عبدالقادر شهيب
عبدالقادر شهيب


شىء من الأمل

ممثل وطيار وأخلاق !

‬عبدالقادر شهيب

الإثنين، 17 فبراير 2020 - 07:36 م

تعرض الممثل محمد رمضان لحالة غضب جماهيرية غاضبة لم تقتصر فقط على مواقع التواصل الاجتماعى،وذلك بسبب موقفه بعد الفيديو الذى نشره لنفسه وهو يجلس فى كابينة قيادة إحدى الطائرات بجوار الطيار ويبدو وكأنه يقود الطائرة.. وفى ذات الوقت لم ينل الطيار نصيبا مماثلا أو حتى أقل من هذا الغضب الجماهيرى، رغم الإدراك بأنه ارتكب خطأ يستحق المحاسبة والعقاب عليه.. بل ربما حظى هذا الطيار ببعض التعاطف الجماهيرى بعد أن تم عقابه بوقفه مدى الحياة عن ممارسة قيادة الطائرات !
ولم يكن سبب الغضب الجماهيرى من الممثل هو قيامه بإشباع رغبته بالتباهى بفيديو يبدو فيه وكأنه يقود طائرة، وإنما كان السبب هى تلك المواقف التى اتخذها بعد ذلك.. فبينما اعترف الطيار بأنه ارتكب خطأ يستحق المحاسبة والعقاب هون الممثل مما حدث واعتبره أمرا عاديا، فى وقت تتابع فيه جهات عديدة غير مصرية التزامنا بقواعد الأمن فى مطاراتنا وطائراتنا.. وزاد من استفزاز كثيرين تخلى الممثل عن الطيار فى محنته بعد أن تم سحب رخصة الطيران منه ووقفه نهائيا عن العمل، بل والأكثر من ذلك السخرية من الطيار إلكترونيا بعد اتهامه إياه بأنه يساومه للحصول على بضعة ملايين من الجنيهات كتعويض مالى لوقفه عن العمل.
وهذا الغضب الجماهيرى العارم من محمد رمضان يستحق من خبراء الاجتماع وقفة تامل لفهمه واستيعاب دلالاته.. فهو غضب فاق بكثير ذلك الغضب الذى واجه هذا الممثل من قبل لأدائه أدوارا فى أفلام أو مسلسلات رأى فيها البعض تحريضا للشباب والصبية على ممارسة البلطجة والعنف، أو لقيامه بالغناء شبه عار فى حفلات عامة مذاعة على شاشات التليفزيون.. لكن الأهم أن هذا الغضب انفجر فى وجه الممثل فى وقت كان كثيرون يتحدثون عن تراجع الأخلاق فى المجتمع واختلال منظومة القيم فيه بحيث شاعت به القيم السلبية.. قيم التعصب والتطرف والكراهية وعدم احترام العمل وعدم احترام الآخر ، بينما توارت القيم الإيجابية.. قيم التسامح والمساواة والعدل والإنصاف والتعايش المشترك.. وكان هؤلاء يستندون إلى بعض الحوادث المزعجة والشاذة التى شهدها مجتمعنا، مثل بعض حالات التنمر والعنف والقتل للزملاء والأبناء، والتى استنتجوا منها أن مجتمعنا أخلاقيا فى خطر وأن منظومة القيم فيه تحتاج لإصلاح عاجل
لكن رد فعل قطاع كبير من الناس فى موضوع الطيار والممثل يشى بأن الأخلاق لم تقتلع من جذورها فى مجتمعنا، وبأن القيم الإيجابية مازالت مزروعة فى تربته، وأنها عصية على الاقتلاع منها، رغم ماشهده مجتمعنا من صدمات اجتماعية واقتصادية وسياسية كان لها تأثيرها على تركيبته وعلاقات ومواقع طبقاته.. كما يُبين أن هناك كثيرين فى مجتمعنا مازالوا يتمسكون بالأخلاق ويؤمنون بهذه القيم الإيجابية ويحتكمون إليها فى مواقفهم وفى حكمهم على الأمور.. فهم لم يقبلوا أن يغسل الممثل يديه من خطأ شارك فيه هو والطيار، ولم يستسيغوا أن يتخلى الممثل عن شريكه فى محنته، بل وأن يسهم فى الإجهاز عليه معنويا إلكترونيا وتليفزيونيا، وذلك بالتهكم عليه !
إذن ألا يدعونا ذلك إلى مراجعة أحكامنا السابقة التى كانت تتحدث عن اختلال شامل وعام فى منظومة القيم التى تسود مجتمعنا ؟.. وألا يجعلنا ذلك نفكر فى أن هذا الاختلال القيمى ليس عميقا كما كان نتصور وأنه مازال والحمدلله سطحيا، وبالتالى يسهل علاجه وإصلاحه، من خلال مؤسسات التنشئة المختلفة ومؤسسات التعليم والثقافة وأجهزة الإعلام .. ففى واقعة الممثل والطيار انحاز كثيرون للقيم الإيجابية، وخاصة قيم العدل والإنصاف، غير مكترثين بشهرة أو نجومية.. وهكذا رب ضارة نافعة !

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة