إبراهيم عبد المجيد
إبراهيم عبد المجيد


مصر الجديدة :

عن الفتوى

إبراهيم عبدالمجيد

السبت، 15 فبراير 2020 - 08:46 م

قرأت على تويتر تغريدة للدكتورة ماجدة غنيم الاستاذة الجامعية والاستشارية فى مجال التنمية عن مجموع الفتاوى التى اصدرتها دار الافتاء العام المنصرم 2019 والتى بلغ مجموعها مليوناً ومائة الف فتوى. وحين سألها احد المتابعين عن مصدرها فى هذا العدد قالت انه جاء فى مقال للصحفى الاستاذ حمدى رزق. ولمعرفتى بصدق واخلاص الدكتورة ماجدة غنيم لم اشكك فى العدد. وكانت تغريدتها على تويتر بها كثير من الدهشة فبرغم هذا العدد من الفتاوى فالخطايا حولنا تزداد وكأنه لا صدى وهذا امر عجيب. سأنظر انا للامر من زاوية اخرى وهى لماذا كل هذه الفتاوى؟ ولا اريد ان اقول لماذا الفتاوى اصلا بعد الف وخمسمائة سنة تقريبا من ظهور الاسلام؟ الا تكفى فتاوى كل تلك القرون التى مضت؟ هل يمكن بعد هذا الزمن الطويل ان تظل حيرة الناس فى الحلال والحرام؟ هل يمكن ان يظهر بين البشر اختراع او موقف لا نعرف الحلال والحرام فيه؟ هل يمكن ان يختبئ الحرام فى اى شيء عن العقل الانسانى للمسلمين الذين يعرفون جيدا شرع الله وما استقر فى المذاهب الاربعة؟ بل وما استقر من محبة تلاوة او سماع القران الكريم عبر السنين. ماذا سيظهر بين البشر من اختراعات مثلا يمكن ان تختلف حولها الفتوى؟ فى كل اختراع جانب شر وجانب خير. واستخدامه فى الخير هل يختلف احد ان هذا هو الحلال وعكسه هو الحرام؟ وفى الحياة العادية سلوك الناس بين الخير والشر. هل لم تستقر حتى الان حرمة الشر فى السلوك او المعاملة مثلا؟ هل يمكن ان يجد المخادع فرصة فى الحلال في علاقته العادية مع الاخرين؟ الخدعة حلال فى الحرب لكن فى الحياة العادية هل تحتاج إلى فتوى لادانتها او تمريرها؟ اى انسان عادى سيقول لك ان هذا حرام. لقد قرأت بالصدفة كثيرا من الفتاوى فى السنوات السابقة ولم اقف عندها ابدا لانى تعلمت منذ الصغر ان ايذاء البشر حرام وتستطيع ان تضع تحت الايذاء عشرات من السلوك والافعال لا تحتاج إلى عبقرية لفهم شرها وان الكذب والسرقة والزنى والقتل حرام وانه حتى ثوابت الدين مثل الصوم يمكن الا تقوم بها اذا كنت مريضا فالله فى غنى عن الناس وافعالهم وما فرضه الله فائدته الاكبر من دخول الجنة هو انك بذكر الله تعرف ان هناك حسابا ومن ثم تعمر الارض ولا تضر سكانها. هذا هو المعنى العميق للايمان فالله فى غنى عن اعترافك بوجوده او نفيه لكن اعترافك بوجوده معين كبير على ان تكون عادلا بين الناس. الايمان بالله يعنى فعل الخير بين البشر فالله نفسه فى غنى عنا وهل يمكن ان يختلف الناس حول الخير ومعناه الذى ابسط تجلياته هو عدم ايقاع الضرر بالاخرين؟ قرأت كثيرا فتاوى عن مفردات صغيرة فى الحياة مثل الزى والملابس والمظاهر وغير ذلك مما لا يحتاج إلى فتوى فالعقل يقول ان الزى مرتبط بالمكان والزمان فللشتاء زى وللصيف ولليل وللنهار وللعمل وللراحة وللصحراء والمدينة لكن كثيرا ما أقرأ فتاوى عن ذلك وعن العطور وعن الطعام وكمية الطعام وغير ذلك من مفردات يفعلها الناس بحكم العادة وهم احرار فيها فكلها لا تاثير سلبيا لها على الاخرين. فاذا تعطرت ام لم تتعطر فانت حر. ملأت بطنك او لم تملأه بالطعام فانت حر المهم ألا تاخذ طعام غيرك وهكذا. آخر ما وضعته الاختراعات بيننا هو الانترنت. فيها ما هو جيد وفيها ما هو سيئ ولا يوجد شخص لا يعرف الجيد من السيئ ولا يوجد شخص لا يعرف ان الاستخدام السيئ مثل ان تخترق حسابات الاخرين حرام رغم انه دليل على قدرات من المعرفة. استخدام المعرفة فى الخير لا فى الشر لا يحتاج إلى فتوى. الحقيقة انى كثيرا ما أرى فتاوى على اسئلة تافهة يبدو لى اصحابها يسخرون من اهل الفتوى ويشغلونهم فالحرام بيّن والحلال بيّن والف وخمسمائة سنة تكفى وزيادة لان نعرف فى أى كفة من الميزان نضع اعمالنا. فى كفة الخير ام الشر؟ الحلال ام الحرام؟ واذا كانت خمسة عشر قرنا من الزمان لا تكفينا لنعرف الحلال من الحرام فأَوْلى بنا الانقراض.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة