المهن التراثية.. تحارب من أجل البقاء
المهن التراثية.. تحارب من أجل البقاء


«الصنايعية» يواجهون تحديات الانقراض.. ويتمسكون بالتراث ويعتبرونه ممثلاً للهوية

المهن التراثية.. تحارب من أجل البقاء!

ياسمين سامي

الأربعاء، 12 فبراير 2020 - 06:44 ص

 

- «التكفيت» يرسم التاريخ بخيوط الذهب والفضة.. و«الخيامية» فن تميزت به مصر


- التماثيل التذكارية المصرية تتحدى الصيني ومناشدات لدعم المواد الخام

 

- خبراء: لابد من وجود أكاديميات لتدريب الشباب على هذه الحرف


منذ قديم الازمان احتلت الصناعات التراثية مكانة مهمة ومميزة فى مصر نظرا لجودتها وأصالتها ودقة صنعها وحرفية من عملوا على تنفيذها، خاصة أنها دائما ما تضم حضارات عديدة فى صناعة المنتجات التراثية وتستمد جمالها الخالص من الماضى العريق لمصر والفنون التى مرت عليها بمختلفها مثل الفن الفرعونى والاسلامى والقبطى والشعبى واحيانا الافريقي، فهى الحرف اليدوية أو الصناعات التقليدية المعتمدة على اليد أو باستخدام الأدوات البسيطة.


وأشار الرئيس عبد الفتاح السيسي أثناء كلمته فى أكثر من مؤتمر ولقاء خاصة بالشباب الى اهمية تلك الصناعات التراثية وإلى إمكانية تشكيل مجموعة من الشباب ليتولوا مهمة الاهتمام بالصناعات اليدوية والتراثية بمختلف المحافظات، وليكونوا حلقة وصل بين الدولة والمصنعين بهدف إقامة المعارض وتسويق تلك المنتجات والترويج لها لكى تخرج تلك الصناعات لخارج مصر، كما افتتح الرئيس معرض تراثنا لمنتجات وفنون الحرف اليدوية والتراثية للمحافظات والذى يقام بتنظيم من جهاز المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر ويعتبر من أكبر المعارض المتخصصة فى مجال الحرف اليدوية والتراثية والذى يضم حوالى ٥٠٠ عارض فى هذا المجال.


كما تعمل وزارة الثقافة أيضًا على استمرار هذه الحرف من خلال قطاعاتها بعمل ورش مستمرة فى الهيئة العامة لقصور الثقافة وقطاع الفنون التشكيلية، إلى جانب مدينة الحرف التراثية والتقليدية بالفسطاط، وكذلك عمل المهرجانات والملتقيات السنوية والدورية، لتظل الحرف ويظل الحرفيون على تواصل مستمر.


«الأخبار» تسلط الضوء على بعض الصناعات التراثية للتعرف أكثر على العاملين فيها والصعوبات التى تواجه العاملين فى تلك الحرف وعلى التحديات التى يحاولون التغلب عليها خاصة مع التطور التكنولوجى وتغير العصر إلا أنهم لا يزالوا يحاولون التمسك بعملهم وباخلاص لحبهم فى الهوية المصرية والحرف التراثية التى تعلموها ابا عن جد، ويتمسكون بيد من يقدم لهم يد المساعدة، ويعملون رغم كل الظروف حتى أنهم فى وقت الشتاء يرتدون الملابس الخفيفة او الصيفية لتمكنهم من العمل بأريحية، فهم لا يستطيعون العمل بالملابس الثقيلة التى قد تعرضهم لخطر الاصابة وتعوق حركتهم الشاقة.


التماثيل التذكارية
عيسى محمد سيد، يبلغ من العمر 43 عامًا، يعمل فى ورشة صغيرة بمنطقة امبابة بجوار «جامع فلفل» كما يطلق عليه بين سكان المنطقة، تعلم صناعة التماثيل الفرعونية التذكارية التى تباع للسائحين وتصنع من مادة «البولى استر» منذ صباه، لتصبح هى مصدر لقمة العيش بالنسبة له، تتراص حوله مجموعة من التحف والتماثيل الصغيرة التى قام بتصنيعها  حيث تأخذ أشكالا فرعونية مثل رؤوس الملوك وكذلك القطط الفرعونية وملكات مصر وغيرها من التماثيل التى يقتنيها كل محبي الحضارة المصرية القديمة وعلى وجه الخصوص الفرعونية.


«احنا بينافسنا الصين فى صناعة التماثيل بتاعتنا وعندهم مكن متطور ومصانع بتطلعها بجودة عالية وملونة» هكذا اكد عيسى على اصعب التحديات التى تواجه الورش الصغيرة حيث التنافس فى الاسواق اصبح بينها وبين المصانع الكبرى، بالاضافة الى اصابة بعضهم اثناء العمل باصابات خطيرة خاصة لتعاملهم مع مواد كيميائية وكذلك اصابات القطع والنحت والصب.


يقول عيسى أن صناعة التماثيل التذكارية شىء مشرف فهى من الحرف التراثية والتى يسعد كثيرًا حينما يشتريها السائحون بفرحة وسعادة وأنها حفاظ على الهوية المصرية والحضارة القديمة التى نشأت على ارض مصر والجميع يعتز بها أمام العالم، ويرى ان الشركات الاجنبية التى تصنع هذه التماثيل تطمس احيانا الهوية والروح المصرية الاصيلة التى تضيفها الورش المصرية البسيطة حتى أن هناك سائحين يتفهمون ذلك تماما ويفضلون شراء التحف التى تم تصنيعها فى الورش الصغيرة.. وتمنى عيسى أن تكون هناك معارض تؤسسها الدولة وتقوم بدعم المواد الخام التى تشتريها الورش الصغيرة حتى تساند تلك الصناعات التى تحتاج من يقويها لأنها اذا ظل الوضع هكذا فلن تستطيع تلك الورش استكمال مسيرتها ولن تتطور وبالتالى الخسارة تنتظرها ثم اغلاقها.


وهو الأمر الذى اكده ايضًا سيد محمد، عامل اربعينى بورشة مجاورة لعيسى فى منطقة امبابة، فيرى أن الخامات اصبحت غالية الثمن وأنهم مع ذلك ما يزالوا صامدين يرغبون فى استكمال عملهم فى الورش التى تعلموا فيها تلك الصنعة أبا عن جد، وانهم رأوا الكثير من اصدقائهم اغلقوا الورش الخاصة بهم واتجهوا الى صناعات اخرى مثل الزجاج او العمل على «توك توك» لأنها اكثر ربحًا، فى حين انهم يمرون بأوقات لا يستطيعون بيع قطعة واحدة وبالطبع هناك مواسم تباع فيها تلك القطع بغزارة لكنهم يحتاجون الى من يدعمهم ومن يوفر لهم يد العون كى يحافظوا على تلك الورش مفتوحة وحتى يستطيعوا منها الانفاق على منازلهم، وسد حاجاتهم دون ان يلجأوا الى حل الاغلاق فهو يدرك تماما أنه يريد ان يبقى على تلك المهن المعبرة عن الهوية المصرية والتراث المصري.

 

أما وائل سيد والذى يبلغ من العمر 40 عامًا ويعمل ايضًا فى صناعة التماثيل التذكارية أنه يدرك تماما دور الدولة وما تقدمه من دعم للعاملين فى هذه المجالات الا ان الكثير منهم لا يزالوا يعانون من ارتفاع اسعار المواد الخام وعدم بيع قطع كافية بسبب غياب الثقافة، وطالب الدولة بوجود دعم لبعض المواد الخام وتقديم تسهيلات للورش الصغيرة وخفض قيمة بعض الخدمات المقدمة للورش حتى يتمكنوا من استكمال العمل وتحقيق ربح يمكنهم من تطوير عملهم فى هذا المجال.


الخزف والفخار
فى منطقة الحسين بوسط القاهرة وبالقرب من الاماكن الشاهدة على التاريخ والحضارات المتتالية التى مرت على مصر، يوجد ايضًا من توارثوا الحرف ابًا عن جد، وابدعوا فيها وطوروها ولعل ابرز تلك الحرف هى صناعة الخزف والفخار.


يصنع من الخزف نوع من الأوانى المزيَّنة النافعة، وتصنع هذه الأوانى من الطين المحروق. وتتراوح أنواع الأوانى الخزفية بين الأعمال الفنية القيِّمة التى يصنعها خزَّافون محترفون، ونفاضات السجائر وأشياء أخرى بسيطة يصنعها الهواة. إضافة إلى هذا يمكن إدراج أوانى الأكل، والزهريات، وأدوات منزلية أخرى، داخل إطار الخزف. ويمكن أن يُصنع الخزف بكميات كبيرة فى المصانع كما يمكن أن تنتج قطعةخزفية واحدة من نوعها. ولقد أعطى الخزافون منذ أقدم العصور أشكالاً مختلفة للطين قبل أن يحرقوه فى النار ليصبح خزفًا.

 

هذا ما يوضحه اشرف السيد، نائب نقيب الحرف التراثية، والذى عمل فى مجال الخزف ما يقرب من عشرين عامًا ولايزال يعمل به لحبه الجم لهذه المهنة واحترامه الشديد لها، فيقول أن الخزف هو من أجمل الصناعات التراثية والتى على الرغم من مرور آلاف السنين على صناعتها لم تندثر وانها بالطبع تعانى من بعض العراقيل مثل ارتفاع اسعار المواد الخام المستخدمة فيها وكذلك انصراف عدد من العاملين عنها لتحقيق ارباح اكبر من حرف اخرى ظهرت جديدة مناسبة للعصر الا أنها لا تزال مميزة ولها عشاقها خاصة من الدول العربية وكذلك الاجانب وبعض المصريين.


الخيامية
وفى شارع الخيامية بالغورية والذى اطلق عليه هذا الاسم نسبة الى «الخيمة» حيث ازدهرت صناعتها فى هذا الشارع من قديم الأزل، فتجد اقمشة من طراز فريد ذات كتابات بالخط العربى وبألوان تلفت الناظرين اليها، تشعر وكأنك عدت بالزمن الى الخلافات الاسلامية القديمة التى عاشت فى مصر واثرت فيها بالفنون المختلفة التى لاتزال موجودة حتى الآن.


تتميز الأقمشة اليدوية بالدقة والجمال فى الشكل إلى جانب متانتها واصالتها وتميزت مصر فى صناعتها وجودتها الا أنها اصبحت تخشى شبح الاندثار ويوجد منها بعض الانواع مثل الخيمة العربية والخيمة البدوية والخديوىة والكشافة و الظابطى وهى الأكثر انتشارا بحسب ما اكده العاملون فيها، كما تزدهر ايضًا الحرف اليدوية بنفس الشارع مثل صناعة السجاد اليدوى والكليم وكذلك الاقمشة المطبوعة.. ويعلق على هذا عم محمد مصطفى الذى يعمل فى هذه المهنة واكد انه توارثها مثل غيره ابًا عن جد، وانها اصبحت تعانى من قلة عدد العاملين فيها وتحتاج من يحييها بالترويج لها.


تكفيت النحاس
يعد «التكفيت» خاصة على النحاس ابتكاراً مصرىاً أصيلاً، فهو فن من فنون زخرفة المعادن اليدوية حيث يتم تطعيم معدن رخيص مثل النحاس بواسطة معدن أثمن منه مثل الفضة أو الذهب دون أى تدخل تكنولوجى فيه فجميع مراحل تصنيع القطع النحاسية يدوية باستخدام بعض الأدوات البسيطة، وقد ازدهرت صناعة التحف المكفتة فى مصر منذ العصر المملوكى، وأصبح للصناع سوق تسمى «سوق الكفتيين»، حيث اشتهرت مصر وحتى الآن بوجود فنانين مهرة يجيدون ذلك الفن، تركزوا خاصة فى السوق التى سميت بسوق «الكَفتيين».. ومعظم العاملين فى تكفيت النحاس توارثوا المهنة ابا عن جد حتى أن هناك عائلات بعينها معروفة بهذه الحرفة.


«قدرة!»
يعد طبق الفول هو الوجبة الاكثر شعبية فى مصر وهى الاساسية التى يعتمد عليها معظم الناس من كافة الطبقات، وبالطبع طالما يوجد فول لابد ان يتم «تدميس» الفول فى «قدرة» وهو اناء معدنى كبير يتم تسوية الفول فيه قبل تناوله، لكن اين وكيف يتم صناعة هذه القدرة ؟
فى ورش صغيرة بمنطقة الجمالية يجلس صناع قدر الفول والتى تعد هى مصدر الرزق الوحيد، حيث اصبحت القدر تصنع من مادة الالومنيوم بدلا من النحاس وهو الاغلى ثمناً، ويتمكنون ايضًا من تطويع اى معدن وصناعة القدور يدوياً فهى حرفة متوارثة هى الاخرى ابًا عن جد كغيرها من بقية الحرف التراثية.


فالمطرقة هى الآلة الأساسية والمساعد القوى للحرفى فى صناعة القدر، حيث يتم تشكيلها من عجان أو قرص خام الألمونيوم ويتم جمعه ثم البدء فى الطرق والتشكيل حسب طلب الطالب.


تسهيلات مطلوبة
أكدت بسنت فهمي، عضو اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب، أن الصناعات الثقافية التى تحدث عنها الرئيس السيسي في المؤتمر الدولى للشباب، لم تكن محل اهتمام حتى تحدث عنها الرئيس فيجب على كل مسئولى الدولة الإهتمام بمثل هذه الصناعات المتمثلة فى «الصدف والخزف والصناعات اليدوية وغيرها من الحرف»؛ لذلك يجب تدريب الشباب تدريب جاد على هذه الحرف المهملة فى مصر.


وأضافت  فهمي، أنه يجب أن تكون هناك أكاديميات متخصصة أو كليات متخصصة لتدريب هؤلاء الشباب على الحرف المختلفة، وذلك لكى يتم النهوض بالبلاد بالاضافة إلى أنه يجب على الشباب أن يتكاتفوا مع الرئيس السيسى من أجل النهوض بالبلاد؛ لانهم بناة المستقبل.


أكد طارق السيد، نقيب الحرفيين والذى يرأس نقابة الحرف التراثية، أن 20% فقط هى نسبة العاملين فى الحرف التراثية الذين قاموا بتنقين اوضاعهم وترخيص الورش الخاصة بهم.  أما البقية فهم غير مرخصين، مؤكدًا أنه من الشروط الصعبة والقاسية التى تحول دون حصول العاملين على التأمين والترخيص أن يكون مالك المنشأة لديه ثلاثة أفراد على الأقل يعملون فى ورشته للحصول على ترخيص العمل وهذا ما لا يحدث لأن الاقبال على شراء مثل هذه المنتجات متغير. احيانا يكون «موسم» للشراء واحيانا لا يوجد زبون، وكذلك صعوبة الحصول على ترخيص فى مناطق سكنية عشوائية.


واضاف أن النقابة تحاول اقامة معارض من حين لآخر واقناع العاملين فى الحرف للانضمام اليها والتأمين على الورش وكذلك التأمين على انفسهم مناشدًا الدولة والمسئولين بضرورة زيادة تسليط الضوء وتوفير دعم مادى وتسهيل اجراءات التراخيص للعاملين فى هذه الحرف التى تحمل هوية وتاريخ مصر.

المهن التراثية.. تحارب من أجل البقاء

المهن التراثية.. تحارب من أجل البقاء

المهن التراثية.. تحارب من أجل البقاء

المهن التراثية.. تحارب من أجل البقاء

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة