هالة العيسوى
هالة العيسوى


من وراء النافذة

حجر موسى الذى ألقاه

هالة العيسوي

الخميس، 20 فبراير 2020 - 07:08 م

هذه واحدة من المرات النادرة التى أتوقف فيها أمام كلام السيد عمرو موسى بكثير من الحيرة والاندهاش، فقد تعودت منذ عقود أن أنصت حين يتحدث وأن أتعلم وألا أجادل، خاصة لو كان حديثه فى الشأن العربى أو الدولي، فللرجل باعه وخبرته فى هذا المجال أكثر من أى شخص آخر فى رأيي.. هذه المرة واجهتنى صعوبة الاحتفاظ بعادة الإنصات فقط وعدم المجادلة أمام حديثه لصحيفة "المصرى اليوم" الاسبوع الماضى عن مبادرة ترامب والقضية الفلسطينية ورؤيته التى قدمها للخروج من مأزقها.
السيد عمرو موسى يدعو إلى حوار دولى تفاوضى فورى بشأن السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، يتم تحت مظلة الأمم المتحدة والدول الخمس دائمة العضوية فى مجلس الأمن وألمانيا، والرباعية الدولية، تُدعى له كل من مصر والأردن، وبحضور كل من إسرائيل والفلسطينيين بالطبع، لكنه فى الوقت ذاته يقر بأن الولايات المتحدة وإسرائيل تكرهان الأمم المتحدة، ويقر بأن أيًا من الأطراف الأوروبية أو العربية لا يرغب فى إغضاب أمريكا، فمن الذى سيقبل بإجراء هذا الحوار التفاوضى الفوري، ومن الذى سيسعى إليه وبمقدوره أن يفرضه؟ إن الواقع الراهن يشير إلى أن كل بنود المبادرة الأمريكية بدأ تنفيذها على الأرض حتى من قبل إعلانها لفرض الأمر الواقع الذى يستحيل تغييره فيما بعد مهما وقعت أى اتفاقات تالية.
السيد عمرو موسى يقدر أن إسرائيل تحتاج للشرعية، وأنها ليست كلها نتانياهو، وأن بها بعض العقلاء الذين يمكن التعامل معهم. وهذا قد يكون صحيحًا نظريًا. لكن الأسئلة هنا كثيرة؛ فمنذ متى احترمت إسرائيل الشرعية؟ لم يعترف العالم باحتلالها للضفة الغربية وغزة، ووقعت اتفاقية أوسلو وأقيمت فيهما سلطة فلسطينية لكنها خاوية على عروشها. لم يعترف العالم باحتلالها للجولان لكنها قامت بضمها فعليًا. لم يعترف العالم بضمها للقدس الشرقية ولا بدعواها ان القدس عاصمة أبدية موحدة لها، مع ذلك اعترفت بها إدارة ترامب وتتلوها تباعًا بعض الدول. يرفض العالم التوسع فى المستوطنات، وهى تتمادى فى البناء وتغيير الجغرافيا وطمس التاريخ. ثم ما قيمة عقلاء إسرائيل وما هو وزنهم السياسى وماهى قدرتهم على الفعل، أو اتخاذ القرار؟. بل ما هى حدود عقلانيتهم تلك؟ هل يقبل أحد من هؤلاء العقلاء إعادة الجولان أو تقسيم القدس أو حتى العودة لحدود 1967؟ الإجابة بالنفى القاطع.. المسألة هنا تتعدى العقلانية لتناقش الرغبة والقناعات وفى هذا الصدد الكل هناك نتانياهو. وحتى لو راهنّا على ان نتانياهو لن يبقى رئيسًا للوزراء أبد الدهر، فإن إسرائيل برمتها تجنح جنوحًا شديدًا نحو اليمين الصهيونى المتطرف منذ سنوات، ويسارها يخبو ويذوي. وحتى خصوم نتانياهو السياسيين الذين يرغبون فى إزاحته واحتلال مقعده، يتفقون معه فى توجهاته الاستعمارية وقد أعلن منافسه جانتس انه سيقبل بمبادرة ترامب وانه يرفض قيام دولة فلسطينية ويرفض تقسيم القدس.
هل كان السيد عمرو موسى يقصد إيهود أولمرت رئيس الوزراء السابق الذى خرج من جحره فجأة مؤخرًا والتقى الرئيس عباس وقال عنه إنه الشريك الفلسطينى الوحيد الذى يمكن التفاوض معه؟ أولمرت هذا ورقة إسرائيلية محروقة ومنبوذة، مدان بالفساد، وهو الذى شجع الاستيطان إبان رئاسته لبلدية القدس، ويرفض الانسحاب إلى حدود 1967. إنها قناعات متجذرة دافعها الندم على التخلى عن سيناء، وقوامها عهد يعلنه كل ساستهم بعدم تكرار كامب ديفيد أو التخلى عن أى أرض عربية أخرى.
عزيزى السيد عمرو موسى اسمح لى بالقول إنك رميت هذه المرة حجرًا لكن البحيرة جافة مليئة بالأحجار.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة