محمد العراقى
محمد العراقى


حواديت جحا

يوما كان عندى عصفور!

بوابة أخبار اليوم

الأحد، 16 فبراير 2020 - 07:40 م

 محمد العراقى

يومًا كان عندى عصفور، كان صديقى وفيا حالما، يرى فى الكون ملاذه، اعتادنا سويا على الغناء، تعاهدنا على أن يكون طليقا، باب قفصه لم يُغلق يوما، صباح كل يوم كان يوقظنى مقبلا قلبى بزقزقة صوته الذى كان يعصفر قلبى، وإذا ازدادت غفوتى سرعان ما يترك قفصه ويدق على رأسى بمنقاره الرقيق دقات تخترق أسارير قلبى لا رأسى، وعندما أفيق لأعاتبه، نظراته البريئة وابتسامته الغناءة سرعان ما تخترق فؤادى وتتوه جمل المعاتبة البليدة ولا أتذكر سوى "صباح الخير يا عصفورى"، ليجيبنى بزقزقته عاصفا بشرايين دمى فرحا، لأجد نفسى فى النهاية أعاتب عقلى لأنه لوهلة أراد أن يُحزن تلك الحورية، وبعد نظرات الشوق وانتهاء كلينا من إفطاره وانتهائى من ملبسى، كان ينطلق إلى شباك بيتنا ناقرا بمنقاره مذكرا إياى بعهدى معه حتى أتركه يغرد ترانيم محبته فى فضاء الكون على أن يعود لى مساءً ليسرد كلانا مغامراته للآخر، كان يحيرنى بأنه لم يفكر يوما للهرب خاصة أنه فى فضائه الواسع لن يكون مضطرا لأن يظل حبيس قفص حتى وإن كان بلا أبواب!، ومع هذا كان دوما يسبقنى فى العودة لتبدأ حكايتنا ويروى لى مغامراته بحركاته البهلوانية التلقائية متحملنى بحكاوىّ المملة الرتيبة، ليأتى وقت النوم ويسرع هو إلى قفصه وأخلد لنومى، وهكذا صباح كل يوم ومسائه؛ حتى ذاك اليوم المشئوم الذى أجبرتنا فيه الأيام على الفراق فأغيب عنه لفترة طويلة، فيجد نفسه وحيدا منكسرا وتنغلق عليه أبواب القفص.. أمى لبساطتها وتلقيائتها أغلقت عليه الأبواب، ظنت أنها بهذا تحميه لى، هى تعرف بعشقى له لم تفهمه، ولم تعرف عهدنا بأن يظل حراً بشرط أن تكون حريته لنشر ترانيم المحبة والبناء، ومنذ ذلك الوقت أضحى عصفورى حزينا، تصبره ذكريات أيامنا الخوالى، باحثا عنى بنظرات باكية وعصفرة متهدجة، حتى يوم أبت عيناه المقاومة لتغلق معها روحه وتسطر حكاية الرحيل تاركا إياى لسكرات الحزن عند عودتى، تائها بين أشواقى، ومحاولاتى الفاشلة لتعويضه؛ لكن هيهات فأصل الشيء لا تدركه صورته، لأنتهى حبيسا لأسئلتى التى تراود عقلى يوما بعد يوم محطمة لشرايين قلبى باحثا بين طيات ذكرياتنا عن إجابة متسائلة هل سيعود يوم أقول فيه اليوم عاد لى عصفورى، أم تظل الإجابة "يومًا كان عندى عصفور"؟!.

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة