مصطفى أحد المصريين العائدين من ووهان الصينية الموبوءة
مصطفى أحد المصريين العائدين من ووهان الصينية الموبوءة


عائد من «ووهان» داخل المعزل الطبي: رعبنا من كورونا تحول لأمل في الحياة بعد صعودنا طائرة الإنقاذ

أحمد سعد

الخميس، 06 فبراير 2020 - 07:01 ص

 

قلق وخوف من فقد حياتهم سرعان ما تبدل بأمل جديد فى الحياة وأمان فور وصولهم مصر عائدين من مدينة ووهان الصينية بؤرة انتشار فيروس كورونا الغامض، ليبدأوا رحلة عزل بمحافظة مطروح تستمر 14 يومًا.


قبل أسبوع تحديدًا الخميس الماضي، رصدنا شعورًا مسيطرًا على المصريين فى ووهان، هواليأس من العودة لمصر وإجلائهم، والخوف من تفشى الفيروس بينهم،  من خلال نشر معاناتهم فى مدينة الأشباح بـ»الأخبار» تحت عنوان «مصريون فى ووهان يروون لـ «الأخبار» حكايات رعب الفيروس الغامض»، مناشدين الرئيس بإجلائهم لمصر، وسرعان ما استجاب الرئيس ليرووا لنا من جديد رحلة العودة التى امتزجت بالأمل وتبدد فيها أى شعور بالخوف. وأول أمس عادوا على طائرة خاصة لأرض الوطن.


الشعور بالأمان
«شعرنا بالأمان فور أن صعدنا الطائرة، قبلها كنا خائفين أن ينتقل إلينا الفيروس، ونخاف التعامل مع أى صيني، ومع إقلاع الطائرة، تعرضنا للكثير من المطبات الهوائية فبدلًا من الرعب والخوف أصبحت مجالًا للضحك والهزار، وامتزجت بترديد الأطفال لعبارة «تحيا مصر»، فى رحلة استغرقت 13 ساعة» كلمات ممزوجة بالطمأنينة عبر بها   د. مصطفى أبوالعز مدرس مساعد بكلية الصيدلة جامعة سوهاج، ويجرى دراسات للحصول على درجة الدكتوراه فى كلية تونجى الطبية بالصين.


لم يتخيل «مصطفى» قبل أسبوع أن يعود إلى مصر، دائمًا ما كان يردد أن هناك مفاوضات مع السفارة المصرية ببكين ولكن لا جديد، ونحتاج إلى قرار سياسي، ليعيش فى ذهول تام بعد أن أخبرته السفارة يإعداد حقائب سفره للعودة إلى أن استقل الطائرة: لم نتخيل أن تهتم بنا الدولة بهذا الشكل.


الفرحة التى افتقدها المصريون فى ووهان منذ أول يناير الماضى بعد تفشى الفيروس هناك وعزلهم فى غرفهم بالمدينة لأكثر من أسبوعين، شعروا بها فور صعودهم الطائرة، ليخلعوا الكمامات غير عابئين باحتمالية انتقال الفيروس المميت إن وجد.


يقول الباحث بفرحة لم تفارقه طوال حديثه: «الناس نسيت أنها مصابة، ونزعوا الكمامات، بدأنا نصف المتواجدين وعددهم 302 شخص فى تناول الوجبات فور صعودنا، والبعض الأخر يرتدى الكمامات وينتظر بعد 12 ساعة مكثناها فى مطار ووهان، كانت أجمل رحلة عودة لنا، فلم يسبق أن سافر أحد من ووهان مباشرة إلى مصر لارتفاع سعر رحلة الطيران فكنا نسافر لبكين أو شنغاهاى ونستقل الطائرة لمصر» .


منطقة العزل
«كنا مبسوطين جدًا وكثير منا لم يصدق أنهم عادوا إلى مصر، وفور أن لمست أقدامنا أرض المطار سجد الكثير لله شكرا، وبدأ الأطباء فى قياس درجات الحرارة وختم الجوازات، وبدأنا بالأسر، وبدأ التحرك لمنطقة العزل وسط حراسة مشددة، وفور الوصول بدأ التسكين وتوزيع الغرف» هكذا وصف مصطفى مشهد الوصول لأرض مصر.


ما أعجب الباحث بعد عودته مشهد التحرك من المطار إلى منطقة العزل، يراه أنه يبعث بالفخر فأتوبيسات يتقدمها سيارات شرطة تؤمنهم ، ولم يرى ذلك إلا مع السياح أثناء زيارتهم لمصر.


تعقيم الحقائب
لم يلق  أمر عزلهم لمدة 14 يوما فترة حضانة الفيروس قبولًا كاملًا لديهم، لكونهم بصحة جيدة، لكن سرعان ما تبدد ذلك بطمأنة المسئولين لهم بأنهم غير مصابين وهذه الاجراءات لحمايتهم وحماية الجميع، وزاد من تقبلهم للأمر، بعد أن ساعدهم الأطباء بمنطقة العزل فى توصيل حقائبهم بعد تعقيمها إلى غرفهم نتيجة نقص العمال هناك.


بمجرد وصوله لغرفة التى يقيم فيها بمفرده ضمن غرفتين تضمهما شقة بصالة كبيرة تطل على البحر، سرعان ما اتجه مصطفى ناحية هاتف وخط جديد ترك فى غرفته ضمن مستلزمات أخرى، ليهاتف زوجته ويطمئنها بالوصول، ولتوقظ أطفاله معاذ، 2.5 عام، وندى 5 سنوات، ليسلم عليهم، ويكمل: كانوا مبسوطين أوي، وزوجتى غير مصدقة كانت خايفة من عدم تقدير الدولة لنا وإعادتنا، والحمد لله عرفت تقييم البلد لنا كباحثين، فلم يكن مفهوم الاهتمام موجود جدا وعرفت تقييم وتقدير البلد لنا، وما حدث لنا من الاشياء المؤثرة فى حياتنا خاصة استجابة الرئيس السيسي».


رسائل الطمأنة
خفف من صعاب ما واجه مصطفى فى ووهان، ما لاقه من محبة ومحاولة اطمئنان من كثيرين، بدأ بموظف خدمة العملاء، الذى قام بتشغيل خط الهاتف الجديد له، وقيامه بالاتصال بزميل له لتشغيل خطه الآخر الموقوف التابع لشركة أخرى فور علمه أنه قادم من ووهان.


ما بدد إحساس الباحث من «خوف المصريين منهم بسبب كورونا»، ما استقبله فور فتح هاتفه بعد أن أغلقه 19 ساعة، لأكثر من 1400 رسالة  ما بين نصية ورسائل على تطبيق «الماسنجر» من الطلبة بجامعة سوهاج وزملائه ونائب رئيس الجامعة والباحثين فى جامعة سوهاج وآخرين يطمئنوا عليه بعد أن أغلق هاتفه ل19 ساعة.


رغم مغادرته لووهان لم تنقطع الرسائل من هناك، فاستلم مصطفى رسائل زملاء له هناك سوريون وسودانون ويمينون وعراقيون، ما زالوا عالقين هناك، ويتمنون العودة لبلادهم، انتهى من تصفح رسائله وخلد إلى النوم 9 ساعات متواصلة، لم يحصل على هذا فى ووهان فكان ينام 4 ساعات لعدم شعوره بالأمان والراحة النفسية، فكان يحلم بكوابيس دائمًا.


فحص شامل
ويروى تفاصيل اليوم التالى بتناولهم الإفطار، ثم البدء فى إجراء فحص طبى شامل، بالعرض على عيادات الباطنة والأمراض الصدرية، والحميات، فبدأ طبيب الباطنة بقياس درجة الحرارة ومعرفة التاريخ المرضى  الخاص بكل شخص، ثم التشخيص لدى طبيب الأمراض الصدرية، وكأنه معسكر طبي، ثم عيادتين تخص الأطفال والنساء، وبعدها تم إجراء تحاليل لوظائف كبد ووظائف كلى والفيروسات الكبدية والايدز، وتم أخذ عينات لتحليلها فى المعامل المركزية والكل بصحة جيدة، والعيادات تعمل 24 ساعة وكل طابق به مشرف إدارى وطبيب وممرض، وأرقامهم فى ورقة بالشقة.


لا يشعر مصطفى بالعزلة ففى الصباح يبدأ يومه بتناول الإفطار ثم الخروج للتريض والجرى فى الحدائق بمنطقة العزل، ويبدأ يومه فى مطالعة هاتفه والقراءة ومراجعة أبحاثه والتحدث لأهله.


مكانة مصر
«هنا أمان وتحس بروح بلدك، فالناس لم تكن تتوقع أن البلد تفعل هذا معنا» يعبر مصطفى بفخر عن شعوره بقوة ومكانة بلده متابعًا: أحسسنا أن مصر دولة محورية وقوية فى الصين والشرق الاوسط والعالم كله فنحن من أوائل الجاليات التى خرجت من الصين وفيه جاليات تم رفض طلبها بالخروج ومنها السودان وسوريا والعراق واليمن، ورغم أن لهم تصاريح قبل مصر، ومن قوة مكانة مصر فور تصريح الرئيس بإعادتنا تم ذلك خلال يومين، ووافقت الصين على ذلك خلال 6 ساعات من مخاطبة وزارة الخارجية المصرية لها.


يدلل مصطفى على قوة العلاقة بين مصر والصين، بأن بكين حين طلبت كمامات ومستلزمات طلبتها من مصر وليس من باكستان المجاورة لها، لأنها تنظر لمصر باعتبارها دولة قوية لها تاريخ ومكانة بغض النظر عن المستوى المادى لها.


معاناة ووهان بالنسبة للباحث زادت من الترابط بينه وبين الجالية المصرية هناك، فقسموا أنفسهم إلى مجموعات على تطبيق «وى شات» ومن لا يتحدث يذهبون  للسؤال عليه خشية أن يحدث له مكروه، بحسب مصطفى، ويضيف: كذلك  ما أرسله لى مشرفى فى الجامعة وهومن الصين من أموال فور علمه بعودتى لمصر وقد احتاج الأموال وإلزامه لى بارسال تقرير يومى عن درجة حرارتى للاطمئنان على وعرضه بعد عودة الدراسة يحجز تذاكر السفر على نفقته للعودة لووهان فهم يحبون الباحثين المصريين لجديتهم فى العمل، وكذلك ما أعطاه مشرف بالجامعة لباحث مصرى حوالى 11 ألف يوان، بعد إنجابه لطفل.


شكر الرئيس
لا ينسى مصطفى والعائدون معه من ووهان شكر الرئيس عبدالفتاح السيسى لسرعة استجابته وإعادتهم بصفته أبا للمصريين خارج وداخل الوطن، فيقول: نحن نشعر بالفخر بين الجاليات الاخرى بعد هذه الاستجابة، مما يدل على ثقل ومكانة مصر، فى عهد الرئيس السيسي  الذى عاد بمصر إلى مصاف الدول المتقدمة، وكذلك الشكر للسفير محمد البدرى لما بذله لاعادتنا من الصين.


«الأخبار» صوتنا
ويضيف: نوجه الشكر لـ «الأخبار» على نشر معاناتنا فى ووهان وعقبها حدثت استجابة سريعة لاعادتهم، وهذا يدل على ثقل ومكانة جريدة الأخبار، وجعلت المصريين فى ووهان يشعرون بأهمية الصحف الورقية ومكانتها وثقلها وتأثيرها، فالأخبار أول جريدة ورقية تنشر مشاكلنا ومعاناتنا فى ووهان وتناشد الرئيس لإعادتنا، وكان لذلك صدى كبير فى ووهان وفى مصر، ولاقى قبولا بين الجالية المصرية والمسئولين فكانت من اصحاب الفضل وسببا فى عودتنا».


يأمل مصطفى وزملاؤه فى العودة لووهان بعد انتهاء الأزمة هناك لاستكمال دراستهم: ربما فتحت أزمتنا الأخيرة فى ووهان الباب لتكوين جالية مصرية فى المدينة بشكل رسمى وقانونى .

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة