكميا عبر التداول السلمى للسلطة، بأن تبنى كل سلطة على سابقتها، بتعظيم الإيجابيات وتلافى السلبيات، يكون ذلك هو الطريق الوحيد لعدم عودتهم، والتاريخ يقول ذلك، فجمال عبد الناصر قضى عليهم ثم عادوا مع السادات، الذى أخرجهم من السجن فقتلوه، وجاء مبارك ووازنهم فأسقطوه.


< على ذكر موازنة نظام مبارك للإخوان، تعجبت كثيرا من أن يسقط هذا النظام أحد ابنائه فى انتخابات 2005، فى الوقت الذى كان يوازن فيه الإخوان.. فلم أفهم حقيقة كيف فعلوا ذلك...
-  ترتسم على وجهه ابتسامة عريضة قبل أن يقول: بالعكس مفهومة جدا، فقد كنت أغرد خارج السرب أحيانا، فلم توجد مرة طرح فيها مد حالة الطوارئ ووافقت، وإذا راجعت تقرير حالة مصر فى حقوق الإنسان 2009، ستجد أن كل ما كان يقوله شباب الثورة، كنت أنادى به، وأثناء مناقشة التعديلات الدستورية طالبت بتحديد مدة الرئاسة مرتين، وهذا جعلنى مقبولا جماهيريا، وعلى صداقة مع رموز المعارضة السياسية، ولم يجعلنى ذلك محبوبا من رموز النظام، ولكنهم لا يستطيعون التخلى عني، يعنى «لا باحبك ولا أقدر على بعدك».


تزويق النظام
< البعض كان يرى فى الدور الذى تلعبه نوعا من المعارضة المتفق عليها، وهو ما أشيع أيضا عن الصحفى إبراهيم عيسى الذى كان فى نظر البعض «معارضة من داخل النظام»؟

- توقعت أن يخفى هذا السؤال ابتسامته، ولكن على العكس وجدته يقول وهو يضحك : كانوا يقولون أن دورى هو « تزويق» النظام، ثم تصبح ملامحه أكثر جدية قبل أن يسألني: فى أى سنة ولدت، فقلت عام 1980، فيعقب: يعنى كان عمرك 10 سنوات عام 1990.


وواصل حديثه قائلا: عندما كان عمرك 10 سنوات، اجتمع مجموعة من الشباب كانوا بين الـ35 و40 عاما، وأسسنا مع د.سعيد النجار جمعية النداء الجديد، وفى هذه الجمعية التى تزعمها ذلك الرجل الهرمي، تعلمنا سياسة واقتصادا واجتماعا، وعندما نما فكرنا السياسى والاقتصادي، اختلفت توجهاتنا فى الإصلاح والتغيير، فكلنا كان يجمعنا هدف واحد وهو الإصلاح، ولكن سلكنا طرقا مختلفة للوصول إليه، فكنت وما زلت، أرى أن مصر بمركزيتها وإدارتها الفرعونية العتيدة لا تستطيع أن تحركها إلا من داخلها، وكان السبيل لذلك هو انضمامى للحزب الوطني، واختار آخرون ومن بينهم منير عبد النور الانضمام للمعارضة، وفضل فريق ثالث البقاء مستقلين لتحقيق التوازن، ومنهم منى ذو الفقار، وذلك كانت العلاقات بيننا أوثق من العلاقات مع أحزابنا، لأننا كنا ننشد هدفا واحدا.


< ولهذا السبب قبلت دعوة السحور الذى نظمته حركة «كفاية»، وهى الدعوة التى سببت لك مشاكل مع النظام؟
- كل دعوات كفاية قبلتها، وليس هذه الدعوة فقط، وبالمناسبة فى 2005، عندما كان مبارك يريد أن يتكلم أحد عن وجهة نظر النظام، كان يطلب منى ذلك، فأنا أعتقد أنه كان يقدرنى جيدا.


< كان يفعل ذلك فى نفس السنة التى تم إسقاطك فيها بالانتخابات؟
- نعم.. هل شاهدت تناقضا أكثر من ذلك؟.. فهو يرى ان لى مصداقية، ولكن يبدو أن ذلك لم يرق للحرس القديم فى الحزب، الذى وقف خلف إسقاطى ليس فقط فى الانتخابات البرلمانية عام 2005، ولكن فى انتخابات النادى الأهلى أيضا عام 2004.


خيوط اللعبة
< معنى هذا الكلام الذى تقوله هو أن خيوط اللعبة لم تكن كلها بيد مبارك؟

- يومئ بالموافقة قبل أن يقول: طبعا لم تكن كلها فى يده، فقد كان جزء كبير منها فى يد دوائر السلطة المستفيدة من بقائه، وظهر ذلك واضحا إبان أحداث ثورة 25 يناير فقد لمست بشكل واضح رغبته فى تسليم السلطة والذهاب نحو انتخابات رئاسية مبكرة، ولكن الدوائر القريبة منه غيرت رأيه.


< وهل ندمت على استمرارك فى الحزب الوطنى رغم إسقاطك فى 2005؟
- بالقطع لا، فأنا بطبيعتى عندى مثابرة وإصرار ولا أنهزم بسهولة.


< ولكنك قلت فى حوار مع المصرى اليوم فى 29 يونيو 2015 إن استمرارك من القرارات التى ندمت عليها...
- يومئ بعلامة الرفض باستخدام سبابته، قبل أن يقول: أنا قلت إن هذه هى اللحظة التى فكرت فيها فى ترك الحزب، ولكن كما قلت لك أنا عندى مثابرة وإصرار ولا أنهزم ببساطة، ودائما ما كنت أرى أنى اقتربت من تحقيق الهدف، وهو الإصلاح، وكان ذلك يدفعنى للاستمرار، بل أصبحت بعد 2005 أكثر صراحة فى الحديث، ولو قرأت تقرير حقوق الإنسان فى 2009، تتعجب كيف أنه صدر عن قيادى بالحزب الوطني، وكتبت لمبارك خطابا بعدها قلت فيه بوضوح إنه قد آن الأوان لإعلانه عام حقوق الإنسان، وهذا الخطاب وغيره من الوثائق أحتفظ بها للتاريخ، وسوف أصدرها فى مذكراتى فى يوم من الأيام.


مشاهد القصر الجمهورى
< ولم تندم أيضا على اختيارك قرار العودة للقصر الرئاسى بعد أن طردك منه زكريا عزمى بعد لقاء لك مع الرئيس، وهو الموقف الذى تحدثت عنه فى أكثر من لقاء...

- لم أندم إطلاقا.


< فى هذه اللحظة لو ذهبت لميدان التحرير لتحولت وقتها إلى بطل شعبي...
- إذا كان هدفى المجد الشخصي، لفعلت ذلك، ولكن كان هدفى استقرار بلدى عبر الانتقال السلمى للسلطة، وكنت أرى هذا الهدف قريبا، وكنت أستشعر أن الرئيس مبارك لديه استعداد لاتخاذ هذه الخطوة، فكان الانسحاب فى هذه اللحظة جبنا.


< كيف كان لديه استعداد لتلك الخطوة، رغم ما بدا لى وكأنه استهتار بالحدث، عندما علق فى أحد اللقاءات معك على أن ملابسك تبدو أكثر أناقة من الأمس، فى إشارة منه إلى الملابس التى كنت ترتديها فى أحد اللقاءات التليفزيونية، وهو المشهد الذى قلته فى أحد حواراتك الصحفية؟
- تظهر علامة الدهشة على وجهه من وصول هذا الانطباع لي، قبل أن يقول: بالعكس هو كان مقدرا لحدة المشهد، وكيف لا يقدره وهو رجل أمضى فى الحكم 30 عاما، ولديه من الخبرة ما يؤهله لتقدير الأمور، ولكنه كان محتفظا بهدوئه، أو على الأقل يظهر ذلك أمامي، فأنا أقيم المشهد من منظورى الخاص، ومن الجائز أن يكون أداؤه مختلفا مع الآخرين.. ولكن ما لمسته فى اللقاءات انه كان يشعر بالمرارة، وكان دائما ما يردد ما فعله من إنجازات كانت تستحق التكريم وليس الثورة عليه، وهذا حقيقة سببها أن السياسة ذاكرتها قصيرة، مما يجعل أفراد المجتمع لاسيما القادة يعيشون على انجازات الماضي، ولهذا السبب يجب أن تكون فترة الرئاسة محددة المدة، ولا يمضى أى رئيس أكثر من فترتين.
< كان لك تصريح بخصوص فترة الرئاسة، قلت إنك مع أن تكون الفترة الرئاسية 20 عاما...


- أنا قلت ذلك؟!
< نعم فى مؤتمر «الديمقراطية من أجل القرن الحادى والعشرين» الذى نظمته مكتبة الإسكندرية فى 11 ديسمبر 2015....
- يبتسم قائلا: هذه بعض من أخطاء الإعلام، فما قلته هو أن تحديد مدة الرئاسة فى غاية الأهمية حتى لو ستكون 20 عاما، فالفكرة أن اى رئيس يجب أن يدرك أنه لن يستمر فى الحكم إلى الأبد.


< عودة إلى لقاءاتك مع مبارك التى أخذنا منها هذا السؤال، فقد قلت أيضا فى أحد تصريحاتك، إن مبارك قال لك عندما لفت اتنباهه إلى خطورة المشهد واحتمال اقتحام الثوار للقصر الجمهورى، إن الحرس الجمهورى سيتعامل معهم بمنتهى الجدية، لأن وظيفته حماية القصر.. فكان ردك عليه: إنها ستكون فرصة تاريخية لقتله.. وسؤالى هو: هل كانت المؤسسة العسكرية تسمح بوصول المشهد لهذا الحد؟
- تعود علامات الدهشة إلى وجهه من هذا التصريح، وقال إن ما حدث هو أننى عبرت عن خشيتى من أن يتطور المشهد يوم الجمعة فيقتحم الثوار القصر، فكان رد مبارك انه يخشى وقوع قتلى إذا حدث ذلك، لأن الحرس الجمهورى وظيفته حماية القصر الجمهوري، وإنه على استعداد ليموت من أجل بلده، فقلت له : ولماذا تموت، فلتحيا من أجل بلدك وتدعو لانتخابات رئاسية مبكرة، ولكن من كانوا يريدون اتهام مبارك بقتل الشباب، حرفوا ما قلته، لكن الحقيقة أنه لم يكن يريد أن يموت أحد.


< وهل كانت المؤسسة العسكرية تسمح بوصول المشهد إلى ما كان يخشى منه مبارك؟
- لا أعلم، ولا أعرف كيف كانت تفكر المؤسسة العسكرية فى ذلك الوقت، لأنى لم أقابل أحدا منها إبان أحداث يناير.


توريث جمال مبارك
< ربما كان بإمكاننا تجاوز كل هذه الأحداث، لو تحقق الإصلاح من داخل النظام الذى كنت تنادى به، ولكن هل كان تولى جمال مبارك الحكم هو الطريق الوحيد لهذا الإصلاح؟

- اعتدل فى جلسته ليقول بكل حسم: بما أنك تجيد البحث جيدا عن التصريحات السابقة، فارجع لمانشيت جاء فى صحيفة الوفد، قلت فيه بكل وضوح أنا ثقافتى ضد التوريث، وأنا خلال 10 سنوات من العمل بالحزب الوطنى لم أحضر اجتماعا واحدا يتم فيه الإعداد لتوريث جمال مبارك.. وكان زملائى فى المعارضة يقولون لى إنهم يتجنبوك فى مثل هذه الاجتماعات لأنهم يعرفون رأيك جيدا.


< ولماذا إذن ساد الانطباع عن توريث الحكم لجمال مبارك؟
- يصمت لوهلة قبل أن يقول: إذا تريد تحليلي، فأن أول من تكلم عن التوريث كان محمد حسنين هيكل فى قناة الجزيرة، وتلقف قوله فى مصر طرفان، الطرف الأول هم المنافقون الذين بدأوا يتعاملون مع الأمر وكأنه أمر واقع، والمعارضون الذين وجدوها فرصة لانتقاد النظام، وتصاعد الأمر حتى صار الانطباع حقيقة، حتى على الشخص نفسه، وكان عام 2007 خطا فاصلا مع إجراء التعديلات الدستورية، والتى قالت بشكل واضح إن الرئيس القادم مدنى من قيادات الأحزاب السياسية، وهنا بدأ الإنطباع يزيد.

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة