د. مبروك عطية
د. مبروك عطية


يوميات الأخبار

التقرب إلى الله بتغيير الكلمات

بوابة أخبار اليوم

الخميس، 23 يناير 2020 - 06:40 م

وقد تشكو البنت زوجها وسوء فعاله لأمها، فتكوى بذلك كبدها، ثم تعود إلى بيت زوجها، فتغنى له، وترقص، وتضحك، وتسعد.

كلمات يحبها الله
السبت:
كما اصطفى الله عز وجل من الملائكة رسلا ومن الناس، اصطفى كذلك كلمات، والله عز وجل يحب من اصطفاهم من المخلوقات، ويحب ما اصطفاه من الكلمات، ومن هذه الكلمات: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، روى مسلم فى صحيحه من حديث سمرة بن جندب: إن الله اصطفى من الكلمات أربعا لا يضرك بأيها بدأت، وذكر هذه الأربع، واصطفى الله كلمات كثيرة غير هذه الأربع، جاء فى تفسير قول الله تعالى: "فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه"، إنها هذه الكلمات الواردة فى سورة الأعراف: "ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين" بهذه الكلمات تاب الله على آدم، وهى من اصطفاء الله تعالى، ولولا أن الله يحبها ما جعلها سببا فى توبته على آدم عليه السلام، كما اصطفى عز وجل: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، وذلك كما جاء فى سورة الكهف، فيمن كانت له جنة: "ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله" كما اصطفى ربنا تعالى من الكلمات: لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين، نجى بها يونس عليه السلام من الظلمات، واصطفى كذلك من الكلمات: رب لا تذرنى فردا وأنت خير الوارثين؛ فوهب إثر الدعاء بها زكريا عليه السلام يحيى وأصلح له زوجه مع مسارعتهم فى الخيرات، وغير ذلك الكثير، وقد ورد فى مسند أحمد: من قال: الحمد لله من تلقاء نفسه غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر، وقد اصطفى لنا ربنا تعالى كلمات نقولها عند حدوث المصائب، وهى إنا لله وإنا إليه راجعون، فقال تبارك اسمه: "وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون" لكنى وجدت فى البحث عجبا، ألا وهو ما رواه البخارى ومسلم فى صحيحيهما من حديث أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها، حيث قالت: انطفأ المصباح فى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة؛ فقال: إنا لله، وإنا إليه راجعون؛ فقلت يا رسول الله، إنه المصباح! فقال: كل ما ساء المسلم مصيبة، ومعنى ذلك أن كلمات: إنا لله وإنا إليه راجعون، والمعروفة بالاسترجاع تقال فى أقل شيء، يسبب إساءة للمسلم، ولو بانقطاع الكهرباء لحظات معدودة من الزمن، وليس كما يفهم كثير من الناس أن تلك الكلمات تقال عند حدوث المصائب الكبرى من خسارة فادحة فى تجارة، ومن موت عزيز غال، ومن فراق حبيب قريب، ومن فشل فى زيجة تكلفت الكثير، ومن إصابة ولد فى حادث، ومن تراكم ديون باهظة، وغير ذلك مما نعيشه جميعا، بل لأدنى إساءة تحدث تكون الكلمات المصطفاة على الشفاه، وهى: إنا لله وإنا إليه راجعون، وقلت فى نفسى: بهذه الطريقة لن يكون على شفاهنا غير تلك الكلمات، خصوصا إذا انطلقنا إلى أعمالنا، وتوقفت حركة المرور بتلك الطريقة التى ترهب وترعب، حين تقضى المسافة اليسيرة فى ساعتين، وحقها ربع الساعة، ألا يسبب ذلك سوءا لنفس المار السوى الذى يتألم، وهو يسير كأنه ساكن، ويتحرك كأنه متوقف، ماذا يقول خلال الساعتين غير إنا لله وإنا إليه راجعون، وحين نعيش سوء الخطاب الوارد على اتجاهين، اتجاه من لا يبين، فلا تفهم مراده، واتجاه من يبين ولا يركز فى بيانه من يسمعه، وحين نرى قذف المحصنات الغافلات التى ما عدن غافلات، وما كان لنا أن نخوض فى ذلك، بأن نتلقاه بألسنتنا، ونمنح مرتكبيه آذاننا، بل اصطفى لنا ربنا كلمات نقولها فى هذا السياق، وهى: "ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم" أى ما أكثر ما يسيء فى زماننا، ومعنى ذلك أننا لن نقول من الكلمات سوى إنا لله وإنا إليه راجعون، فما حظنا من الكلمات الأخرى التى اصطفاها الله، وأحبها، وقد ورد من فضلها ما ورد؟ معنى ذلك أنه لا حظ لنا فيها، ولا قدر لنا منها، لأننا ننتقل من سوء إلى سوء، أو من سيئ إلى أسوأ، وليس أمامنا إلا كلمات الاسترجاع، وقد ثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم قالها حين انطفأ المصباح فى بيته إلى درجة أن أم المؤمنين قد تعجبت لذلك، وقالت: يا رسول الله، إنه المصباح، وكأنها كانت ترى أن انطفاء المصباح أمر هين لا يستحق أن يقال عند انطفائه: إنا لله وإنا إليه راجعون، لكن علمها وعلمنا النبى أن كل ما ساء المسلم مصيبة، وما أكثر الوجوه التى تشتمل عليها (ما) فى حديثه الشريف صلى الله عليه وسلم، بلا عد ولا حصر، وقد تختلف نظرة الناس إلى ما يسيء، وتلك فكرة أخرى، أى من الناس من يعتبر هذا الأمر لا إساءة فيه، وبالتالى لن يقول إنا لله وإنا إليه راجعون، بينما يرى غيره ما هو أقل منه مصيبة، ويحق له بل يجب عليه متى شعر بما يسوءه أن يسترجع كما استرجع النبى صلى الله عليه وسلم عند انطفاء المصباح، ومن ثم وجب على الذين يعرفون معنى اصطفاء الله كلمات أخرى منها سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله أن يغيروا الإساءة حتى تصبح حسنا، يستدعى غير الاسترجاع من تلك العبارات، والمرء يبدأ بنفسه، ويحتسب عند الله تعالى هذا التقرب الذى أضع له عنوان: التقرب إلى الله بتغيير الكلمات، هو لا يغير الكلمة بأن يقول غيرها ولم يزل فى موقف السوء؛ فهذا عمى، حيث لا يقبل من المؤمن أن يقول عند الإساءة الحمد لله، والشكر لله، وإلا لقالها الله، أى لقال الله وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا: الشكر لله، ما قال الله ذلك، وقد رأينا سليمان عليه السلام يقول حين جاءه عرش بلقيس: هذا من فضل ربى، ومحال أن يقول مؤمن إذا حلت به مصيبة: هذا من فضل ربى، وإنما يقول ذلك عند حدوث الفضل الحقيقى، والنصر العظيم، فإذا أراد المرء أن يغير عبارة الاسترجاع (إنا لله وإنا إليه راجعون) كان عليه مثلا فى المرور أن يركب المترو، مبتعدا عن ازدحام الشوارع بالسيارت، وأن يركب هو وأسرته سيارة واحدة، ليخفف من تراكم السيارات، وأن ينأى عن الذين يسببون له الأذى والسوء، ألا ترى إلى قول الله تعالى: "وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما" أى قالوا قولا سلاما، لأن الرد على الجاهلين سوف يجلب المزيد من الإساءة، ومعها لن يكون للمرء المساء إليه حظ من الكلمات التى اصطفاها الله، بل سيكون حظه إنا لله وإنا إليه راجعون.
تغيير كلمات المصابين
الأحد:
حين دخل الصديق أبو بكر رضى الله عنه على جماعة ليعزيهم قال لهم: لا مصيبة مع العزاء، وذلك حين كان عزاء المصاب عملا لا قولا، أى أن يقدم المعزى للمصاب ما يعينه على تحمل ما أصابه، ومن قول الصديق أقول: إن من عزى مصابا بالعمل لا بالقول فقد دفعه إلى أن يقول: الحمد لله، والشكر لله الذى منحنى هذا العون من فلان، فخفف عنى ما أعانيه، أو لم أعد بعزائه الحق لى من المصابين، بينما كان هذا المصاب قبل ذلك العزاء يقول ـوحق له أن يقولـ : إنا لله وإنا إليه راجعون، أما وقد تغير الحال فلابد أن يتغير المقال، لأن لكل مقام مقالا، والمقال هنا مع هذا التغيير نيل من كلمات اصطفاها الله واختارها، وأحبها، وأعد لمن قالها أجرا عظيما، ومن ثم كان هناك مجال جديد من مجالات الجهاد فى سبيل الله، ولعلك تنظر إلى الأدنى منه حين تجد أما أو أبا يسألان ولدهما أو بنتهما عن حاله، فإن قال: أنا بخير يا أمى، أو يا أبى فقد دفع بهما إلى أن يقولا: الحمد لله، ولو قال غير ذلك لساءهما ذلك ولقالا: إنا لله وإنا إليه راجعون، وقد يقول الولد أو الشاب لوالديه غير الحقيقة طمعا فى عطائهما، بأن يشكو حاله، وهو فى الحقيقة بخير، فإذا بهما يغضبان من أجله، ويقولان إنا لله وإنا إليه راجعون، وقد تشكو البنت زوجها وسوء فعاله لأمها، فتكوى بذلك كبدها، ثم تعود إلى بيت زوجها، فتغنى له، وترقص، وتضحك، وتسعد، وكأنها ما سعت إلى أمها إلا من أجل أن تنكد عليها، وهذا ليس من مكارم الأخلاق التى بعث النبى صلى الله عليه وسلم إلا ليتممها، فهنيئا لمن غير من حال غيره حتى يغير من مقاله، متقربا إلى الله بذلك العمل الذى يترتب عليه قول يرضى الله عز وجل، ويالتعاسة من حمل الناس على أن يكون حظهم من الكلمات: إنا لله وإنا إليه راجعون بأن يسوق لهم الأذى، أو ينصرف عن عونهم، وهو قادر على أن يعينهم!
 قنطرة يسيرة
الاثنين:
كان الناس يسيرون فى طريق طويل، بينهم وبين حقولهم ترعة، لا يستطيعون عبورها إلا عن طريق المرور حوالى ثلاثة كيلو حتى ينتهى الطريق، فيستديرون إلى الطريق الآخر، وتفكر رجل كريم فى عمل قنطرة على رأس حقله، ترحم الناس من هذا العنت، وتكلف وحده نفقاتها وكانت يسرة، كما كانت كذلك متقنة، وقد عبرت فوقها كما عبر الناس، ومازلت أذكر فرحة الناس بها إلى درجة لا تعبر عنها كلمات، وفرت عليهم الوقت والجهد، وما يعنينى هنا أنى قلت وقد سمعتهم يقولون: الله أكبر، الله، الحمد لله يا راجل، روح يا شيخ ربنا يبارك لك ويخلف عليك، ومنهم من كان يرسل ولده فى حاجة له يقضيها من بقال فى القرية، ثم يشفق عليه من الطريق، فلما بنيت القنطرة أخذ الرجل يقول لولده: اجر، وبسرعة، وهات كذا، وافعل كذا، والدنيا أمامك سهلة، وادع لعمك فلان الذى يسر لنا الدنيا، وأقول: فما بالنا ببناء الجسور والكبارى، وإنشاء الطرق التى توفر الوقت والجهد للألوف المؤلفة من الناس، ومن يبنى المدارس بل الجامعات فى القرى ومدن الأقاليم، فيسهل عملية التعليم على الناس، ومن يراقب الأسواق، ويوقف الطامعين المستغلين حاجة الناس إلى سلعه، حتى يضبط الناس، ويوفر عليه الوقت الطويل، والنفقات من أولئك الذين يتقربون إلى الله تعالى بتغيير الكلمات، وهو لا يأمر الناس بأن يغيروا كلماتهم، وإنما يحملهم على تغييرها بقناعة ملحة لما أحدثه فى حياتهم من تغيير، نقلهم مما يجلب الإساءة التى تستدعى الاسترجاع، إلى الحسن الذى يستدعى تسبيح الله وحمده وتكبيره على من أنعم عليهم، وكان هو سببا فى تحقيق نعم الله عز وجل كما فعل ذو القرنين الذى مكن الله له فى الأرض، أتاه من كل شيء سببا فأتبع سببا، حتى بنى السد المنيع بين الظالمين يأجوج ومأجوج، وبين المظلومين الذين عرضوا عليه أجرا فلما أقامه قائلا ما مكنى فيه ربى خير نظر إليه وقال: هذا رحمة من ربى، وما عسى أن تنظر ممن صاروا يعيشون فى رحمة سوى تغيير الكلمات.

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة