أسامة عجاج
أسامة عجاج


يوميات الأخبار

أربعون سنة صحافة

أسامة عجاج

السبت، 01 فبراير 2020 - 07:35 م

حقيقة الأمر أنها ليست أربعين فهى أكثر من ذلك بعدة سنوات ولكنها ذكرى تخرجى من كلية الإعلام جامعة القاهرة ولكن عملى الصحفى بدأ قبل ذلك بسنوات..

عندما أتوقف متأملا مرور تلك السنوات، يجتاحنى شعور بالرضا التام، والسعادة الغامرة عن مسيرتى المهنية، لم اسع خلالها إلى منصب لا أستحقه، أو موقع لست جديرًا به، شعارى كان اذا لم نلحق بزمن النجوم اللامعة فى الصحافة، بعد اسماء مثل محمد التابعى ومحمد حسنين هيكل، ومصطفى وعلى أمين واحمد بهاء الدين، فلتكن من المتميزين بتراكم الخبرات، عليك ان تجتهد فى تخصصك، ان تكون رقما صعبا لا يمكن تجاوزه فى المجال الذى اخترته، وهو منذ البداية الشئون العربية، عبرت مصاعب، تجاوزت عقبات، تعاملت مع أزمات لا يخلو منها اى عمل، فما بالك الصحافة، القارئ هو صاحب الفضل الاول، هو الهدف والمبتغى، حافظت على علاقات طيبة مع كل من تعاملت معهم من زملاء ورؤساء، نسجت علاقات قائمة على الاحترام والتقدير المتبادل مع مصادري، وجلهم من جنسيات عربية، بعيدا عن لغة المصالح الكفيلة بتدنى مستوى اى علاقة، خاصة مع مستوى الشخصيات التى تعاملت معها، خلقت مساحة واسعة من الثقة مع كل مصادري، فلدى خط فاصل بين «أمانة المجالس» والمسموح بالنشر، لم أتورط فى نشر معلومة لم تكن صحيحة، اقتربت من دوائر صناع القرار فى العديد من الدول العربية، ولدى كم هائل من الأسرار وهى غير قابلة للنشر، قد يأتى يوم لتجد طريقها للقارئ بصورة او أخرى.
نقطة البداية
بدايتى مع الصحافة بدأت بحلم، ليس العمل فى مجال الصحافة وكفي، ولكن تحديدا فى مجلة آخر ساعة، أحد اصدرات دار اخبار الْيَوْمَ العريقة، وكان هذا فى سنوات التعليم فى الإعدادى والثانوي، جذبنى اليها حجمها الكبير، وتميز موضوعاتها المصورة، حفظت اسماء محرريها وتخصصاتهم، حيث تولى رئاسة تحريرها الأديب الكبير رشدى صالح، وهو من وافق على التحاقى بالمجلة، ووقع على اول مكافأة لى، وانا مازلت طالبا فى السنة الثالثة من كلية الاعلام، كما تابعت انفرادات وجدى قنديل وتحليلاته السياسية، ولى معه قصص كثيرة، فهو صاحب الفضل الأكبر علىَّ فى بدايات مسيرتى الصحفية، وقبل الوصول إلى اعتاب آخر ساعة كانت لى تجارب لم تطُل، اثناء دراستى فى الكلية، فى صوت الجامعة.
وفِى المصور مع الأديب الكبير صالح مرسى أشهر من كتب روايات عن جهود المخابرات العامة، وفِى مقدمتها رأفت الهجان، وكان يشرف على قسم التحقيقات فى المصور، وأيضاً فى صباح الخير مع رشدى أبو الحسن، وفِى الجمهورية مع فاروق فهمى المشرف على قسم التعليم رحم الله الجميع.
أدركت ان الله لا يختار لعباده سوى الخير، فقد كانت تجربتى فى آخر ساعة والتى بدأت منذ عام ١٩٧٨ وحتى عام ٢٠٠٤ فرصة ذهبية لصقل موهبة اى صحفي، فالمجلة عكس الصحيفة التخصص فيها واسع، ومجالات العمل لا تقتصر على وزارة او جهة، فبعد تخرجى مباشرة وعند اداء الخدمة العسكرية، وافق أستاذى وجدى قنديل وكان قد تولى رئاسة التحرير على عملى كمحرر عسكرى للمجلة، وكنت اعمل بعقد، ولم يتم تعييني، ومن خلالها تعلمت الكثير فى تغطية كل الفعاليات سواء المناورات او الاجتماعات الرسمية، او الجهد المبذول لأفرع القوات المسلحة، حتى حصلت على زمالة كلية الدفاع الوطنى من أكاديمية ناصر العسكرية، ومن خلال ذلك التخصص أتيحت لى فرصة تاريخية للعمل الصحفى المتميز، فبعد اغتيال الرئيس محمد أنور السادات تم تكليفى بتغطية محاكمات المتورطين فى عملية الاغتيال، كما تم تكليفى أيضا بعمل تحقيقات ميدانية عن ظروف نشأتهم فى مدن الصعيد، ومن أشهرهم طبعا خالد الإسلامبولي، وعمر عبدالرحمن وعبود الزمر.
 وكانت بداية عملى كمحرر قضائي، حيث غطيت قضية الجهاد ١ والجهاد ٢ وكانوا بالعشرات ممن تورطوا فى عمليات ارهابية فى صعيد مصر، بالتوافق مع عملية اغتيال السادات، واستمر الحال مع الكثير من القضايا الجماهيرية، ومنها تنظيم ثورة مصر، والذى قام اعضاؤه باغتيال ومحاولة اغتيال عدد من الدبلوماسيين الاسرائيليين فى القاهرة، وكان المتهم الرئيسى محمد نور الدين وخالد عبدالناصر، الابن الأكبر للزعيم جمال عبدالناصر، كما أتاح لى العمل فى المجلة فرصة تغطية القضايا الخاصة بالفساد، والمحولة من المدعى الاشتراكي، ومنها محاكمة عصمت السادات شقيق الرئيس الراحل أنور السادات، ولكونى محررا عسكريا كنت ضمن الوفد الصحفى الذى سافر إلى حفر الباطن على الحدود الكويتية السعودية، لتغطية عمليات عاصفة الصحراء وتحرير الكويت مرافقا للقوات المسلحة المصرية.
بالتوازى مع كونى محررا عسكريا، بدأت العمل فى الشئون العربية منذ منتصف عام ١٩٨٢، عندما اتيحت لى فرصة السفر إلى العراق لتغطية احتفالات عيد الثورة فى يوليو من نفس العام، ومتابعة تطورات الحرب العراقية الايرانية، وكانت الزيارة الباب الذى دخلت منه إلى متابعة كل المعارك الرئيسية، حتى معركة الزبيدات، التى أعلن بعدها آية الله الخمينى «تجرعه للسم» بقبوله تنفيذ قرارات الامم المتحدة، ووقف المعارك، وفِى الطريق غطيت الفعاليات العربية من القاهرة، ومن أشهرها الخروج الثانى للزعيم الفلسطينى ياسر عرفات من طرابلس عام ١٩٨٣ بعد مواجهاته مع اسرائيل قبل عام من العاصمة بيروت، وكانت الزيارة اول «مسمار فى نعش المقاطعة العربية لمصر» بعد اتفاقيات السلام مع اسرائيل، وتجميد عضوية مصر فى الجامعة العربية، وكان لقاء عرفات فى عرض البحر المتوسط امام بورسعيد، بداية صداقة مع القائد الشهيد ابو عمار، حيث التقيته عشرات المرات فى القاهرة وتونس والجزائر وغزة، وفِى رام الله وآخرها بعد ان اجتاح الاسرائيليون مقر إقامته فى المقاطعة، ولم يمر عام على زيارة ابو عمار حتى أعاد الاردن علاقاته مع مصر، وشاركت بتكليف من الاستاذ وجدى قنديل فى تغطية القمة العربية، وكانت الاولى لى عام ١٩٨٦ فى العاصمة عمان، التى اتاحت الفرصة امام كل دولة عربية فى اتخاذ قرارها، فيما يخص عودة علاقاتها مع مصر وهو ما فعلته دول كثيرة بعد ذلك، ومنها العراق ودول الخليج.
ومنذ الثمانينات زرت كل الدول العربية، وكنت ضمن اول وفد صحفى يزور السعودية، بعد عودة العلاقات واستئناف التعاون الإعلامي، والتعاطى من جديد مع الصحف المصرية، وكذلك الكويت وكل دول الخليج، تعاملت عن قرب مع معظم وزراء الخارجية والإعلام العرب، وبعضهم مازلت علاقاتى بهم قائمة، أعتز بعشرات الحوارات التى أجريتها، ولكن بعضها مازال فى ذاكرتي، خاصة وبعضها انفرادات، ومنهم من سلطنة عمان يوسف بن علوى احد ابرز وزراء الخارجية العرب، وأقدمهم حاليا، ومنهم حوار للشيخ حمد بن جاسم رئيس الوزراء القطرى السابق، وكان الوحيد له فى الصحف المصرية فى اكتوبر ٢٠١١، مهما اختلفنا مع مواقفه السياسية، ومنهم أيضا وزير الدفاع العراقى خالد العبيدي، ومن قبل طه ياسين رمضان نائب الرئيس العراقى صدام حسين، وأعتز بحواراتى مع الزعيم الفلسطينى ياسر عرفات ومع محمود عباس، وكذلك الشيخ احمد ياسين فى غزة، فقد تعلمت مبكرا حب الحوار كأحد اهم الفنون الصحفية.
زملاء ورؤساء
اكتشفت أننى خلال ٤٠ عاما، تعاملت مع عشرات الزملاء والاصدقاء فى آخر ساعة والأخبار واصدارات الدار الاخري، ومع ثمانية رؤساء تحرير، البداية كانت مع الأديب احمد رشدى صالح ولكنها لم تستمر كثيرا، وأطولها مع المرحوم محمد وجدى قنديل صاحب الفضل الاول بعد الله فى دعمى صحفيا، هو من وافق على ان أعمل محررا عسكريا حتى قبل التعيين، وكثيرا ما تنازل عن دعوة شخصية له وقام بترشيحى وفِى مقدمتها اول رحلة لى للسعودية لتغطية مؤتمر صحفى للمغفور له بإذن الله وزير الداخلية السعودى الأمير نايف بن عبدالعزيز وكان الوفد فى معظمه رؤساء تحرير، وهو من تنازل عن دعوته لزيارة الكويت، لتغطية مؤتمر صحفى للشيخ سعد العبدالله الصباح، عن رفع الاعلام الامريكية على السفن الكويتية اثناء حرب الناقلات زمن الحرب العراقية الايرانية، وهو من رشحنى للسفر بدلا منه لتغطية مشاركة الرئيس حسنى مبارك لاحدى القمم الافريقية فى اديس أبابا، كمكافأة لفوزى بجائزة نقابة الصحفيين فى التغطية الخارجية، وهو الذى اهتم بعملي، وكثير من تقاريرى فى المجلة منشورة على ست صفحات، واستمرت علاقاتى به بعد انتقالى للأخبار، فكثيرا ما التقينا فى مكتبه فى الدور الثامن بالمبنى الصحفى للجريدة، وبعده تعاملت مع الراحل جلال عيسي، وبدأت علاقتنا بتحفظ من جانبه، ويكفى انه قبل ان يترك المجلة، قال لى «لو امتد بى العمر كرئيس تحرير سأعطيك ما تستحق «، نتيجة اسباب لا داعى للخوض فيها الآن، كما تعاملت مع محمود صلاح وهو صاحب تجربة ثرية فى الحوادث فى أخبار الْيَوْمَ، ورغم اختلاف التخصصات فكانت فترة مهمة، ليعقبه الكاتب الصحفى الكبير محمد بركات الذى تشرفت بالعمل تحت رئاسته فى آخر ساعة، وكان صاحب الفضل الاول بعد الله فى انتقالى للأخبار، بعد انتقاله رئيسا لتحريرها، وعلاقاتى الانسانية به بدأت منذ الْيَوْمَ الاول لعملى فى آخر ساعة، وعملت أيضا مع ياسر رزق فى فترتيه الاولى والثانية، وأشهد له بالكفاءة النادرة والتميز الصحفى والإنسانية العالية، وتقديره للعاملين معه، حتى فى حالة الاختلاف، اما تجربة الاستاذ محمد حسن البنّا فتميزت بالنسبة لى بالثراء، والاندماج اكثر وأكثر مع منظومة العمل داخل الأخبار، ومع كل العاملين فى كافة الأقسام، وسادها نوع من التفاهم والألفة وهأنا مع رئاسة خالد ميرى للتحرير، التى تتميز بإتاحة الفرصة لأجيال شابة واعدة، تمثل امتدادا للصحيفة العريقة، والرغبة فى التطوير الدائم والمستمر،
هذه خلاصة مختصرة لـ٤٠ عاما ويزيد، من العمل الصحفى هى بمثابة عناوين سريعة، التفاصيل فيها تحتاج إلى كتب وكتب، ولكن الرضا عما تحقق بفضل الله هو العنوان الأبرز.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة