"مشاكيك".. متعة جديدة للكاتب سعيد السيابي
"مشاكيك".. متعة جديدة للكاتب سعيد السيابي


"مشاكيك".. متعة جديدة للكاتب سعيد السيابي

بوابة أخبار اليوم

الأربعاء، 05 فبراير 2020 - 07:04 م

بقدرة فائقة قنص الصور واللحظات وتحويلها إلى نسيج سردي متدفق، بدا واضحًا أن القاص والروائي الدكتور سعيد السيابي يتفوق كعادته في أعماله السابقة "المبرأة والقلم" و"رغيف أسود" و"أحلام الإشارة الضوئية"، في التكثيف وبناء المعنى ليصبح عبارة عن علاقات إبداعية داخل النص، تعكس عمق الرؤية وعمق التجربة الإبداعية للكاتب.

 

الكاتب صدرت له أخيرًا مجموعته "مشاكيك" عن دار العبير، وهي مجموعة القصص القصيرة جدًا، التي استوحى عنوانها من أكلة شائعة وذائعة الصيت في سلطنة عمان.

 

وبحسب الدكتور سمير محمود أستاذ الإعلام بسلطنة عمان فإن "مشاكيك" عبارة عن قطع من اللحم الصغير التي يتم شوائها على الزلط الساخن والجمر، وهذه القطع اللحمية عبارة عن منمنمات صغيرة لا تسبع منها إذا أكلت عشرة، وبالدرجة نفسها جاءت قصص المجموعة القصصية لذيذة عميقة في لغتها وصورها والخيالات التي بناها الكاتب حينًا بشكل صريح داخل المعنى، وتلك التي تركها لذائقة القارئ وقدرته على الحدس والتخيل والاستنتاج. 

 

لكن يبقى أن هذه الوجبة القصصية المتكاملة، تأخذك وتأسرك في عوالمها وبيئتها وصورها التي تعكس ثراء وتنوع التجارب الحياتية المستوحاة منها، وبحيث لا تمل ولا تشبع، وكلما فرغت من أقصوصة سعيت لالتهام الأخرى بقلب قارئ محب وعين متلقي بحسه وحواسه الكاملة التي يستفزها النص القصصي الذي جاء سهلًا ممتعًا وماتعًا في الوقت نفسه.

 

القاص سعيد السيابي يقدم لنا في تتابع قدرات خاصة على اقتناص اللحظة وتجميد الزمن والتقاط الصور والعبث بالخيال عبر دفقات من الواقع، وصراع خفي ومعلن في البنية السردية للقصص القصيرة جدا.


في قصته سنتان التي صدر بها مجموعته يقول: 


بلغ المال الذي اقترضه لشهرين عامه الثاني. اشتكى على المقرض إلحاحه، ففي العمر متسع!
لم يخطر بباله بأن الدين لا يسقط بالتقادم، فالشكوى مجرد تنبيه للمقترض، وبالأساس للقارض ألا يثق في أمثاله من لصوص السنين!
هذه واحدة من التحف الإبداعية التي تقدم للقارئ التناقضات والتقابل بين سرقة المال والتي هذ موضوع القصة، وسرقة العمر والتي هي أعلى وأرفع في مدلولاتها وقيمتها من مجرد دين من قارض لمقترض لا يبالي، إن سرقة الأعمار التي تمضي وتتسرسب من بين أيدينا تجعل القاص يصدر حكمه على ذلك الهارب من سداد الدين بأنه سارق للسنين ولا يحق لأحد أن يثق في سارقي السنين.
وللعمر والسرقة وقفة أخرى في لقطة بديعة مكثفة، قدمها الكاتب في قصة "سارق البصل" وفيها يقول:
لم ينفضح بحجم السرق..
بل برائحة البصل العالقة في يده العمر كله!
فالسارق يظل سارقًا، والسمعة تلصق بصاحبها وتفضحه والسيرة أطول من العمر، وهكذا التصقت رائحة السرقة بيد سارق البصل.

 

وفي قصته "ضحك الحمار"، يشتبك الكاتب سعيد السيابي بالمنطقة الملتهبة وهي حرية الرأي والتعبير، في علاقة الحاكم بالمحكومين، والتي جاءت في صورة بديعة لحوار بين الأسد الحاكم والحمار والقرد، وكانت النهاية غير السعيدة، خياطة فم الحمار لأنه تجرا وفتح فمه وضحك على القرد!
في قصته البديعة "شعرها أشقر"، يقترب السيابي بمشرط جراح من قضية شائكة جدًا في المجتمع العماني، وهي قضية التعمين وحل مشكلة الباحثين عن عمل من أبناء الوطن الأكفاء، فتلك موظفة أجنبية شقراء الشعر بشهادات لامعة وبراقة، يقوم الموظفون بأداء الأعمال كلها عنها، ومع الزمن رغم قصره "ثلاث سنين" حتى تغير لون شعرها الأشقر إلى البياض، وانكشفت شهاداتها المزورة، وهكذا كان الزمن كفيلًا بفضح زيف المدعيين من أصحاب الشهادات المزورة والشعور الشقراء المصبوغة والمهارات والمواهب المعدومة حتى ولو بعد حين.

 

أما قصته "صادمون"، فهي صادمة في واقعيتها وفيها يقول:


طباخ لا يذوق ما يقدمه مطعمه. أمين مكتبة لا يكمل قراءة كتاب. أب لا يجلس مع أبنائه..
جميعهم صادمون!!
تلك صدمة حقيقية للواقع الزائف، فلا أحد يؤدي دوره، لا الأب يمارس أبوه في بيته ووسط أولاده ولا الطباخ يراعى مطعمه ويتذوق طعامه ويقف على جودته أو رداءته، ولا أحد يفعل إلا الصدمة لنا جميعًا ومنهم جميعًا.
بعض قصص المجموعة بالغة القصر جدًا، وبعضها طويل مثل صوت جدي وهي قصة بليغة عن صوت الحكمة والميراث والتقاليد في محيط الأسرة وبيت الجد مقصد كل العائلة.
يضرب اسيابي بقبضة حريرية على أوجاع وأوضاع الفساد في قصته المكثفة "النوم في العسل" فيقول
كالفئران تهرب من المركب الذي يوشك على الغرق. ترك الدولة أبناء التاجر الكبير الذي قُبض عليه بتهمة النوم في عسل الشعب! ويالها من تجارب مريرة كثيرة تلك التي تفوح منها روائح الفساد ويقفز فيها الفاسدون من السفينة شبه الغارق!


السيابي له العديد من الدراسات النقدية والكتابات الإبداعية وآخرها رواية جبرين، إضافة إلى الكتابات الدرامية التي نال عنها جوائز عديدة؛ ومنها كتابة التمثيليات الإذاعية التي تم انتاجها بإذاعة سلطنة عمان منها “الوصية المفقودة”، “من منا لا يعاني”، وعدد من المسلسلات الإذاعية التي تم انتاجها بإذاعة سلطنة عمان منها “رحيل” 2008، “لن تغني موزة” 2012، والمسلسل البدوي “رياح الحب” 2013. كما قام بتأليف المسرحيات ذات الفصل الواحد؛ ومنها: “رجلان وظل”، “وداعًا غاندي".

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة