عبلة الروينى
عبلة الروينى


نهار

دمت طيبا.. نزيه أبو عفش

عبلة الرويني

الثلاثاء، 25 فبراير 2020 - 07:04 م

 

كان يضحك فى دهشة طفولية(لا أستطيع أبدا أن أنطق كلمة «ربنا» كما تنطقيها بلهجتك المصرية)!!.. أشعر بغربة المفردة،وربما غربة الآلة نفسه..يمكننى فقط قول(الله) أو قول(الرب)..
كانت هى المرة الأولي،فى اكتشاف المسافة بين الكلمة والكلمة..بين الكلمة والمعني...صار(الوطن) لديه يعني( البكاء)!!..وصار(الموت)يعنى أن يترك شباك بيته المطل على جبل قاسيون، مغلقا فى الصباح...وأن يترك باب البيت، مغلقا طوال اليوم، أو طوال الأيام..
هو الشاعر السورى نزية أبو عفش..٧٣عاما من البكاء، أو ٧٣ عاما من الوطن...
فى زيارتى الأولى له قبل عشرين عاما..لم أطرق بابه،كان مفتوحا عن أخره..وحين دخلت لاحظت أن لا أحد أغلق الباب ورائي..قال نزية(نحن نتركه مفتوحا دائما..على موعد مع الأصدقاء)...اليوم يغلق نزيه أبو عفش الباب، الذى ظل مفتوحا دائما..يغلق البيت بأكمله فى دمشق، ويذهب إلى «مرمريتا»قريته الصغيرة بمحافظة حمص..ليعيش العزلة كاملة، لا يلتقى بأحد ولا ينتظر أحدا...غادر كل من يعرفهم سورية..الأهل، الأصدقاء والأبناء...غادروا إلى بلاد أخري، يسميها (الملاجيء السعيدة)!!..أنجبوا أولادا وأحفادا، صاروا ينظرون من بعيد إلى الخريطة، ويقولون (تلك أرض أجدادنا)!!...يخشى نزية أبو عفش أن يكبر الأحفاد أكثر وأكثر، ولا يعود هناك أرض ولا أجداد!!
«لا تقسى علينا كثيرا..
ولا تشركى فى عبادتنا..
نحن أولا وأخيرا..لقطاء مياتمك
وأنت أولا وأخيرا...بلادنا!!»
أغلق نزية أبو عفش باب البيت المطل على قاسيون،وذهب وحيدا إلى مرمريتا..لكن الجميع يلومونه ويعتبون عليه...يلومونه لأنه لايزال حيا..ويلومونه لأنه لايزال مقيما..صار متهما بالوجود كأبطال كافكا!!...يذهب كل من حوله إلى المقابر، ليدفنوا أحبابهم،بينما يجلس هو وحيدا فى بيته، يبحث كيف يضع مزهرية صغيرة فوق الطاولة..وكيف يحكم إغلاق الباب، ويدرب نفسه على وداع أخر...

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة