الأحد، 02 فبراير 2020 - 07:21 م

بقلم/ محمد السيد عيد

فى الوقت الذى تكافح فيه الدولة العشوائية، وتنفق المليارات لإقامة تجمعات سكنية حضارية، وتنشئ الأسمرات، وبشاير الخير، وتهدم تل العقارب لتبنى بدلاً منها: روضة السيدة زينب، فى الوقت الذى تقوم فيه الدولة بكل هذا نرى بعض الناس يصرون على ألا تكون مصر بلا عشوائيات. فينشئون عشوائيات جديدة، والغريب أن الدولة تتجاهل الموضوع وكأنه لا يعنيها، وكأنه لا يخلق لها مشكلة ستجد نفسها مضطرة لمواجهتها غداً.

المسألة باختصار أن القاهرة والإسكندرية أقامت كل منهما طريقاً دائرياً منذ عدة سنوات وسط مناطق زراعية، فخلقت بنفسها المناطق العشوائية الجديدة على جانبى الطريقين. ولنبدأ بالطريق الدائرى فى الإسكندرية: لا شك أنه طريق مهم جداً. ساعد فى التغلب على حل مشكلة المرور فى المدينة التى وصلت لحد الاختناق، لكن ما إن انتهى هذا الطريق حتى تحولت المناطق المحيطة به إلى مناطق عشوائية. بعض ملاك الأراضى أقاموا على أرضهم مدارس، وبعضهم أقاموا مخازن، وبعضهم أقاموا مصانع، أو عمارات سكنية. بل إن أحد الملاك جعل من أرضه منطقة مقابر، يعلن عنها على الطريق الدائرى نفسه دون اعتراض من أحد، مع أن المقابر يجب أن تكون خارج المناطق السكنية، والمهم أن هذا كله يتم دون تخطيط، فكل مالك يمكنه أن يفعل بأرضه ما يشاء، لذلك لن تجد الطرق مخططة، ولا المساكن ذات ارتفاع موحد، ولا البناء يتم على قطع أرض متساوية، ولا الدهان يتم بألوان محددة، بل فى أحيان كثيرة لا تجد إلا الطوب الأحمر.

وسوف تتعجب حين تجد أن الحكومة تشغل بعض المبانى فى هذه المنطقة، وكأنها تشارك فى الجريمة. صحيح أن الملكية الفردية مصانة بحكم الدستور والقانون، لكن الدستور والقانون أيضاً يعطيان الدولة الحق فى التخطيط، حتى لا تضطر بعد قليل أن تفعل فى هذه المناطق ما فعلته فى مناطق عشوائية أخرى.

وما يقال عن الإسكندرية يقال عن القاهرة الكبرى، ويكفى أن تسير فى رحلة على الطريق الدائرى إلى المطار، لترى العجب العجاب. أين الدولة؟ أين قوانين منع البناء على المناطق الزراعية؟ حتى لو ضُمت هذه الأماكن لكردون المدن، فأين التخطيط؟ إننا نخلق مشكلة كبرى، ونتغافل عنها، حتى تصبح أمراً واقعاً يصعب مواجهته، فهل يمكن لأى مسئول فى هذا البلد أن يوقف هذه العشوائيات؟