إيهاب الحضرى
إيهاب الحضرى


بالشمع الأحمر

التجديد الحائر

إيهاب الحضري

الأربعاء، 29 يناير 2020 - 07:45 م

كان يمكن لمؤتمر الأزهر العالمى أن يمضى فى سياقات مؤتمراتنا المعتادة، فيشهد إلقاء كلمات تقليدية، ثم ينفض وقد اقتنع كل متحدث أنه أدى دوره، لكن الأمور خرجت فجأة عن مسارها المألوف، وطرح رئيس جامعة القاهرة رؤية شبه ثورية، أعرب فيها عن عدم قناعته بالتجديد لأنه مجرد ترميم، وأكد انحيازه إلى تفكيك الخطاب القديم، وإقامة آخر جديد، نظرا لاختلاف العصور وأبنيتها العقلية، وعلى غير العادة جاءت كلمات الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر حادة، رغم هدوء نبراته ووعْده بأن يكون طيبا، بدأ ملاحظته بانتقاد كلمات الدكتور محمد عثمان الخشت غير المدروسة، وتأكيد أنها جاءت نتيجة تداعى الأفكار والخواطر، قبل أن يعلّق على وجهة نظره تفصيلا، ولا أود أن أكرر ما تابع الكثيرون جزءا منه أو كله، فالسجال متاح بالكلمة والصورة، لكن ما يشغلنى حاليا هو دلالة ما جرى.
كالعادة انشغلنا بالنقاش المُحتدم على طريقتنا، وانقسمنا إلى فريقين يشجع كل منهما أحد الطرفين، ويبدو أن الغلبة العددية كانت للإمام الأكبر، وفق مقياس التصفيق الذى قاطع عباراته أكثر من مرة، ثم معدلات مشاركة فيديو تضمّن ردوده، وكنت أتمنى أن يُفكّر مشجعو الطرفين بعُمق قبل الانحياز لقناعة ما، فكلا المتحاوريْن اعتمد على منطق يستحق التوقف أمامه، بهدف إعمال العقل، وليس بغرض الوصول إلى حل وسط، فلم نعد نملك رفاهية حلول الوسط، فى عالم يتغير من حولنا، ويسعى لانتزاع أراضينا بصفقات مُجحفة.
تجديد الخطاب الدينى إذن يحتاج إلى حوار حقيقى، لتبادل الرؤى وتوحيد المفاهيم، لأننى أعتقد أن هناك من تعاملوا مع دعوات التجديد بشك يعوق حركته، بينما تحمس لها آخرون دون أن ينطلقوا من أرضية ثابتة تعتمد على معايير واضحة، فاقتصرت جهودهم على خطب عاطفية، فى سياق ينبغى أن يعتمد على المنطق، لهذا جاءت محاولاتهم أقرب إلى موضوعات تعبير، تؤثر سلبا على الفكرة رغم اقتناعهم بها. من هنا أعتقد أن المواجهة التى حدثت مهمة، لأنها تكشف مدى الحاجة إلى نقاش يرتكز على الخلاف لا الاختلاف، يرد فيه المنطق على الحُجة، وتتراجع فيه حشود المُصفقين، لأن أسلوب التشجيع الكُروى لا يتناسب مع قضية بهذه الخطورة. وبالتأكيد لن تكون المهمة سهلة، خاصة فى ظل ضبابية المصطلح التى تصيب البعض بالقلق، وتجعل المتحمسين يتحركون فى أحيان كثيرة بلا منهج.
المشكلة أننا لانزال ندور حول الشكل دون أن نجرؤ على اقتحام المضمون، ويتداول الكثيرون فى الاتجاهين عبارات فضفاضة، وينشغلون عن جوهر المشكلة بالتفاصيل الجانبية، لنظل ندور فى الحلقة المفرغة نفسها، ويُفرز كل ذلك طائفة ثالثة، تضم متابعين يدخلون الساحة بلا وعى، ويحاول كل منهم ممارسة وصايته على الآخر وإقصائه، وخطورة هذه الفئة أنها تساهم فى تشكيل رأى عام يثير ضوضاء مصطنعة، ويهدد بصخبه حركة الفكر الحقيقى.
إن تجديد الخطاب لا يعنى المساس بالدين، بل إنه «من لوازم الشريعة»، حسبما أكد البيان الختامى للمؤتمر، الذى شدّد -فى المقابل- على عدم امتداد التجديد إلى النصوص القطعية فى ثبوتها ودلالتها. والمشكلة من وجهة نظرى تتمثل فى الخلاف حول «النصوص الظنية»، التى يمنحها البعض قداسة، رغم أنها مجرد اجتهاد قادم من الماضى، وأعتقد أن عملية التجديد يجب أن تنطلق مبدئيا من منصة تحديد الثابت والمُتغيّر، لخلع القداسة عن نصوص ظنية استخدمها دعاة التطرف طويلا لإرهابنا، ليُثبتوا باستمرار أن بعض الظن إثم، لهذا يصبح عدم التعامل معها بحسم إثما أكبر.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة