فاطمة الزهراء جمال
فاطمة الزهراء جمال


يوميات الأخبار

إشارة مرور

بوابة أخبار اليوم

السبت، 15 فبراير 2020 - 08:24 م

جلست فى السيارة كعادتى أقرأ عناوين اللافتات عندما يشتد الزحام، ويتوقف نهر الطريق المتجه إلى مصبه فى «العباسية»، لفت انتباهى التغير فى مُسميات اللافتات حيث بدت جميعها إلا القليل النادر تحمل أسماءً أجنبية، وهنا رحت أتساءل كالعادة عن سبب ذلك؛ هل السبب ما رسخ فى عقلية المصرى عن أفضلية الأجنبى من كل شيء؟ أم السبب عدم ثقة المواطن المصرى فى المُنتَج المحلي، فيتوجه إلى المحلات التى تحمل لافتات أجنبية وتبيع بضائع متنوعة ما بين المصرى والأجنبى. أم هناك ظهور لمنتجات ـــ أرخص أحيانًا ومماثلة فى الجودة ـــــ فى الأسواق جعل المواطن المصرى ينبهر بها ويتجه إليها بغرض التوفير، خاصة فى ظل ارتفاع الأسعار على مدى سنوات وسنوات بطريقة لا تتناسب مع زيادة دخل الأسرة المصرية. السلع الأجنبية واللافتات الأجنبية دائرة لابد من الفرار منها، إذًا ما الحل؟ الحل فى التوقف عن استيراد السلع غير الضرورية واستيراد المواد الأساسية للاحتياج المحلى، أمَّا غيرها فيمكن توفير تكاليف استيرادها وإنشاء مصانع على مستويات عالية تهدف إلى رفع مستوى الكفاءة فى المُنتَج وهذا لن يتحقق إلا برفع كفاءة العمالة من خلال توفير الميكنة الحديثة والتدريب الملائم للعاملين عليها. بلادنا جميلة وذات حضارة عريقة ما زال بعض أسرارها غائبًا عن علماء الآثار حتى اليوم، ولذا لا بد من العودة إلى جذورنا بدلا من التشبث بحبال التقليد الواهية الواهنة، ونعود إلى تراثنا المتعدد الروافد والمنابع ونستدعى الأسماء التى تحمل عراقتنا وأصولنا، وهكذا نستقطب الآخرين إلى بضاعتنا، وتجارتنا وصناعتنا وبلادنا. إن الأسماء المصرية الأصيلة على لافتات شوارعنا ومحلاتنا وقرانا السياحية ومقاهينا القديمة والحديثة هى السبيل إلى العالمية والانتشار فمن جذور المحلية تتفرع روافد العالمية.
أمة ليست للبيع
سُئل حكيم ذات مرة كيف تُبنى الأمم؟ قال تُبنى على ثلاثة أمور: القوت، الجيش، والقيم، قيل: وإذا انعدم القوت، قال: على الجيوش والقيم، قيل وإذا انعدم الجيش، قال: بالقيم يُجلب القوت وتجيش الجيوش وتصلح الأمة.
بالقيم التى تُغرس فى الإنسان منذ نعومة أظافره يمكن أن نصلح أمتنا العربية والإسلامية، لأنها أشد تأثيرا من غيرها، ولكن فى عصرنا الحالى وفى ظل سنوات عجاف تُطل برأسها على بعض الدول العربية ضاع الكثير من القيم، وقلَّ القوت، وتفتت الجيوش، فراحت تلك الدول تعانى أشد المعاناة وتحاول النهوض مرة أخرى من كبوتها والتصدي لكل تلك التحديات والأزمات. تعانى دول العالم الثالث ــــ ومن بينها دول العالم العربى على وجه الخصوص ــــ من محاولات استعمارية جديدة سواء فعلية على أرض الواقع كالزحف التركى تجاه ليبيا، أو محاولات استعمار العقول من خلال بث أفكار غريبة دخيلة على الفكر الشرقى وعاداته وتقاليده. وهنا نجد أنفسنا أمام سؤالٍ مُلح عن مَنْ المنوط به التصدى لتلك المحاولات والمُخططات الهدَّامة للأمة العربية والإسلامية ؟ وتأتى الإجابة أن الدولة بكل مؤسساتها وهيئاتها هى المسئولة عن كل ذلك، أجل الدولة بمؤسساتها الإعلامية والدعوية والتعليمية والعسكرية والشُرطية، أضف إلى ذلك مسئولية الفرد والأسرة، فالمسئولية مشتركة بينهم جميعًا بنفس القدر والتأثير، فلكل إنسان وهيئة ومؤسسة فى مجتمعنا دور مهم فى إعادة بناء منظومة القيم مرة أخرى لكى نسعىإلى التقدم ونستطيع التصدى للتيارات الدخيلة التى تهدف إلى هدم الإنسان من داخله، فما أحوج مؤسسات التعليم إلى تدريس مادة تتحدث عن الأخلاق والبناء المجتمعى حتى فى التعليم الجامعى، أمّا الإعلام فهو أخطر الوسائل وأقواها فى يد الغرب وخاصة من يريدون هدم قيمنا وأخلاقنا وعاداتنا، والإعلام المصرى خاصة ــــ غير الرسمى ــــ يحتاج إلى إعادة تقويم لبعض المواد الإعلاميةالتى يبثها عبر أثيره وموجاته والتى تحمل أحيانًا الكثير من السلوكيات السلبية والمرفوضة فى مجتمعاتنا العربية والإسلامية. ومن خلال تجربتى الشخصية وتعاملاتى مع فئات مختلفة من الشخصيات الأجنبية خارج مصر بحكم طبيعة عملى، وجدت أن هناك الكثير من الصور السلبية عن المجتمع المصرى بقيمه وعاداته وشخوصه لدى تلك الفئات، ليس ذلك فحسب، وإنما باتت تلك الصورة المغلوطة المشوهة هى صورتهم الأصيلة عن مجتمعنا، وليس من اليسير محوها فضلًا عن تغييرها، ونحتاج إلى سنوات وسنوات لتغييرها. إن بحث أصحاب القنوات الفضائية الخاصة عن الكسب السريع من خلال تقديم إعلام مشوه للمجتمع وقيمه، وتقديم صور مغلوطة عن المجتمع العربى والمصرى بوجه خاص من الأمور التى توجع القلب وتؤرق كل شخص يحمل على عاتقه هموم هذا الوطن. لقد فطرنا الله على فطرة سوية نقية، يشرق فيها نور القيم والفضيلة والحق والصدق والخير والاحترام والعمل والكد، وغير ذلك من القيم، لذلك يمكننا أن نبنى ونشيّد بدلًا من أن نهدم ونُقوّض، فبدلا من مشاركة موضوعات وإشاعات لا طائل منها على مواقع التواصل الاجتماعى، يمكننا أن نتشارك كل ما هو إيجابى، فى النهاية علينا أن ننتصر لأنفسنا، ننتصر للخير والحق، ننتصر على شرورنا ونزيح الأذى من طريق أمتنا وأوطاننا لتسير فى أمان. لابد أن نشترى أنفسنا وأوطاننا بالعودة إلى أخلاقنا ومبادئنا وأصالتنا.
< مدرس بآداب حلوان

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة