عمرو الخياط
عمرو الخياط


عمرو الخياط يكتب: الســـــلام الاســتراتيجـــي

عمرو الخياط

الجمعة، 31 يناير 2020 - 09:21 م

على أرض سيناء لطالما خضبت الدماء المصرية دروبها وسهولها فى مواجهة العدو الصهيونى، ولازالت الدماء تسلم الدماء التى تسيل الآن على نفس الأرض ولكن بأيدى عصابات الإرهاب التى لها امتداد وظهير لوجيستى مع بعض الجماعات فى قطاع غزة والتى راحت من قبل تقتل وتقتتل فضيعت المقاومة وشتتت القضية وأفرغتها من مضمون النضال من أجل الوطن إلى سطحية الصراع على السلطة.

هنا تظهر كلمة السر «تنظيم الإخوان» الذى راح رئيسهم المتخابر محمد مرسى يخاطب شيمون بيريز بوصفه صديقه العزيز فى رسالة رسمية، وراحت جماعته تمهد الطريق لاقتطاع جزء من أرض سيناء ليكون امتدادا لقطاع غزة ومحلا لدولة بديلة على حساب السيادة المصرية التى لا يعترف التنظيم بها، هذه حقائق ثابتة فى ملفات قضايا فصل فيها القضاء المصرى.

على مدار السنوات وفِى عشرات اللقاءات لطالما بذلت الدبلوماسية المصرية سرا وعلانية جهودا مضنية من أجل المصالحة بين الفصائل الفلسطينية بهدف تثبيت قاعدة وطنية فلسطينية موحدة ترتكز عليها القضية، لكن المصالح الضيقة والأيديولوجيات الدينية فككت هذه القاعدة فبدت القضية كمن لا صاحب له ووجدت إسرائيل فرصتها التاريخية للتمدد فى مساحات الصراع الذى وصل إلى حد القتال.

منذ سنوات أخذ الرئيس أنور السادات زمام المبادرة وتحرك نحو عملية سلام تضمن للفلسطينيين حقهم فى دولة لها حدود ولها سيادة لكن مبادرته تبددت بدعاوى المقاطعة لمصر آنذاك ولم يتحرك أحد خطوة واحدة منذ ذلك الحين بينما أسست إسرائيل دولتها وفرضتها على الجسد العربى، وراحت أطراف المقاطعة تتصل وتتواصل بكل أشكال التطبيع، وكلما تعثرت القضية لا تجد إلا مصر.

فى تاريخ القضية الفلسطينية لا مجال للمزايدة على الدماء المصرية، فمصر هى من حاربت وبذلت الدماء وقدمت الشهداء ولم تترك سبيلا للسلام إلا وقد سلكته، لكن عملية السلام الرامية لإيجاد دولة فلسطينية هى عملية استراتيجية طويلة المدى تتحقق خطواتها واحدة تلو الأخرى بقوة فعل التوحد العربى وليس بالشعارات والخطب الرنانة التى يطلقها من لم يحارب أو يدفع ثمنا لهذه الحرب من دماء أبنائه ومن رصيد بنيته التحتية والاقتصادية والسياسية.

عملية السلام أساسا هى عملية إتاحة للعيش الآمن فى ظل الفرص الممكنة والإمكانيات المتواجدة والتى يمكن استخدامها استخداما واقعيا، أما قرار المواجهة والمغامرة غير المحسوبة فإن كلفته باهظة، ولا يمكن أن تكون دعوات القتال مفتوحة حتى آخر جندي مصري.

طوال سنوات نضالها من أجل القضية الفلسطينية لم تبرح حقوق الفلسطينيين مكانتها السامية فى ذهنية الدبلوماسية المصرية التى راحت تتعامل من منطلق ثابت عنوانه «حق الفلسطينيين فى تقرير مصيرهم»، ولم تتورط مصر مرة واحدة فى ممارسة الضغط الإيجابى عليهم أو حتى بالتخلى والترك من أجل إجبارهم على قبول أى وضع لا يناسب طموحاتهم، بل راحت تدفع لنجاح أى فرصة اختارها الفلسطينيون ولم تتوقف عن المسير إلا من أجل العودة لنقطة تعطل ذاتى أحدثتها الخلافات بين قطبى القضية من قادة حركتى «فتح» و«حماس» الإخوانية.

هذه حقيقة دبلوماسية مصرية تقول بإن مصر لن تقبل المساومة على حقوق الفلسطينيين ولن تكون طرفا فى أى تسوية تتم بغير إرادة الفلسطينيين وتضمن حقوقهم المشروعة كاملة.

فى كل مرة تتاح فرصة للسلام فإن مصر تتخذ هدفا ثابتا وهو تحقيق أقصى قدر ممكن من المصالح الفلسطينية التى يحددها الفلسطينيون بأنفسهم ودون أن تسمح لأطراف إقليمية بمداعبة أحلام الفلسطينيين بما لا يتناسب مع إمكانياتهم العملية مثلما تفعل قطر بينما هى تفتح مكتبا للتمثيل التجارى الإسرائيلى على أرضها.

فى ملفات الدبلوماسية المصرية تقع القضية الفلسطينية فى صلب ثوابت الأمن القومى المصرى، ولم تكن أبداً أداة تستخدم من أجل الابتزاز الاقليمى أو جمع التبرعات ومراكمة الثروات على جثث الفلسطينيين.

لا مجال هنا للمزايدة على موقف مصر من منطلق فرضيات استباقية ستتحول تدريجيا إلى وسيلة للهجوم على النظام السياسى دون أن تطرح رؤية للحل أو حتى لإمكانية المقاومة.

لا مجال هنا لمنح تنظيم الإخوان قبلة الحياة من أجل العودة لاحتلال مساحات النسيان فى الذاكرة المصرية، هو نفس التنظيم الذى حكم طوال عام ولم يكن لديه أى تصور للحل سوى بتفكيك القضية على حساب الأرض المصرية من منطلق أممية المشروع الإخوانى الذى لا يعرف قيمة للدولة الوطنية التى قامت ثورة ٣٠ يونيو من أجل حمايتها.

فلنواجه الواقع المؤلم الذى رسخت فيه إسرائيل تواجد دولتها بينما تتمدد مستوطناتها يوميا على حساب الأرض الفلسطينية، وتحتل اللافتات العبرية شوارعها لتطمس هويتها العمرانية والاجتماعية، فلنواجه الحقيقة مواجهة عقلية بعيدة عن المشاعر والشعارات والمزايدات لنتأكد أن أى فرصة للتفاوض هى فرصة لتوحد عربى من أجل وضع تصور لإعادة إحياء القضية بعد أن ظلت سنوات كالمُعَلَّقة فلا إمساك دبلوماسى بالمعروف ولا تسريح باحسان بل مزايدات من أجل مواقف سياسية محلية ومن أجل أرصدة بنكية.

وسط المزايدات لا تحيد مصر عن تحويل أى بارقة أمل إلى منهج عمل يحقق مصالح الفلسطينيين ويحفظ حقهم فى دولة آمنة.

وسط المزايدات لا تخطو مصر خطوة واحدة إلا وراء الإرادة الفلسطينية الكاملة التى تؤمن مصر أنها لن تتحقق إلا بالمواجهة المباشرة بين طرفى الصراع دون تدخلات إقليمية تعلى مصالحها على مصالح الشعب الفلسطينى ثم تقدم له المعونات من منطلق الصدقة السياسية.
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة