د. محمود عطية
د. محمود عطية


من باب العتب

قبل الرحيل

د.محمود عطية

الخميس، 30 يناير 2020 - 07:23 م

أنا ممن لا يجيدون إسداء النصح ولا أجيد إهداءه لأحد مهما كان بليغا ومقتضبا.. لأننى أؤمن بأن لكل منا حياته الخاصة وتجربته الفريدة التى لا تصلح للتعميم على الآخرين.. فتجربتك مغموسة بخبرات حياتك وثقافتك وعاداتك ومعتقداتك الخاصة والعامة وملونة ببيئتك الخاصة.. ونصيحتك تروى لاستشفاف العظة لا لتطبيقها على الآخرين مهما كانت صائبة كما ترى أنت.. وإلا كانت النصائح التى نسمعها يوميا عبر الآخرين وفى المحافل والجوامع والكنائس ونرددها عن ظهر قلب قد نفعت وأجدت وظهرت نتائجها فى سلوكيات الخلائق من حولنا..!
وغالبا ما تأتينى استشارات تطلب النصح فى شئون الحياة معتقدين أننى صاحب خبرة وتجربة تصلح للتعميم.. ومما وصلنى من عدة قراء ومن بعض الأصدقاء يشكون من عدم القدرة على اتخاذ قرار الرحيل عمن يرتبطون بهم، ويبررون الرغبة فى الرحيل بأنه قد وجد أن هذه العلاقة ليست ملائمة ولا تضيف شيئا لحياته.. ومع ذلك لا يملكون القدرة على مصارحة الطرف الآخر بالرغبة فى الانفصال وكفاية كده.. والخوف يقف حائلا دون إعلان القرار لأنهم لا يحبون جرح مشاعر الآخرين..!
وأصحاب الحالات السابقة فى أغلب الأحيان لا يراعون أنفسهم.. فإذا ردد أحدهم بأنه لا يريد مصارحة شريكه فى العلاقة بما قرر خوفا من جرح مشاعره، فإنه بهذا يضع مشاعر غيره فى المرتبة الأولى فوق مشاعره ولا يهتم بجرح مشاعره الذاتية أى يقلل ويحط من قيمة نفسه.. ولا أفهم كيف يعقل أن يظل مرتبطا بآخر لأنه لا يريد أن تجرح مشاعره..؟!.. ولماذا لا يفكر بطريقة أخرى أى إذا كان من ارتبط به حريصا على استمرار العلاقة فما المانع من أن يستمع منه لبعض الانتقادات السيئة التى سيخبره بها للمحافظة على هذه العلاقة وربما لا تنتهى العلاقة لمجرد الإحساس بالرغبة فى الرحيل دون مصارحة الشريك الآخر بما ينغص عليه علاقته معه.
أنا أفهم أنه من السهل علينا الإقدام على فعل ما نشعر به وتحقيق رغبتنا فى الرحيل أو حتى فى الارتباط لكن يمكن للعاطفة أن تشتت الفرد وتضعف قدرته على الحكم واتخاذ القرار بسهولة إضافة إلى أنه لا يجدر بنا التنصل من موقف تورطنا فيه.. لذلك أرى - وليس حتما أن يكون رأيى صائبا - أنه لا ينبغى أن نسمح لعواطفنا بالتحكم فينا عند الرغبة فى الانفصال أو حتى فى الارتباط وحتى لا تؤثر فى صحة قراراتنا وجديتها وقدرتنا على التنفيذ.
علينا التذكر دائما وأبدا أنه باستطاعتنا التحكم فى أنفسنا.. وأننا نملك القوة كى نصبح أصحاب اختيار.. كما أننا لسنا مضطرين لقبول الارتباط العاطفى بشخص لمجرد شعورنا بالامتنان نحوه لأنه اختارنا فقط إلا إذا كنت مستعدا بالفعل للارتباط به.. وحتى لو كنت مستعدا فإنك تملك سلطة الاختيار لتحدد ما إذا كان هذا الارتباط يناسبك فى الوقت الحالى أم أن إرجاء تلك الخطوة قد يكون أوفق وأجدى؟ برجاء عدم اعتبار ما كتبته هذا نصيحة قبل الرحيل.

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة