هشام مبارك
هشام مبارك


احم احم !

«البياضية نيوز».. نموذج لصحافة المستقبل

هشام مبارك

الأربعاء، 22 يناير 2020 - 06:29 م

فى السبعينيات من القرن الماضى وربما من قبل ذلك كان خالى سامى النايب- رحمه الله - يجلس أمام بيته الذى يقع فى مدخل قرية البياضية جنوب مدينة الأقصر. ليس له هدف سوى أن ينتظر كل صباح أول من يقصد مدينة الأقصر التى تبعد حوالى ثلاثة كيلومترات - سواء كان من يتصادف مروره مترجلاً - وهو الأغلب فى ذلك الوقت - أو راكبا ركوبة وهى هنا تعنى الحمار، ثم بعد التطور أصبحت دراجة عادية أو موتوسيكلا أو سيارة ليطلب منه شراء الصحف اليومية الثلاث فى ذلك الوقت: الأخبار والأهرام والجمهورية. وبالفعل وبمجرد عودة ذلك الرجل من الأقصر يمر على العمدة سامى ليسلمه حزمة الجرائد اليومية إضافة للمجلة التى يتصادف صدورها فى ذلك اليوم وكذلك الصحف الاسبوعية التى بدأت تنتشر فيما بعد حيث لا يفوت خالى أى عدد من أى مطبوعة تصدر فى مصر.
كانت مكتبة خالى سامى هى وكالة الأنباء الرسمية التى يستمد منها جميع سكان البياضية وربما القرى المجاورة لها كل أخبار مصر والعالم.كانت بمثابة «النيوز روم» بلغة عصرنا هذا وهى أهم مكان فى أى مؤسسة صحفية أو وكالة أنباء حيث يتم فيها تجميع الأخبار قبل تصنيفها وإعادة بثها كل خبر فى الجزء المخصص له.لم يكن الرجل يبخل على كل من يطرق بابه بأن يشرح له الأحداث إن لم يكن ملما بالقراءة والكتابة أو يتركه يقرأ بنفسه مايشاء من صحف ومجلات، شرطه الوحيد كان الحفاظ على المطبوعة ووضعها عقب الانتهاء من تصفحها فى نفس مكانها حتى لا يشق على من يريد الرجوع إليها ولو بعد حين أن يعرف مكانها.
ولأن دوام الحال من المحال رحل خالى سامى ورحلت معه - أو كادت - الصحف والمجلات الورقية وتوقفت أول «نيوز روم» عرفتها مصر من خلال قرية البياضية التى رحلت منها هى أيضا قرويتها وبراءتها وحلت مكانها المدينة بكل ماتحمله من مظاهر، آخرها هذا الإعلام الجديد من خلال السوشيال ميديا وخاصة الفيس بوك الذى فتح المجال أمام كل من يريد التعبير عن نفسه. وأصبحت مدينة البياضية عن بكرة أبيها تتابع تلك الصفحة الرائعة التى أنشأها حسنى عبد الرحمن أو حسنى أبو عوف كما يناديه الجميع وهو أحد شباب البياضية المثقف تحت اسم «البياضية نيوز». لم يدرس حسنى عبد الرحمن الصحافة ولا حتى حصل على كورسات فيها مثلا، لكنه أثبت عملياً أن السوشيال ميديا ممكن أن تكون ناجحة ومفيدة لو أحسنا استخدامها وأن الإعلام الناجح هو الذى يجد الناس فيه هم أبطال المشهد فهم الذين يحررون الصفحة ويكتبون آراءهم دون شطط أو تجاوز لما هو متعارف عليه من أخلاقيات المهنة، كما تجنبوا بدون قرار الخوض فى مسائل سياسية تفرق ولا تجمع وركزوا على موضوعات اجتماعية بالدرجة الإولى لا تكتفى الصفحة بمتابعتها ولكنها أيضا تبتكرها وتتبناها وتشجع الناس على المشاركة فيها وقد بدأ مؤسس الصفحة بنفسه عندما تبنى تطوير أحد الميادين الرئيسية فأصبح مزارا سياحيا.حتى من لا يجيد القراءة والكتابة أصبحت صفحة البياضية نيوز هى مصدره الأول فى الأخبار التى تخص المجتمع المحيط به. أما عن اهتمام أمثالى ممن اتخذوا من الغربة وطنا بعيدا عن مسقط رأسه فحدث ولا حرج، حيث لا غنى لنا أبداً عن متابعتها يوميا للوقوف على آخر المستجدات والأخبار التى تحدث فى البياضية سواء فى معرفة من رحلوا عن دنيانا من أهالينا وجيراننا أو الأنشطة الاجتماعية التى تحدث فى البلدة. يكفينى أننى عندما أشتاق لأهلى فى البياضية تروى أشواقى كاميرا الحاج حسنى التى تسجل بالصوت والصورة عقد قران شاب وفتاة من أهالى القرية حيث تتجول الكاميرا بتلقائية بين أهالينا فى مساجد لتسجل ابتساماتهم الجميلة أثناء كتب الكتاب.
«البياضية نيوز» تجربة تستحق التحية، أهم مايميزها أنها تجربة هواة لم يفسدها الاحتراف وتصلح لتكون نموذجاً لصحافة المستقبل التى أتوقع أن تنتشر قريبا فى جميع قرى ونجوع مصر.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة