د.محمد نصر: الربط بين المحطة النووية وتوفير الطاقة خطأ 2013- ص 12:53:11 الخميس 17 - يناير حوار- عبد الهادي عباس لا تزال النقاشات حول المشروع النووي المصري قائمة، ما بين مؤيد ومعارض، سواء للمشروع ككل، أو معارض للمكان نفسه الذي من المتوقع أن تُقام فيه المحطة النووية. لذلك تواصل -بوابة أخبار اليوم- فتح هذا الملف الخطير، وتُحاور واحداً من أهم علماء الهندسة النووية المصريين، إنه أستاذ هندسة المفاعلات بهيئة الرقابة النووية والإشعاعية التابعة لمجلس الوزراء د. محمد نصر، فإلى الحوار: •    بداية هل أصبحت المحطة النووية مهمة الآن لحل المشاكل الكهربائية المتزايدة؟    - تتعدد الاستخدامات السلمية للتكنولوجيا النووية في المجالات الطبية والهندسية ومن أهمها إنتاج الطاقة الكهربية من المحطات النووية، وفي هذا الإطار نجد أن الدول الصناعية الكبرى قد أنجزت برامج نووية متكاملة وبعد ذلك قامت بإنشاء المحطات النووية لتوليد الكهرباء، ولكن حين بدأت دول العالم الثالث في بداية الستينيات محاولة الاستفادة من الاستخدامات السلمية  للتكنولوجيا النووية كان إنتاج الكهرباء من الطاقة النووية علي رأس الموضوعات المطروحة. ويرجع ذلك إلى تزامن تلك الفترة مع إنشاء الشركات العملاقة لبناء المحطات النووية وإلى الدعاية الهائلة التي كانت تقوم بها تلك الشركات. ويمكن القول إن عمليات الدعاية الهائلة كانت تهدف أساساً إلى حث الدول النامية بصفة خاصة على الانضمام لتلك المعاهدة والخضوع لعمليات التفتيش. •    هل كانت هناك معارضة لهذه الفكرة من بعض الدول؟ - إن فكرة إنشاء واستخدام المحطات النووية لتوليد الكهرباء تواجه معارضة قوية بالفعل في العديد من  الدول المتقدمة، وأيضا في الدول النامية التي تتبني مشروعات للمحطات النووية. ويرجع ذلك إلي الخطورة المحتملة من حوادث تلك المحطات، خاصة بعد تلك التي ظهرت فعلا في أعقاب كل من حادثتي "تشيرنوبل" في أوكرانيا و"فوكوشيما" في اليابان، ولكنها تجد أيضا الكثير من الأصوات المؤيدة خاصة نتيجة للمشاكل البيئية الناجمة عن الإنبعاثات الغازية من محطات القوي التي تستخدم الوقود الأحفوري مقارنة بعدم انبعاث مثل تلك الغازات من المحطات النووية، هذا بالإضافة إلى مسألة نضوب المخزون العالمي من الوقود الأحفوري بما يهدد بعدم الوفاء باحتياجات البشرية المتزايدة من الطاقة. •    وكيف بدأت الفكرة المصرية بإنشاء محطة نووية؟          - تم إنشاء هيئة الطاقة الذرية في مصر في عام 1955 وتم تشغيل أول مفاعل نووي بحثي في أنشاص عام 1961  وبدأ التفكير في إنشاء أول محطة نووية لإنتاج الكهرباء عام 1964.  واستمرت المحاولات على مدي ما يقرب من نصف قرن وآخرها هو مشروع إنشاء محطة بمنطقة الضبعة على الساحل الشمالي، وظل الموقع رهنا للمشروع على مدى ثلاثين عاماً تقريباً انتهت بقيام مجموعة من سكان المنطقة باحتلاله وتدمير ما تم إنشاؤه من تجهيزات. •    ولكن ألا تعتقد أن المؤيدين للمحطة النووية لهم وجهة نظر مهمة؟         - الحديث عن إنشاء محطة نووية في مصر قد توقف تماماً في الفترة ما بين 1986 في أعقاب حادثة "تشرنوبل" حتى نوفمبر 2006، أي لمدة عشرين عاماً متواصلة، ثم عاد بشكل قوي إعلامياً وكان التركيز على النواحي الإعلامية قوياً لدرجة أنه حاول أن يظهر للمجتمع أن المحطات النووية لتوليد الكهرباء هي الأمل الوحيد لإنقاذ الوطن من مخاطر كثيرة محدقة. وقد اختلط الأمر على عامة الشعب في مفهوم وهدف البرنامج النووي المصري، واعتقد الكثيرون من عامة الشعب أنه سوف يوفر الحماية الدفاعية للوطن بالإضافة إلي إنقاذ الوطن من كارثة فناء الوقود الأحفوري. •    برأيك ما العيوب التي وقع فيها البرنامج المصري؟  - لم يصاحب هذا المجهود الإعلامي مجهود علمي وبناء لمؤسسات الدولة لتدعيم هذا المشروع، بل اقتصر الأمر على محاولة الاعتماد على الشركات الأجنبية في كل صغيرة وكبيرة، حيث كان مبدأ مشروع تسليم المفتاح هو المسيطر على كل التوجهات بما ينتج من ذلك من إقصاء بل وازدراء للخبرات الوطنية واعتبار كل الأمور يمكن تحقيقها باعتماد الميزانيات ومطالبة الشركاء الأجانب بالتنفيذ، وقد نتج عن ذلك الكثير من إهدار المال العام والأهم من هذا هو إهدار القوي الوطنية. •    ولكن هل ذنب الإعلام أنه ينقل الواقع فقط؟ - المجهود الإعلامي الضخم الذي تقوم به الجهات المسؤولة في مصر لمحاولة الـتأثير على الرأي العام لصالح المحطات النووية لتوليد الكهرباء، هو أقرب إلى العمليات الدعائية للشركات، حيث يظهر الشق الإيجابي فقط وتتم مداراة الجزء السلبي حتى  باستخدام الأساليب الملتوية أحياناً، ومن أخطر الممارسات في هذا الإطار استخدام لغة التهديد بما ينتظر الوطن من كوارث نتيجة عدم تنفيذ المشروع. •    هل نحن في حاجة لمحطة نووية لذاتها أم أن المشكلة في توفير الطاقة الكهربائية؟ -    المؤكد أن التفكير في المحطات النووية بالنسبة لمصر كحالة خاصة يعتبر من أكبر الأخطاء التي يمكن أن تقع فيها الدولة على المدى القريب والبعيد علي حد سواء.  ومن الواضح أن بعض الجهات في الدولة تربط بين البرنامج النووي والمشكلة الكهربية وإنشاء المحطة النووية كمسألة واحدة، وحقيقة الأمر أن هذا الربط يفسد القضية برمتها والدليل على ذلك هو تجربة الوطن السابقة على مدى ما يقرب من ستين عاماً.  وما نراه الآن هو عملية لدغدغة المشاعر القومية وخداع الرأي العام بضرورة المحطات النووية، وقد يؤدي ذلك إلى الوقوع في أخطاء لا يحمد عقباها. وبالنسبة للحالة المصرية فإنه يمكن إعادة تشكيل جهاز تخطيط الطاقة كمرجعية قومية، بحيث لا يكون خاضعاً للحكومة وتصب فيه كل الآراء وتكون له سلطة وإمكانية مراجعة جميع النواحي الفنية والإدارية، خاصة أن قرار إنشاء محطة نووية هو قرار استراتيجي ولابد من مشاركة كافة أطياف المجتمع في عملية اتخاذ القرار بشكل متكافئ.