خالد منتصر - تصوير : حسن يوسف
خالد منتصر - تصوير : حسن يوسف


حوار| خالد منتصر: تجديد الخطاب الديني مسئولية الجميع.. والإسلام لم ينزل على «الأزاهرة» فقط

حازم بدر

الخميس، 13 فبراير 2020 - 09:48 م

قبل سنوات كان الطبيب والمفكر د.خالد منتصر مسئولًا عن الفقرة الطبية فى البرنامج الشهير «العاشرة مساء»، وقتها كان يحظى بمتابعة وتقدير جماهيرى لما يقدمه أسبوعيا من وجبة طبية مفيدة للمواطن البسيط، غير أن نفس المواطن الذى كان يصفق له وهو يتحدث فى أمور الطب، هو الذى ضاق ذرعا فى الفترة الأخيرة من حديثه فى أمور ليس لها علاقة بمجال تخصصه ودراسته، حتى أنه يتلقى بعد أى تعليق يكتبه على مواقع التواصل الاجتماعى سيلا من الانتقادات التى تصل عند البعض إلى حد التجاوز فى الألفاظ. كنت أتابع هذه الانتقادات وأسأل نفسى دوما، إذا كانت غاية أى مفكر هى التأثير الذى يجلب له التقدير، فلماذا هذا الإصرار على طرح أفكار لا يصفق لها الناس، بل على النقيض يواجهون صاحبها بألذع الانتقادات، وهو السؤال الذى حاولت العثور على إجابة عنه خلال حوار مع د.منتصر، كاد أن ينتهى بعد 35 دقيقة من بدايته، لكنه امتد لقرابة الساعة والنصف.


وخلال الحوار طرحت عليه كثيرا من الانتقادات التى توجه لأفكاره، كما طرحت عليه تساؤلات أثارتها ردوده على هذه الانتقادات، لأخرج فى النهاية متفقا معه فى بعض مما ذهب إليه، ومختلفا معه فى البعض الآخر، ولكن رأيى هذا لن يظهر فى تفاصيل الحوار الذى سأنقله بكل ما تضمنه من تفاصيل، بما فيه المشكلة التى كادت تنهيه بعد 35 دقيقة، لأترك للقارئ دون تأثير منى حرية الاتفاق أو الاختلاف مع بعض ما يطرحه من أفكار.. وإلى نص الحوار.

بداية.. كان حديثك فى مجال دراستك كطبيب فى الفقرة الطبية بالبرنامج الشهير «العاشرة مساء» مقبولا لدى البعض، ولكن نفس الذين صفقوا لك عما تقوله فى هذه الفقرة، لا يقبلون الآن آراءك التى تكتبها من حين لآخر خارج نطاق الطب، فما هو تفسيرك لذلك ؟


- يومئ بالموافقة على هذا الانطباع، قبل أن يشرع فى تفسيره والابتسامة تملأ وجهه، قائلا: سر نجاحى فى البرنامج الطبى، هو نفس سر الهجوم الذى أتعرض له عند الحديث فى أمور الدين، فمنهجى هو التفكير العلمى، ولكن الناس يمكن أن تقبله بعض الشيء فى المجال الطبى، لكنها حساسة جدا عند أعماله فى الجوانب الأخرى، فعندما أقول لهم إن هناك دواء جديدا لعلاج السكر، يستقبلون ذلك بالفرح والسرور والبهجة، لكن عندما تنتقل لتقول لهم إن بول الإبل والحجامة لا يعالجان السكر، تقوم الدنيا عليك ولا تقعد، مع أن منهجى فى الناحيتين هو العودة للعلم.

ويضيف: «صدق الفكرة عندى ليس محددا بأنها قيلت على لسان فقيه قديم، ولكن صدقها هو مدى خضوعها للاختبار العلمى، ولا يهمنى فزاعة أن فلان بن فلان قالها أو أن الفقهاء أجمعوا على هذه المعلومة».

 

القرآن والرمز
لو أعملنا هذا المنهج فى كل شيء، سيقول لك قائل إن قصة سيدنا إبراهيم التى استشهدت بها فى مقدمة كتابك «هذه أصنامكم وهذه فأسى»، تحمل بعض تفاصيلها ما هو غير متفق مع العلم، وهو أن النار لم تحرق سيدنا إبراهيم، وبالتالى فإن هناك أمورا نقبلها دون أن نعمل العقل فى تفسيرها...
- كان متكئا بظهره على الكرسى، لينتصب فى جلسته وهو يشير بإصبعيه السبابة والوسطى قائلا: يجب أن نفرق بين أمرين، الأول حكايات دينية نسمعها فى مساجدنا وكنائسنا ومعابدنا، نقتنع بها، والثانى عند الخروج إلى الشارع، وحينها لابد أن نستخدم العلم، فقصة سيدنا إبراهيم التى ضربت مثالا بها يمكن أن تمثل رمزا ما فى عقيدتى، ولكنى لا يمكن أن أنقلها للواقع، وإلا سأقول لك: هل تستطيع أن تلقى بابنك فى النار؟

بماذا تقصد بالرمز؟
- ترتسم على وجهه ابتسامة عريضة قبل أن يقول: الله عندما وصف الجنة استخدم رموزا مثل العسل واللبن والأنهار، ولكن هل هذا منتهى خيالك عن الجنة، فإنسان 2020 قد يكون منزعجا من أنها لا تحتوى على (واى فاى)، ولكنها اللغة التى كان يفهمها الناس وقتها.


كلامك هذا يناقض قاعدة تربينا عليها وهى أن القرآن صالح لكل العصور (قلتها بنبرة حادة بعض الشىء، قطعت بها نوبة من الضحك انتباتنى من مقولة الواى فاى)..
-  يبدى انزعاجا من تعليقى ويشير بسبابته قائلا بنبرة حادة بعض الشيء: الجملة بهذا المعنى لم أقلها، من فضلك لا تقل على لسانى ما لم أقله.


سأعيد ما جاء على لسانك «انت قلت إن الله خاطب الناس بهذه اللغة، لأنها كانت تلائمهم وقتها» وأن أرى أن ذلك يفهم منه ضمنيا أن القرآن غير صالح لكل زمان ومكان؟


- تختفى مشاعر الانزعاج من وجهه ليقول: سأبدأ إجابتى بمقولة إن «القرآن صالح لكل زمان ومكان» حتى نكون متفقين من البداية، ولكن السؤال: ما هو الصالح لكل زمان ومكان؟.. الإجابة: هى المعانى والمقاصد العامة والكلية التى جاء بها القرآن، ففهم السلفيين لجملة «صالح لكل زمان ومكان» مثل من يريد من لافتة المرور الإرشادية، ألا تكتفى بأن تشير إلى اسم الشارع، ولكنه يريد أن تتضمن معلومات عن العمارة التى يسكنها ومسكنه داخل العمارة، بل وغرفة نومه.

ويضيف: «أى كتاب مقدس يشير إلى معنى عام، وليكن مثلا معنى (العدل)، وعلى الإنسان أن يعمل عقله فى كيف يطبق العدل، وإلا ما كان خليفة المسلمين عمر بن الخطاب يمنع الزكاة عن (المؤلفة قلوبهم)، رغم أنهم من الفئات المستحقة للزكاة وفق النص القرآنى، ولكنه أعمل عقله الذى قال له إن إعطاء الزكاة لهذه الفئة كان يناسب ظرفا ما، تغير عندما أصبح الإسلام عزيزا بكثرة الداخلين إليه، إذن كان سيدنا عمر يرسل برسالة مؤداها باختصار أنه إذا تغيرت المصلحة والزمن، فعليكم أن تعملوا عقولكم، ولكن كثيرين لم يفهموها».


احتكار تفسير المصطلحات


لماذا تقول إن الرسالة لم تفهم، مع أن بيان الأزهر الأخير فى مؤتمر تجديد الفكر الإسلامى ينص صراحة على أن «التجديد لازم من لوازم الشريعة لا ينفك عنها لمواكبة العصر»، وأن «النصوص القطعية فى ثبوتها ودلالتها لا تجديد فيها، أما النصوص ظنية الدلالة فتتغير فيها الفتوى بتغير الزمان والمكان وأعراف الناس»؟


- ترتفع نبرة صوته وهو يقول: المشكلة أن كل التعريفات والمصطلحات يحتكر تفسيرها رجال الدين، وكأن الدين الذى أرسله الله لكل الناس، لم ينزل إلا على الأزاهرة فقط، فمهمة فرز النص القطعى من الظنى هى فى رأى شيخ الأزهر للراسخين فى العلم.


> المواطن البسيط الذى يسمعك سيقول لك: طبيعى أن يكون الراسخون فى العلم هم المنوط بهم هذه المهمة، فهذا هو تخصصهم، فكما أنهم لا يفتون مثلا فى مرض جلدى أنت الأولى بالحديث عنه بحكم تخصصك، يجب أيضا ألا تتدخل فى مجال تخصصهم.


- يطرق بيده على المكتب قائلا والابتسامة تملأ وجهه: جميل ولكن السؤال هل الراسخ فى العلم مثلا هو شيخ الأزهر الراحل سيد طنطاوى أم شيخ الأزهر جاد الحق، فمن البديهى أنه لا يوجد راسخ فى العلم بعد شيخ الأزهر، ولكن ستفاجأ بأن الاثنين اختلفا فى مسألة ختان الإناث، فوالد الرضيعة ندى التى توفيت أثناء الختان قبل أيام، وجد والدها أمامه فتويين، واحدة لراسخ فى العلم هو الشيخ طنطاوى أفتى أن ختان الأناث ليس من الإسلام، ولم يرد لا فى قرآن ولا سنة، بينما راسخ فى العلم آخر وهو الشيخ جاد الحق تبنى رأى الشافعى، وقال إن ختان الرجال والنساء يجب على الإمام قتال من يدعو لمنعه، فأنت تتحدث وكأن مسألة الراسخ فى العلم واضحة وضوح الشمس.. وهل تعلم أن راسخا فى العلم آخر وهو الشيخ عمر عبد الرحمن، الحاصل على دكتوراه من الأزهر، أفتى بقتل المسيحيين، وبدأ حملة تكفير نجيب محفوظ التى انتهت بمحاولة اغتياله.

رجاء لا تبنى آراءك على نماذج شاذة؟
- يضحك ساخرا: ما هو أنا معنديش «ترمومتر» يشير إلى النماذج الشاذة من غير الشاذة.

لا يمكننى أن أقبل تشويه مؤسسة بسبب رأى قاله عمر عبد الرحمن أو غيره عن المسيحيين مثلا، وأتجاهل بيان الأزهر الأخير فى مؤتمر تجديد الفكر الإسلامى، الذى جاء فيه «من البر الذى دعانا إليه الإسلام هو تهنئة غير المسلمين بأعيادهم»، «جرائم الجماعات الإرهابية إفساد فى الأرض»، «السياحة أمر تقره الشرائع»، أليس ذلك هو التجديد الذى تطالبون به؟

- ترتفع نبرة صوته وهو يقول وقد اختفت الابتسامة من وجهه: انت تقفز من نقطة لنقطة أخرى للهروب، فعندما تجد أنى حاصرتك بالمنطق رجاء لا تهرب.

 

ترمومتر القياس
 

أنا لا أهرب، ولكنى كما قلت لك أفكر بتفكير المواطن البسيط الذى يسمعك، وأنا هنا أطرح عليك التساؤلات التى قد يثيرها حديثك، وأترك لك الفرصة لتوضيح وجهة نظرك...

- سأعيد عليك نفس الرد: اعطنى الترمومتر الذى تحدد به النماذج صاحبة الفكر الشاذ من غير الشاذ، قد تقول مثلا إن أصحاب الفكر غير الشاذ هم أعضاء هيئة التدريس بجامعة الأزهر، وهنا سأقول لك: هل تعلم أن مفتى الإخوان الذى أفتى بكل هذه الدماء التى شهدتها مصر فى الآونة الأخيرة، هو د.عبد الرحمن البر الذى كان عميدا لكلية أصول الدين، وطبعا أنت هترد علىّ الآن وتقول: لماذا يا دكتور خالد تختار النماذج الشاذة؟

نعم سأرد عليك بهذا السؤال، لأن أى مجتمع بما فيه مجتمع الأطباء الذى تنتمى أنت إليه به النماذج الجيدة والشاذة، فهناك أطباء مثلا يتاجرون فى الأعضاء، فهل وجودهم ينتقص من رسالة مهنة الطب؟


- يومئ بالموافقة قبل أن يقول وقد ارتفعت نبرة صوته بشكل أكثر حدة: نعم أوافقك، ولكننا لا ندرس الأخلاق فى كلية الطب، ولكن الدولة تخصص للأزهر ميزانية 16 مليار جنيه لإصلاح أخلاق الأمة.


ميزانية الأزهر


من أين جئت بهذا الرقم؟
- يطرق على مكتبه قائلا: ادعوك للعودة إلى مضابط مجلس الشعب أثناء مناقشة الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2019- 2020، وليس مطلوبا منى أن أنقل لك معلومات من المفترض أنك تعرفها.


أرجو أن نتجاوز هذه النقطة لأنى لست هنا من أجل مناقشة ميزانية الأزهر، ولكن لمناقشة أفكارك؟
- يشير بكلتا يديه معلنا نهاية الحوار وبعد نقاش طويل يتراجع قائلا: سأكمل الحوار شريطة أن تنتظر حتى أبلور فكرتى ولا تلاحقنى بالأسئلة.


بنود بيان الأزهر
 

عودة إلى تعليقى الذى سبق هذا الجدل، وهو أن هناك رجال دين مجددين كما أن هناك من هم شاذو الفكر، وهو ما ينطبق على مجتمع الأطباء والمهندسين والصحفيين وأى مجتمع...


- تعود إليه نبرة الصوت الهادئة وهو يقول: سأرد عليك بنقطتين، الأولى أنه طبعا هناك رجال دين عظماء، ورجال دين شاذو الفكر، كما أن هناك أطباء ومهندسين عظماء، ويوجد أطباء ومهندسون إرهابيون، ولكن المشكلة فى أن من يفعل أفعالا إرهابية يستند لفكر يعود إليه الطبيب والمهندس وطالب الأزهر، وهذا الفكر يوجد فى الكتب التى توجد على أرفف فى مكتبة بجامعة الأزهر، ولا تتغير المناهج القائمة على هذا الفكر، إلا عندما يتحدث العلمانيون الذين تخرج فتاوى لمحاربتهم، مع أنهم قدموا خدمة بالضغط على أروقة الأزهر بالتغيير فى المناهج، واستجاب الأزهر لبعض ما طرح ولم يستجب للبعض الآخر.


أما النقطة الثانية، فإنه ليس مطلوبا من كليات الطب والهندسة أن تعلم الناس أصول الدين.


كيف يستقيم كلامك هذا مع بيان الأزهر الأخير فى مؤتمر «تجديد الفكر الإسلامى» حيث أفرد أكثر من بند يناهض الفكر المتطرف؟


- لي أصدقاء من الأزهر ولا أختلف معه ككيان، ولكن خلافى مع تيار داخل هذه المؤسسة كان قد بدأ يتشكل وسيطر على بعض المفاصل وحذرت منه، فقد كتبت مثلا عن د.محمد عمارة، وكان يشغل منصب رئيس تحرير صحيفة صوت الأزهر، وبدا وكأن مؤسسة الأزهر مصرة على الاحتفاظ به فى تلك الوظيفة، التى تجعله وزيرا لإعلام تلك المؤسسة، فماذا وجدنا منه؟ وجدنا أنه كان مؤيدا لاعتصام رابعة قلبا وقالبا، وشتم فى عقائد المسيحيين داخل المجلة، وتبين فى النهاية أنه كان ذا هوى إخوانى مائة فى المائة، ودفع الأزهر دفعا لأن يقصيه بعد تبين تلك الحقائق.


سأعيدك لبيان الأزهر الذى يتضمن نصا واضحا يتعلق بشركائنا فى الوطن، الذين تقول إن د.محمد عمارة قد أساء إليهم، فهناك نص واضح فى البيان على أنه «من البر الذى دعانا إليه الإسلام هو أن نهنئهم بعيدهم»، فهل كان ذلك استجابة من الأزهر لضغوط المفكرين؟


- يبتسم قبل أن يقول: البيان رائع وملىء بالنقاط الإيجابية، ولكننا نتعامل مع أفعال لا أقوال، وسأعيدك لقضيتين يتعلقان بالأفعال، الأولى مسألة ألا يكون الطلاق شفهيا، واشتراط وجود «وثيقة الطلاق» لحدوثه، فخرج علينا الأزهر ببيان أن على الدولة التركيز فى أمور الاقتصاد وتترك مثل هذه الأمور للأزهر، وحدث نفس الشيء عندما طرحت فكرة الخطبة الموحدة، وتكرر نفس الأمر فى حوار شيخ الأزهر د.أحمد الطيب مع د.الخشت فى مؤتمر تجديد الفكر الدينى، عندما قال: «دعوا التراث لأهله، فأنتم لم تصنعوا فردة كوتش»، وهذه اللهجة أنا ضدها، فالتجديد كما قال الرئيس لا يختص به الأزهر وحده، فمن حق أى إنسان المساهمة فيه.
 

التجديد عملية شاملة
هذه الرؤية أظنها تتفق مع ما طرحه د.مصطفى حجازى فى مقال بجريدة «المصرى اليوم» يوم 23 أبريل 2017، تحدث عن أن التجديد وإن كانت مهمته الأساسية تقع على عاتق المؤسسة الدينية، إلا أن مؤسسات الاقتصاد مسئولة عن نفوس قتلها الفكر فاستباحها التطرف، وكذلك مؤسسات الثقافة والتعليم مسئولة أيضا...

- يومئ بالموافقة قبل أن يقول: طبعا كلام سليم مائة فى المائة، فوزارة الثقافة مثلا لها دور كبير من خلال قصور الثقافة التى اعتبرها من أهم جبهات القتال ضد الإرهاب، فهى فى رأيى فى نفس أهمية السلاح الذى نحارب به الإرهاب، وإطفاء أنوار مسارح هذه القصور، هو خصم من رصيدنا فى مواجهة الإرهاب.

ويضيف: يجب أن يدرك الجميع أن هناك فرقا بين الدين والتدين، فالتدين ممارسة، والدين رسالة، والتغير هو الثابت الوحيد فى الكون، ولست أنا أو غيرى من يتدخل فيما لا يعنينا، ولكن رجل الدين هو الذى يتدخل فى كل شيء بداية من طريقة علاجى وانتهاء بعلاقتى مع زوجتى، وصارت ممارسات الإفتاء فى كل شىء حتى صار الأمر مضحكا، وأصبح مدعاة للفخر أننا نخرج مليون فتوى فى العام، وهذا ليس معبرا عن حيوية شعب ولكنه شلل عقلى، لأن ذلك يعنى أن المواطن لا يستطيع أن يشغل عقله، وصارت علاقته برجل الدين، مثل الطفل الذى يمسك بجلباب والدته خشية أن يتوه.

ولكن ما تقوله يتعارض مع الآية الكريمة فى سورة الأنبياء «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ»؟
- تخرج الكلمات من فمه سريعة قائلا: هذه هى مشكلة البعض معنا، فالعلمانى أو التنويرى لا يعترض على آية، ولكن على فهم الآية، فأكبر رجل دين فى العالم لم يسمع تفسير هذه الآية لا من الله سبحانه وتعالى ولا من أى نبى، فهو وسيط بشرى، فلماذا نقصر هل الذكر على مرتدى العمامة، لماذا لا يكون الطبيب مثلا من أهل الذكر.


هو أهلٌ للذكر فى تخصصه؟
- يرد على سؤالى بسؤال: وهل يحترم رجل الدين ذلك، هل احترموا الطب ولم يحشروا أنفهم فى مسألة الختان، وفى مسألة زراعة الأعضاء مثلا؟ الإجابة أنهم يفعلون ذلك حفاظا على البيزنس، فأنا لا أصدق أن ما يقدمونه دفاع عن الدين، لأن الله قد تكفل بحفظه، ولكنه دفاع عن البيزنس.


منهج الهلالى

أفهم أنك تشير بكلامك هذا إلى دعاة الكل يعرفهم، ولكن الكل يعرف أيضا أن شخصية مثل شيخ الأزهر د.أحمد الطيب تميل إلى التقشف؟
-  لم ينتظر إكمال السؤال، وقال: لست مختلفا على شخصية شيخ الأزهر، فهو رجل فاضل، ولكنى أتحدث عن ظاهرة، وبالمناسبة لم يكن هناك فى تاريخ الإسلام مؤسسة دينية، وهل كان معنى ذلك أننا بلا إسلام، ولم تكن هناك وظيفة تسمى رجل دين، وكان الصحابة رجال دين، لكنهم يعملون فى مهن مثل الرعى والحدادة والنجارة، ولذلك أميل لمنهج د.سعد الدين الهلالى، وهو بالمناسبة أزهرى.

 

قد يرد عليك البعض بأن د.سعد الهلالى الذى تميل إليه أزهرى، إذن المشكلة ليست فى مناهج الأزهر ولكن فى فهم البعض لها؟
 

- سأعود وأقول لك، إن الأزهر ككيان له كل الاحترام، ولكنى أخشى من تيار يحاول اختطافه.

هل مشكلتكم مع د.أحمد الطيب شخصيا؟
- سأعود وأكرر: ليست مشكلة مع الأزهر أو شيخه، ولكن مع تيار يريد اختطافه.


تيار فكرى
 

رددت كثيرا كلمة تيار يريد اختطاف الأزهر دون أن تذكر ما هو هذا التيار؟.. هل هم إخوان مثلا داخل المؤسسة؟
 

- يقول وقد ارتفعت نبرة صوته: ليس الإخوان فقط، هناك أيضا سلفيون، ولا يهمنى الاسم، ولكن مواصفات هذا التيار أنه يتبنى أفكارا تعطل مصر مثل أفكار الجهاد والفتح والولاء والبراء.

تحدثنى عن وجود تيار يأخذ الأزهر باتجاه هذه الأفكار، وهذا يقودنى لإعادتك مرة أخرى إلى بيان الأزهر فى ختام مؤتمر تجديد الفكر الذى يقول بدون مورابة «الجهاد فى الإسلام ليس مرادفا للقتال، وأن المنوط بأمر الجهاد هو السلطة المختصة»، وأن «الخلافة نظام حكم ارتضاه صحابة الرسول يناسب زمانهم ولا يناسبنا الآن»؟

- يلتقط ورقة أمامه ليكتب العناصر التى جاءت فى البيان، ليقول: سأعيدك إلى الحوار الذى دار بين الدكتور أحمد الطيب ود.الخشت خلال نفس المؤتمر الذى خرج عنه هذا البيان، ففى الحوار كان شيخ الأزهر مصرا على استخدم كلمة «الفتح» عندما قال إننا وضعنا قدما فى الأندلس وقدما فى الصين، ومن حقى هنا أن أتساءل: لماذا نسميه فتحا، وعندما جاء الصليبيون أسميناه استعمارا، هل لأننا مسلمون أسميناه فتحا، وهل ما فعله العثمانيون فى بلغاريا والأرمن فتح؟، وهل فتحنا هذه البلاد ونحن نقدم الورود ونعزف الجيتار؟.

وفيما يتعلق بالخلافة، قال: كنا أفضل حالا ونحن نحكم بالتراث قبل الحملة الفرنسية، فهل مشهد المسلمين عندما رأوا المواد الكيمائية التى جاءت بها الحملة الفرنسية تتفاعل مع بعضها ورددوا «يا خفى الألطاف نجنا مما نخاف» يرضى شيخ الأزهر، فقد كنا فى قمة الجهل والتخلف، والحملة الفرنسية التى هاجمها شيخ الأزهر جاءت لنا بالمجمع العلمى، وفكت شفرة اللغة الهيروغلوفية، بينما الخلافة العثمانية أخرتنا قرونا عن أوروبا عندما منعت الطباعة عن العرب.

 

هجوم الفيس بوك
 

فيما يتعلق بهذه الجزئيات التى ذكرتها هل تسمح لى أن أذكر لك بعض التعليقات التى جاءت على صفحتك بالفيس بوك، لأنك قلت نفس هذه الآراء وقوبلت بهجوم شديد؟

- ليس لدى مانع.. تفضل.


أحد التعليقات قال لك إن كلامك هذا لا يتفق مع ما هو معروف من نصائح الرسول للمسلمين فى أى فتح، بأن «لا تقتلوا شيخا أو طفلا ولا تقطعوا شجرة»، وتعليق آخر يسألك: وهل الحملة الفرنسية دخلت مصر وهى تحمل الورود؟
 

- لم ينتظر إكمال السؤال وقال: هم دخلوا بالسلاح ونحن دخلنا بالسلاح أيضا، المشكلة أننا لا نريد أن نعترف بأخطائنا، وأسأل هؤلاء هل من قتل محمد بن ابى بكر الصديق مستعمر أجنبى؟، وهل من قتله لم يسمع وصايا الرسول؟.. وهل الزبير وطلحة وعلى بن أبى طالب وهم من المبشرين بالجنة، لم يسمعوا وصايا الرسول عندما دارت بينهم حرب ضاعت فيها دماء الآلاف؟، نحن نريد ألا نقدس أحدا ونقرأ التاريخ بعين ناقدة.


الدين لا يمنح قداسة لأحد...

- يرد متسائلا: وهل أنا من وضعتهم موضع القداسة، فالنقد ليس إهانة لأحد، وأنا بهذا الكلام أحاول أن أرد على تيار يقول إنه لم يحدث خطأ، وأن هذه الفترة المسكوت عنها، كانت فتنة ويجب ألا يتكلم أحد فيها، ولكننا كعلمانيين نسعى لفهم التاريخ ولن يحدث ذلك إلا بدراسة التفاصيل.
العلمانية والإلحاد

تتحدث دوما عن أنك علمانى، مع أن هذه الكلمة فى الثقافة الشعبية تعنى عند البعض الإلحاد، وهذا يقودنى إلى تعليق آخر جاء على صفحتك ردا على تعليق لك على الحوار الذى دار بين شيخ الأزهر ود.الخشت، حيث قال لك صاحب التعليق »أنت مثقف مشكلته مع التطرف أم ملحد يرفض الإسلام».. فماذا تقول لصاحب هذا التساؤل؟


- الأركيولوجى من العلوم الإنسانية، لكنه علم له ضوابط ويسعى لدقة العلوم التجريبية.

الأركيولوجى علم تطبيقى تدخل فيه تخصصات مختلفة من الطب والعلوم «قاطعته قبل أن يسترسل فى فكرته»...


- أقصد أنه علم يخدم التاريخ من حيث اهتمامه بالماضى، ودعنا نضرب مثلا بعلم التاريخ وليس الأركيولوجى تجاوزا لهذه النقطة، فعلم التاريخ شأنه شأن علوم نظرية كثيرة تسعى لأن تكون فى نفس دقة العلوم التجريبية مثل الطب والهندسة، فنجده يحاول الاعتماد على الوثائق، وعلم الأديان باعتباره علما نظريا مثل التاريخ يسعى هو الآخر أن يعتمد على الوثائق، وعندما يناقش هذا العلم فكرة مثل أن ذاكرة البشر لا يمكنها الاحتفاظ بمعلومة لـ200 عام، ومن ثم فإن كثيرا من الأحاديث الموجودة فى كتاب البخارى التى يرفضها العقل، قد تكون مغلوطة، يغضب البعض، ويتهمنا بأننا علمانيون ملحدون، مع أننا نريد أن يعامل كتاب البخارى كأى كتاب تاريخ، ولا يمنح قداسة قد تجعل البعض يتشكك فى أمور دينه وهو يقرأ فى هذا الكتاب أحاديث مثل ارضاع الكبير، وأحاديث عن الرسول قد سحر، وأنه حاول الانتحار.

قد يرد عليك البعض أن كثيرا من أمور الدين مثل كيفية الصلاة وصلتنا عن السنة، فإذا شككنا فى البخارى قد نشكك فى أشياء كثيرة...


-  لم ينتظر إكمال السؤال، وقال: الصلاة تناقلتها الأجيال بالمشاهدة، وليس بالكتابة، ثم إن هناك حديثا يقول «لا تكتبوا عنى شيئا سوى القرآن ومن كتب عنى شيئا فليمحه»، فلماذا يتناسى مقدسو البخارى هذا الحديث؟

السنة والحديث


دعنا نضرب مثالا آخر غير الصلاة، وهو الزكاة، فنحن عرفنا نصاب الزكاة من خلال السنة...


-  يطرق على مكتبه قائلا: انت قلت السنة، والسنة غير الحديث، فلا أحد ينكر السنة، وكلامنا كله منصب على تقديس البخارى، فهل القرآن قال إن كتاب البخارى هو أصح كتاب بعد كتاب الله، فأنا لست رجل دين حتى أدلى بإجابة قاطعة.

هذا ما حاولت قوله كثيرا خلال الحوار، فأنت لست رجل دين...


- أقصد أننى لست وصيا على أحد، ولا أحفظ العنعنات مثل رجال الدين، ولكنى أطرح تساؤلات، وهذه هى مهمة أى مفكر، وأترك الناس تبحث حولها وتحاول الإجابة بنفسها، ومن هذه التساؤلات: لماذا نصر على أحاديث فى البخارى تخصم من الرصيد الإسلامى؟ فنحن مثلا كعلمانيين ندافع عن الإسلام ونقول إن عائشة تزوجت الرسول فى سن الـ18 عاما، ورجال الدين يصرون على أنها تزوجته فى سن التاسعة اعتمادا على أحاديث البخارى، هل من يقول إن الرسول تزوج من عائشة فى سن 18 يهين الإسلام، ومن قال إنه تزوجت الرسول فى سن التاسعة لا يهين الإسلام، وما هى مصلحة الإسلام فى فتوى مثل ارضاع الكبير، فغرض العلمانيين هو الحفاظ على صورة الإسلام، بينما المتمسكون بالبخارى يدافعون عنه لأن التشكيك فيه سيهز عرش امتلاك سلطة التأثير على الناس.

أنت تطرح دائما هذه الأفكار لكن أغلب التعليقات التى تصلك سلبية، فلماذا الإصرار؟


- سأرد عليك بمقولة الكاتب الصحفى عبد الرحمن الخميسى الذى قال «أنا لا أعزف على قيثارتى لأنى مشغول بالدفاع عنه»، وأنا بدلا من الانشغال بالدفاع عن نفسى، أفتح جبهات جديدة وأظل أكتب وهذا يغيظ المتشددين، وأواجه بأبشع الألفاظ والشتائم ويكون ردى عليها الضحك.
سؤال أخير: ظهرت قبل شهور فى برنامج إذاعى تحدثت فيه عن العلاقة مع الله، هل كان ذلك محاولة منك لمحو صورة الرجل الملحد التى يتم ترويجها؟

يطلق تنهيدة عميقة أعقبها بقوله: أنا لم أسع لهذا الحوار، وكان تلبية لطلب مقدم البرنامج وهو صديق لى، وأرى أن هذا السؤال ختام جيد للحوار، وسأحيلك فى ردى عيله لفيلم هندى اسمه ( PK )، ويتحدث عن كائن فضائى هبط على الهند وشاهد كل الأديان هناك، وظهر فى لقاء تليفزيونى مع أحد رجال الدين وقال إن هناك الإله الذى خلقنى، وإله أنتم صنعتوه، لتحقيق أغراضكم الخاصة، وأنا أحب ربنا الذى خلقنى، وليس ربنا الذى يصوره رجال الدين، وأشعر أنه يحبنى ويربت على كتفى، وأحبه ليس من باب الخوف، لأن العلاقة عندما تكون بسبب الخوف من النار، تكون غير حقيقية وغير صادقة، كما أنى لا أصرخ بدينى، مثل البعض الذى يقوم برفع صوت القرآن ليعلن أنه متدين وهذا نفاق، فالتدين الحقيقى هامس وليس صارخًا.
 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة