كرم جبر
كرم جبر


إنها مصر

فاروق الذى ظلمناه !

كرم جبر

الثلاثاء، 18 فبراير 2020 - 07:58 م

 

ظلمناه وتجنينا عليه واتهمناه كذباً، وقلنا إنه كان «زير نساء»، ويتناول فى إفطاره خروفاً كاملاً، ولا يفيق من الخمر.. ولم يكن ذلك صحيحاً.
لم يكن ضرورياً أن تصعد ثورة 23 يوليو فوق جثته، وتنكل به، وتسوَّد صورته فى الأفلام السينمائية، وترغم الجميع على أن يسبق اسمه بكلمة «فاسد».. لكنه لم يكن كذلك.
إذا كتب تاريخ الأمم بالانتقام والافتراء، فلن ينجو أحد من تلك «اللعنة» التى هى أشد عقاباً من لعنة الفراعنة، ومنذ ذلك الوقت ترسخت فى مفردات التأريخ، الكتابة بالخيانة ونثر رذاذ العمالة مثل اسبراى تعطير الجو، حتى لو كان فيه سم قاتل، يغتال سمعة الأبرياء.
المشهد الأخير والملك يغادر البلاد على متن يخت المحروسة يؤكد أنه رفض أن تراق قطرة دم واحدة لأى مصرى، ثمناً لبقائه فى السلطة، ورفض نصائح مساعديه، بأن يستخدم الحرس الملكى والبحرية الملكية فى الإسكندرية، لردع «ضباط الثورة»، ولكنه فضل التنازل عن العرش فى هدوء، ضارباً مثلاً لا يتكرر كثيراً فى التضحية وإنكار الذات.
أسوأ شيء فى الدنيا أن نمجد الحاكم ونفتديه بالروح والدم ونقدس همساته وكلماته وهو فى الحكم، ثم نهيل عليه التراب ونغتاله معنوياً، سواء بترك السلطة أو الموت، ونرجو من الله أن يهدى بعض أبناء هذا الوطن، ويتيح لحكامه فرصة الطمأنينة بعد ترك السلطة.
نرجو الله أن نكسر دوائر الانتقام، لأنها «كأس دوار» ومن يسقيه لغيره يشربه، ومس الانتقام الرئيس عبد الناصر بعد رحيله، فبعد أن انحنى السادات لتمثاله النصفي، عقب أداء اليمين الدستورية فى مجلس الشعب، انطلقت قوافل الاغتيال المعنوى، تنال الزعيم الخالد.
اقشعرت الأبدان، ونحن نتابع مشاهد سينمائية فى أفلام مثل «الكرنك» و»احنا بتوع الأتوبيس» و»البرىء» التى تجسد - صدقاً أو كذباً - مشاهد تعذيب الأبرياء فى سلخانات الثورة، والإنسان العادى يصدق ما يشاهده، ويضفى عليه من خياله مزيداً من إبداع التعذيب.
فاروق الذى قلنا فيه قصائد هجاء، هو نفسه الذى غنت له أم كلثوم «الملك بين ايديك»، وما زلنا نستقبل الأعياد كل سنة على اللحن الخالد «يا ليلة العيد انستينا»، ووصلت الدروشة الإبداعية ذروتها، والست تشدو «يا نيلنا ميتك سكر، وزرعك فى الغيطان نور.. يعيش فاروق ويتهنى ونحيى لك ليالى العيد».
فاروق الذى اتهمناه ظلماً بالفساد، غنى له مطرب الأمراء محمد عبدالوهاب «والفن مين شرفه، غير فاروق ورعاه.. انت اللى أكرمت الفنان ورعيت فنه».
وهو أيضاً الذى كتب له محمد حسنين هيكل «فى يوم عيدك يا مولاى».. ويقول له «ثمانى سنوات وأنت تعمل لهذا الشعب وتخلص له وهو يعمل معك ويخلص لك، وستظلان معاً إلى الأبد».
ورحل فاروق وكلنا راحلون، ولن يبقى إلا وجه الله ذو الجلال والإكرام، ولن تخلد إلا مصر، الحضن الذى يجب أن يحتوى كل أبنائه حكاماً ومحكومين بالدفء والرحمة والمودة، وليس الغدر والانتقام والاغتيال المعنوى.

 

 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة