محمد سعد
محمد سعد


آمنية

فيتنام مصر

محمد سعد

الأحد، 26 يناير 2020 - 07:30 م

ربما كان قدرها أن تشهد كل حروب مصر فى العصر الحديث وتكون شاهدة على بطولات أبنائها، وربما شاء القدر أن تحتضن أرضها الطيبة الآلاف من أجساد الشهداء الذين دافعوا عن الأرض والعرض، ولم يبالغ الإسرائيليون عندما أطلقوا عليها «فيتنام مصر»، إنها الأرض الطيبة والساحرة مقبرة الغزاة وأرض القناة وميدان الشرف والبطولة، إنها الإسماعيلية.
شهدت تلك البقعة من أرض مصر الكثير والكثير من الحروب والدماء على مدى تاريخ المصريين فى الدفاع عن أراضيهم، وفى التاريخ الحديث استضافت تلك الأرض معركة التل الكبير منذ 138 عاما، تلك المعركة التى وقعت بين جيش عرابى والاحتلال البريطانى وأبلى فيها الرجال بلاء حسنا، ويؤكد المؤرخون أنه لولا الخيانة التى تعرض لها العرابيون لما هزموا أو دخل الاحتلال البغيض أرض الكنانة وظل قابعا بها 72 عاما.
وخلال تلك الفترة لم يكل الرجال ولم تضق بهم أرض الإسماعيلية رغم امتداد السنين، وظل الأبطال يقاومون الاحتلال بكل ما فى وسعهم حتى الجلاء، تلك المقاومة التى حددت للإسماعيلية وقتا آخر مع البطولة والشرف فى عام 52 حين وصلت قمة التوتر بين مصر وبريطانيا إلى حد مرتفع واشتدت الأعمال الفدائية ضد معسكراتهم وجنودهم وضباطهم فى منطقة القناة، وكانت الخسائر البريطانية نتيجة العمليات الفدائية فادحة.. أقدمت القوات البريطانية على مغامرة أخرى، ففى صباح يوم الجمعة 25 يناير 1952 استدعى القائد البريطانى بمنطقة القناة البريجادير أكسهام ضابط الاتصال المصري، وسلمه إنذارًا بأن تسلم قوات الشرطة المصرية بالإسماعيلية أسلحتها للقوات البريطانية، وتجلو عن دار المحافظة والثكنات، وترحل عن منطقة القناة كلها وتنسحب إلى القاهرة بدعوى أنها مركز اختفاء الفدائيين ضد قواته فى منطقة القنال ورفضت المحافظة الإنذار البريطانى.
فقد القائد البريطانى أعصابه فقامت قواته بمحاصرة المحافظة والقسم، ووجه الإنجليز سلاحهم صوبهما بشكل مركز دون توقف، ولم تكن قوات الشرطة مسلحة بشىء سوى البنادق العادية القديمة، ومع ذلك قاوموا ببسالة فائقة ودارت معركة غير متكافئة ولم تتوقف هذه المجزرة حتى نفدت آخر طلقة معهم بعد ساعتين طويلتين من القتال، سقط منهم خلالهما 50 شهيدًا و80 جريحا بخلاف المدنيين.
ولم يستطع القائد الإنجليزى أن يخفى إعجابه بشجاعة المصريين فقال للمقدم شريف العبد ضابط الاتصال: لقد قاتل رجال الشرطه بشرف واستسلموا بشرف ولذا فإن من واجبنا احترامهم، وقام جنود فصيلة بريطانية بأداء التحية العسكرية لطابور رجال الشرطه المصريين.. لم تتوقف أرض الإسماعيلية عن العطاء، وخلال حرب أكتوبر ضربت أروع الأمثلة حين أقدم شارون على محاولة السيطرة على أرضها واحتلالها خلال ثورة الدفرسوار ولكن الرجال لقنوه درسا لن ينساه لدرجة أن الإسرائيليين أنفسهم أطلقوا على الإسماعيلية «فيتنام مصر»، نظرا لضراوة المعارك وتشابهها مع ما كان يقاسيه الأمريكيون خلال حرب فيتنام.
وكانت معركة الإسماعيلية نقطة تحول حاسمة فى مسار حرب أكتوبر، فقد أثبتت قوات الصاعقة والمظليين المصريين تفوقهما على سلاح المدرعات الإسرائيلى، ونجحتا فى ردع قوات شارون عن احتلال أو عزل المدينة، وكذلك منعته من تهديد خطوط إمداد الجيش الثانى الميدانى وحصاره.
مسك الختام
كل عام وأرض البطولة مدينة الإسماعيلية بخير وسعادة ونظل دائما نحتفل معها بعيد رجال الشرطة الأوفياء.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة