عصام السباعى
عصام السباعى


يوميات الأخبار

الثقافة لا تنهض بالكراسى !

عصام السباعي

الإثنين، 24 فبراير 2020 - 07:05 م

ولكنها بكل أسف تنتظر نقطة الانطلاق بقيادة المؤمنين والمخلصين، وليس الموظفين من أصحاب الكراسى، والحوافز والبدلات، حتى لو من أصحاب «الدكتورهات» !!

الاثنين:
المشروع الثقافى أحد الجوانب الأساسية التى يهتم بها الرئيس عبد الفتاح السيسى، باعتباره من أهم مكونات بناء الإنسان المصرى العصرى، والأهم أن الثقافة هى البوابة الرئيسية للتنوير الحقيقى فى المجتمع، وأذكر أن الرئيس السيسى كان قد التقى قبل اسابيع برئيس الوزراء د. مصطفى مدبولى وبوزيرة الثقافة د. إيناس عبد الدايم، وكانت المهمة الكبرى التى طلبها من الحكومة هى نشر الرسالة الثقافية فى كل المحافظات وخاصة المناطق النائية بما يعمل على ترسيخ الهوية المصرية، وتحقيق «العدالة الثقافية»، وأعتقد أن هذا المطلب الرئاسى المهم ليس مهمة وزارة الثقافة فقط، ولكن مسئولية الجميع كل فيما يخصه، فالتحدى الحضارى الذى نواجهه ثقافى بالدرجة الأولى، ولا يمكن أن تستمر الأمور كما هى عليه، لأننا مهددون بالسقوط فى دائرة الدول الفقيرة ثقافيا وحضاريا، لو استمرت الأحوال على نفس النسق الذى سارت عليه منذ عقود، وتخيلوا أن بلدا عظيما مثل مصر قد جاء عليه الوقت الذى يحن فيه لبرامج قديمة، مثل برنامج د. درية شرف الدين «نادى السينما»، أو فن الباليه لمنى جبر، والعالم يغنى لحمدية حمدى أوالكاميرا 9 لأمانى ناشد وصوت الموسيقى للدكتورة سمحة الخولى أو غواص فى بحر النغم للراحل عمار الشريعى، وبكل أسف لم أجد تحركات جادة تعكس تلك الأهمية وهذه التكليفات على أرض الواقع، كنت أتخيل وجود مسابقات فى القراءة، وبين مواهب فرق الموسيقى العربية والفنون وخاصة المسرح فى كل قصر ثقافة، وكل مركز شباب وكل مدرسة، ومن بينها ساحات شعبية ثقافية فى كل مكان، كنت أتخيل برنامجا قوميا للترجمة فى كل المجالات.. تخيلاتى كانت كثيرة لأنها ممكنة وليست مستحيلة، ولكنها بكل أسف تنتظر نقطة الانطلاق بقيادة المؤمنين والمخلصين، وليس الموظفين من أصحاب الكراسى والحوافز والبدلات، حتى لو من أصحاب «الدكتورهات»، فهؤلاء لا أمل فيهم، فالثقافة لاتنهض بالكراسى !!
 العقاد.. رجل «عزهاة»!
الثلاثاء:
المولود الجميل للزميل والصديق الكاتب الصحفى عبدالهادى عباس خرج بسلامة الله من دار «النابغة»، وسماه «سراديب الدهشة.. قراءات فى الشعر والنثر»، وتحمل صفحات ذلك المولود معانى الوفاء لأستاذه «أبو همام» الشاعر الراحل عبد اللطيف عبد الحليم، والجميل أن عبد الهادى بدأ بالأستاذ عباس العقاد وطاف معه فى العديد من صفحاته، فهو من مريديه والتلاميذ المخلصين له، حتى فى لغته، فعندما أراد أن يصفه قال: «العقاد رجل عزهاة فى كل شيء» وستحتاج إلى مترجم لتعرف أن «عزهاة» تعنى الرجل العازف عن اللهو والنساء، وحفزتنى أشياء أخرى تتعلق بقراءات الصبا، على التهام صفحات الكتاب، حيث لفتت نظرى أشياء منها قوله: «ماذا يريد الناعبون على شعرية العقاد»، والناعبون- يا سادة- هم الناعقون مثل الغربان، وكنت أتمنى لو أفسح لهم بعض الوقائع، ومن بينها صراع «العقاد- الرافعى»، وهو ما بدأ فى مقر جريدة المقتطف، ويحكى عنه فتحى رضوان فى كتابه: «عصر ورجال» حيث كان الحوار بينهم هم الثلاثة عن كتاب الرافعى «إعجاز القرآن» وطعن العقاد فى وجود أى إعجاز واتهم الرافعى بالجهل، كما قال كلاما ينم عن إلحاده فى تلك الفترة، وهى زاوية لم تغطها بحسب علمى أى دراسة لرصد تطور فكر العقاد حتى وصل إلى اليقين وأصبح من كبار المدافعين عن الإسلام، ويرتبط ذلك أيضا بقصة كتاب «على السفود» الذى نقد فيه الرافعى بشدة ديوان العقاد وأنه لا يفهم شيئا فى العربية، وما زلت أذكر منذ عقود طويلة غلاف ذلك الكتاب والرسم الكاريكاتيرى الذى فيه ويظهر رجل يمسك بالسفود أى السيخ وهو يشوى العقاد على النيران كما قطعة اللحم، وليسمح لى فهناك إشارة بخصوص المسرح الشعرى، فعمنا عبد الهادى يسقط أحد الأسماء المهمة من الرواد، فقد سبق وقرأت فى مكتبة والدى أحد أعداد مجلة دار العلوم، صدرت فى نهاية عشرينيات القرن الماضى مسرحية بعنوان «مجنون ليلى» لمحمد عبد المطلب أستاذ الأدب فى مدرسة دار العلوم وصاحب لقب شاعر البادية والمتوفى 1931، ورثاه أحمد شوقى بقصيدة فى حفل تأبينه، وأعتقد أن هناك الكثير ليكتبه الأستاذ عبدالهادى عن العقاد- شوقى، فى كتبه القادمة، ومنها ما قاله العقاد بعد حفل تنصيب شوقى أميرا للشعراء: «إن أمة تحتفل بشوقى لاتعرف معنى الكرامة «،واستدعاه بعدها سعد زغلول فى بيته، وسجل عبد المنعم شميس مادار بينهما فى كتابه «شخصيات فى حياة أحمد شوقى» وكان كما يلى.. سعد زغلول: كان يجب يا أستاذ أن تلاحظ أن الحفل تحت رئاستى.. العقاد: أنت لا تعرف الشعر ياباشا.. سعد : أنا لا أعرف الشعر وإنما أعرف الذوق.. وأحب أن تكون هذه آخر مرة تزور فيها بيت سعد زغلول».. وفى انتظار السراديب المدهشة الأخرى للأستاذ عبد الهادى.
التاريخ السرى للحجارة!
الاربعاء:
لاتعرف الناس حتى تقترب من عقولهم، وتختبرهم فى تجارب الحياة، والأستاذ إيهاب الحضرى الكاتب الصحفى ومدير تحرير الأخبار من هؤلاء الذين عرفتهم مؤخرا رغم تزاملنا فى دار أخبار اليوم لعقود، وكما أقول دائما فعندما تتقارب العقول يزداد الاحترام، وهذا ماحدث،وهكذا سعدت بصداقته وصحبته،وغالبا ما أخرج من أى جلسة معه بشيء جديد أتعلمه منه، ويحدث ذلك كثيرا عندما أقترب من أصحاب الفكر سواء فى لقاء أو عبر الكتابات، وأشعر عندها بأن هناك الكثير مما أجهله ولا أعرفه، وقد تلقيت قبل أيام آخر كتب الأستاذ إيهاب «حواديت المآذن.. التاريخ السرى للحجارة» والصادر عن دار الفؤاد، وهو بالفعل كتاب بديع فى فكرته، فقد كانت المآذن شاهدا على التاريخ فى مصر، تحكى لنا كل مئذنة الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التى جعلتها تصعد لتعانق السماء، ومن الفاطميين إلى العثمانيين مرورا بالمماليك يطوف بنا الكاتب على الحكايات وراء كل مئذنة، وكل حكاية قد تكون مفتاحا لما حدث فى الماضى، أو درسا لما قد يحدث فى المستقبل، وأجمل ما فى الكتاب هو فى تلك النتيجة التى خرج بها للقراء حول تاريخنا الذى لم يكتب بعد، أو بحسب تعبيرى منذ سنوات ذلك «التاريخ الموازى» الذى لا يعرفه الكثيرون، ولم يلق حظه حتى الآن من البحث الأكاديمى، وقد أشار ايهاب إلى أحد تلك الكتب،ومثل ذلك الكتاب القبطى «السنكسار»، الجامع لأخبار الأنبياء والرسل والشهداء والقديسين، وأنا عن نفسى قد فوجئت على مدار السنين، بأن هناك كتبا أخرى لم يعطها باحثونا فى الجامعات الاهتمام الكافى مثل «تاريخ ابن البطريق» للبطريرك أفيتشيوس، وتاريخ مصر ليوحنا النقيوسى، وتاريخ البطاركة لساويرس ابن المقفع وتاريخ أوتيخا أو تاريخ الانطاكى، وحتما لن تكتمل حكايات المآذن إلا بتلك الكتب، وأضم صوتى إلى صوت الأستاذ إيهاب بدعوته إلى دراسة جديدة لكتب التاريخ، وأزعم أن كتابا مثل السنكسار لم ينل مايستحقه من الاهتمام الأكاديمى، وفى كل الأحوال فكتاب « حواديت المآذن» نقطة ضوء فى ذلك النفق التاريخى، ويكفيه أن علق الجرس فى رقبة من يهمه الأمر !
ليست قصة حب وبس!!
الخميس:
هناك طاقات إبداعية كامنة فى المجتمع المصرى، ولكنها تنتظر اللحظة التى تتفجر وتنضم إلى ينابيع الإبداع التى لاتجد طريقها إلينا لأسباب متعددة،ومن بين تلك الطاقات الكاتبة منى البكرى، التى كتبت اسمها بين المبدعين المصريين، بأول كتبها «رسالة على نوتة موسيقية» الصادر عن دار سما، والجميل فيه أنه عبارة عن سرد روائى يحكى تاريخ بلدنا وكل منطقتنا، من خلال قصة الحب التى جمعت الفنان العبقرى بليغ حمدى والمطربة وردة الجزائرية، وتبدأ تلك الرواية الواقعية داخل مصعد مبنى الإذاعة والتليفزيون، ويلفت نظرها كوفية يرتديها رجل يقف بجوارها وتلتقى نظراتها بعينيه، فترسل لها اشارات تحمل حنان الأب الذى فقدته قبل بضعة شهور، وبينما يحاول أن يسألها عن اسمها بابتسامة جميلة، تنهرها والدتها خوفا من أن تزعج أو تتطفل على أحد، ويصل المصعد إلى الدور السادس، وينزل معهما نفس الرجل، وتعرف بعدها أنه الموسيقار بليغ حمدى، وبينما تتابعه بعينها التفت العبقرى من ورائه وتلتقى العينان، فيلوّح لها وترد عليه بحماس شديد، وأصبحت منذ ذلك اليوم تبحث عنه وتستمع إلى كل أغانيه، وتأتى فترة الستينيات ويقابل الملحن «وردة»، عندما قدْمت إلى مصر عام 1960، ثم حدث الفراق عام 1963 بعدما تم ترحيل المطربة الشابة، وتزوجت بعدها من جزائري، وتحولت ألحان الفنان إلى رسائل لها،ويحدث اللقاء مجددا بعد انتهاء زواج وردة وتعود إلى بليغ،ومع الشهور الأولى من الزواج تندلع حرب أكتوبر، فيكون الملحن أول من يشارك فى الاحتفال بنصر بلده كما كان أول عبر بالحانه عن محنة النكسة،وتسرد لنا الرواية من خلال البطلين، حكايات الزمن الجميل مع العمالقة عبد الحليم حافظ، وأم كلثوم وشادية، والأصوات التى اكتشفها البطل مثل عفاف راضى، على الحجار، وليد توفيق، محمد منير، سميرة سعيد وغيرهم، ولم تبتعد الرواية عن السياسة، حيث رصدت تطورات نسيج المجتمع المصرى بعد اتفاقية السلام وظهور الإسلام المتطرف والسفر للعمل بدول الخليج، ثم تصل القصة إلى نقطة الفراق بطلاق الملحن والمطربة، وكذلك محنته فى قضية المضيفة التى سقطت من شرفة منزله،وظهور وردة ووقوفها بجانبه خلال محنته وغربته فى باريس،، ثم عودته للوطن وظهور براءته، ولاتتوقف الرواية بعد رحيل بطلى القصة، ولكن تمتد إلى الواقع الحالى، والعمل جميل و«ملضوم» بصورة فنية مبدعة، يجمع مابين ضفائر الحب والكراهية.. الحرب والسلام.. الانتصار والنكسة.. الماضى والحاضر.. أنصحكم بأن تعيشوا مع متعة قراءته.
هامش:
كلام توك توك:
سهلة ومش مستاهلة !!
إليها:
تجمعنا روضة من رياض الجنة.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة