انتصار دردير
انتصار دردير


يوميات الأخبار

أحلام العمر

بوابة أخبار اليوم

الأحد، 16 فبراير 2020 - 07:37 م

 

انتصار دردير

لهذه المساحة فى جريدة الأخبار مكانة كبيرة وذكرى عزيزة إلى قلبى حيث كانت دافعا لعملى بالصحافة التى تعلقت بها فى مرحلة مبكرة من حياتى. كنت فى المرحلة الثانوية حين نازعتنى أحلامى للعمل بالصحافة، كنت أراه حلما بعيدا ولا أعرف الطريق إليه، حتى تملكتنى الجرأة وكتبت رسالة إلى الكاتب الراحل محمد زكى عبد القادر الذى كنت أتابع كتاباته الإنسانية بشغف كبير وسألته كيف يمكن أن أكون صحفية، وظللت أنتظر ردا على رسالتى وأتوقع أن يأتينى خطاب منه، وإذا برده يأتى منشورا فى مقالة بيوميات الأخبار الذى كان يحتل ثلاثة أرباع الصفحة الأخيرة من الصحيفة وأنا لا أصدق أن رسالتى قد وجدت صدى لديه، ومازلت أحفظ رده الذى اعتبرته موجها لى أنا فقط فقد كتب يقول: «تلقيت، ولاأزال، رسائل من شبان وشابات يؤكدون أن هوى حياتهم العمل بالصحافة، والحقيقة أن الصحافة مهنة شاقة تتطلب من صاحبها أن يكون ملما بكل ما يجرى فى العالم، وأذكر حينما تقرر إنشاء كلية للإعلام بجامعة القاهرة أن سأل القائمون عليها كبار الصحفيين عن المناهج المطلوبة لإعداد الصحفى خلال سنوات الدراسة فأكدوا جميعا أنه لا يوجد منهج محدد يستطيع أن يخلق صحفيا ناجحا لأن الصحفى -أياً كان تخصصه- لابد أن يكون على علم بالسياسة والاقتصاد والعلوم والفنون والثقافات المختلفة وأن يتابع ما يجرى فى العالم من أحداث، وأن يكون قارئا للتاريخ والجغرافيا وكل ما يمكن أن يسهم فى إثراء المعرفة لديه»، هكذا كانت نصيحة الكاتب الكبير التى شغلتنى وجعلتنى أقرأ فى مجالات عديدة وبرغم عدم دراستى للصحافة بشكل أكاديمى فقد كنت أتخلف عن محاضراتى بكلية التجارة جامعة القاهرة لألتقى زملائى فى كلية الإعلام التى تقع على بعد أمتار من كلية التجارة وأحضر معهم بعض المحاضرات لأساتذة الصحافة كما انضممت لجماعة الصحافة والأدب بكلية التجارة وأقمنا المعارض ومجلات الحائط والندوات الثقافية واستضفنا كبار الأدباء والشعراء والسينمائيين فى مسرح كلية التجارة الذى كان يشتعل نشاطا، وكان من الزملاء بجماعة الصحافة د.خالد عبد الجليل رئيس جهاز الرقابة على المصنفات الفنية ومستشار وزيرة الثقافة للسينما والإعلامية بثينة كامل، ود.عادل يحيى الأستاذ بمعهد السينما.
لقد ظلت نصيحة الكاتب الكبير محمد زكى عبد القادر أمام عينى حتى تحقق حلمى الثانى بالعمل فى مؤسسة أخبار اليوم والتقيت بنجله الكاتب الراحل سمير عبد القادر رحمهما الله ورويت له حكايتى مع أبيه فإذا به يطلعنى على رسائل كتبها الأب العظيم له تفيض عذوبة وإنسانية وهو يوصيه بأشياء كثيرة كى يصبح رجلا يفخر به.
«تعيس من لم يتعلم من تجارب الآخرين» حكمة آمنت بها دوما فليس من المنطقى أن نكتوى بالنيران حتى نعرف قسوة لهيبها طالما أن هناك من أحرقتهم قبلنا، لذا كنت شغوفة لتدريب جيل جديد من الصحفيين وتوجيههم وهم فى بدايات الطريق وكنت أؤكد عليهم أهمية دراسة اللغة العربية وضرورة أن يتقن الصحفى لغة أجنبية ويجتهد كثيرا فى تخصصه فمثلا المحرر الفنى عليه أن يدرس النقد الفنى حتى يكون مؤهلا لممارسة النقد فى مرحلة تالية لكنى لم أنتبه جيدا أن الزمن تغير وتغيرت معه الأولويات، فلم يعد من يهتم بتأهيل نفسه -إلا قليلا- ونسبة كبيرة يؤمنون بأنهم أصحاب مواهب خارقة وأنه ليس فى الإمكان أبدع مما كان، كما أن الفضائيات استحوذت على عدد منهم فصارت صاحبة سطوة ونفوذ عليهم. وقد انعكس ذلك سلبيا على الصحف والمجلات وفى مجال تخصصى الفنى بات الفنانون يهربون من لقاء الصحفيين إذ أنهم يجدونهم غير ملمين بمعرفة كافية عنهم وعن أعمالهم وعدم إعداد الصحفى لموضوعه جيدا وقراءة ما نشر فى هذا السياق من قبل، حتى أصبح هناك فريق من كارهى الصحافة ومع طغيان وسائل التواصل الاجتماعى والفضائيات لم تعد الصحافة من أولوياتهم.
أين ترعرعت سيدتى؟
فى السينما هناك مشاهد تبقى طويلا فى الذاكرة ولا تبارحها، وفى فيلم «لعبة الست» 1946 عدنا إلى ذلك المشهد الهزلى الذى جمع صحفيا بالنجمة تحية كاريوكا وهو يطاردها داخل الملهى لإجراء حوار معها بينما هى تتمنع ثم توافق بعد إلحاح كبير منه فإذا به يسألها أين ترعرعت سيدتى؟ السؤال يفجر الضحك والإجابة أيضا، فتدعى النجمة أنها تنتمى لأصول أرستقراطية، بينما زوجها فى الفيلم حسن أبو طبق (نجيب الريحانى) يتابع الموقف وهو يسخر كيف تحولت زوجته لعبة من ابنة إبراهيم نفخو إلى سليلة الحسب والنسب على يد الصحفى إياه. كنت أرى فى هذا المشهد صورة ساخرة ومغلوطة عن الصحفى الفنى فقد رأيت أساتذتى الكبار يحفظون للصحفى مكانته. كان الأستاذ محمد تبارك يزهو بأنه لم يدخل بيت فنان سوى بيت الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب، بينما كان أغلب نجوم الفن يأتون إليه فى مكتبه، ورأيت الكاتب الكبير أحمد صالح والنجم الراحل أحمد زكى يأتى إليه فى مكتبه ـ دون سابق موعد - ليقنعه أنه قادر على أداء شخصية العندليب عبد الحليم حافظ بعد أن كتب صالح مقالا بعنوان «عبد الناصر والسادات ممكن.. عبد الحليم لا وألف لا» اعتراضا على أداء أحمد زكى لشخصية العندليب، وجلس زكى طويلا يتحدث ويروى لأحمد صالح مراحل استعداده لأداء الشخصية وكيف كانت حلما طالما راوده، ولم يكن المرض وقتها قد تمكن منه، رحمهم الله جميعا.
أحلى الكلام:
اللهم إنا نسألك الثبات فى الأمر والعزيمة على الرشد ونسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك.

 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة