محمد أبو الفضل بدران
محمد أبو الفضل بدران


يوميات الأخبار

بحيرة قارون وكنوز قارون

بوابة أخبار اليوم

الأربعاء، 26 فبراير 2020 - 07:30 م

محمد أبو الفضل بدران

وكما تعلمون أن مصر تعلق آمالها على هذا النهر وحده، فخصوبة العام وقحله تتناسب مع سخاء أو شح فيضانه.

من أجمل الأماكن التى رأيتها بحيرة قارون، جمال المكان مدهش.. بحيرة مترامية الأطراف بين حقول خضراء تمتلك أجود المنتجات الزراعية، ومياه تمتلك أجود أنواع الطيور، هناك ترى البط الفيومى النادر فى مذاقه وجمال شكله.. تجد الفندق الملكى الذى اجتمع فيه ملوك الشرق والغرب حيث كان تشرشل ومدفأته، والملك عبدالعزيز وعقاله الشهير والملك فؤاد ونظراته الحادة، والملك فاروق وولعه بصيد البط، هنا وقف التاريخ ليشهد لتلك الأمكنة بجمال ساحر وتاريخ مشرف، هنا تجد أَسِرّة نام الملوك عليها، ولكنها خلت منهم، تجد مرايا ملكية مرت عليها وجوه وجسوم فى أجنحة الملوك، هنا تزوجت الملكة فريدة وهنا جرى تصوير أفلام كثيرة مثل هذا هو الحب وفيلم المواطن مصرى وفيلم الحرام وفيلم البوسطجى وفيلم الأرض وفيلم رجل بلا قلب وفيلم الراعى والنساء وفيلم شمس لا تغيب وفيلم دعاء الكروان وفيلم الفانوس السحرى وغيرها.
وهنا يأتى السؤال الملغز، كيف لمحافظة كالفيوم تمتلك بحيرة قارون ومتوسط دخل المواطن السنوى أقل من متوسط دخل المواطنين فى كل محافظات مصر، لماذا لا نجد تسويقا عالميا لبحيرة قارون؟ هذا مكان لا يوجد مثيله فى العالم، كيف تكون الشوارع متهالكة؟ وكيف تتكون حول البحيرة أحراش وبيوت عشوائية.. لماذا لا يوجد مخطط لشوارع جيدة تدور حول الجزيرة وتسهل وصول الناس إليها؟ لماذا لا نرى قوارب التنزه التى تدرّ على الناس أموالا طائلة؟ ونقيم مهرجانات عالمية فى سباق القوارب، لماذا لا نمنع الصيد الجائر للأسماك فى أوقات الزريعة حتى تعود البحيرة لإنتاجها الذى كانت تفخر به الفيوم فى سابق عهدها؟.
لماذا لا تقام فنادق تراعى البيئة وتحافظ على التراث الجمالى للبحيرة وتستهوى المصريين والسياح لإنعاش أهلها؟
عندما كنت صغيرا كنت أفكر كيف نترك أموال قارون ومفاتيحه الذهبية الثقيلة ولا نفتش عنها، ولكنى بعد هذه الزيارة للبحيرة أدركت أن ما توفره هذه البحيرة - إن استغلت خير استغلال- ربما يفوق كنوز قارون لأنها ستوفر لأهل الفيوم ومصر كلها ما يعادل كنوز قارون إن لم يتجاوزها؛ فهل نرى ذلك قريبا؟
 مهرجان دندرة للموسيقى والغناء
أحسنت وزارة الثقافة صنعا عندما فكرت في إقامة مهرجان دندرة الفنى بقنا ليكون فاتحة خير في إيصال الثقافة والفنون لأبناء الصعيد وهذا واجب وطنى، فمن استمع لخطيب وسطى وقصيدة شاعر وأغنية وشاهد فيلما ورأى مسرحية فلن يكون إرهابيا على الإطلاق لأن الثقافة والفنون تهذب الوجدان فيغدو الإنسان مرهف الإحساس يقِظ العقل فيفكر تفكيرا سويا.
فى معبد دندرة «حتحور» رمز الجمال والموسيقى والسعادة والعطاء سيعزف العازفون بين جنبات المعبد والجسوم المنحوتة تتحرك من جدرانها كى تنشر الثقافة والمعرفة والفنون، عندما خرجتُ بقوافل التنوير-عندما توليتُ أمانة المجلس الأعلى للثقافة- لامَنِى اللائمون كيف تخرج من أروقة المجلس الأعلى للثقافة إلى شباب جامعة المنيا وجامعة أسيوط وجامعة سوهاج وجامعة أسوان، في قافلة حوت المفكرين والإعلاميين والفنانين والأدباء؟ قال مثبّطو الهمم: خَلّيك فى المجلس الأعلى ونَظِّر.. وكنت أظنُّ أن التنظير انتهى، كفانا تنظيرا ويجب أن نخرج للناس ولاسيما الشباب، كان الحوار مع الطلاب صريحا رائعا، اكتشف الفنان هانى شنودة الذى رافقنا فى القوافل - دون مقابل شأنه شأن الجميع - اكتشف أصواتا مدهشة، من هنا فإننى أحيى وزيرة الثقافة ودار الأوبرا التى لم تتقوقع فى دارها بالقاهرة بل جاءت إلى الصعيد كى تنشر الفنون الراقية فى دندرة التى قال الفيلسوف سنيكا عن أهلها قبل أعوام فى القرن الأول الميلادى عن جسارة وشجاعة أهل دندرة في اصطياد التماسيح من النيل فيقول «وكان سكان دندرة Tentyra يحصلون على أفضلهم لا لميزة فريدة فى الميلاد أو الجنس بل لأجل المجازفة والجرأة، فهم يطاردونهم ويصطادونهم بحبل وهم يفرون ويسحبونهم، والتى تقل يقظتها فى المطاردة ينفق كثير منها».
وتحية إلى جامعة جنوب الوادى ومحافظة قنا والهيئة العامة لقصور الثقافة التى تقوم بعبء كبير قد لا يراه اللائمون فى نشر الثقافة بين القرى والنجوع، أتمنى أن أرى مهرجانات وندوات ثقافية وفنية فى الدلتا والمحافظات الحدودية، فالناس فى شوق للثقافة والفنون.
 من أقوال سينيكا عن نهر النيل
 يعد الفيلسوف سينيكا Seneca، Lucius Annaeus من أهم فلاسفة القرن الأول الميلادى، وقد تحدث فى كتابه Natural Questions كتاب مسائل طبيعية الذى ترجمه الدكتور حمادة أحمد على وسيصدر عن دار آفاق، يقول سينيكا: «وهذه هى أشهر الأنهار التى أظهرتها الطبيعة لأعين البشر، وقد رتبت الطبيعة فيض النيل لمصر فى الفترة التى تحترق فيها الأرض بالحرارة الشديدة وتمتص الماء بعمق أكبر، وتشرب ما يكفيها لتعوض الجفاف السنوى، والأمطار فى المنطقة المتاخمة لإثيوبيا إما غير موجودة أو نادرة، ولا تعين أرضًا لم تألف المطر.
وكما تعلمون أن مصر تعلق آمالها على هذا النهر وحده، فخصوبة العام وقحله تتناسب مع سخاء أو شح فيضانه.
أول علامة لارتفاع النيل تُرى بالقرب من جزيرة فيلة التى ذكرتها سلفا، وينقسم النهر بصخرة على بعد مسافة قصيرة من هناك: يطلق عليها اليونانيون أباتون Abaton ولا أحد غير الكهنة يطأها، وتشهد هذه النتوءات الصخرية الارتفاع الأول لمستوى النهر، ومن ثم بعد مسافة كبيرة تبرز صخرتان، يطلق عليهما السكان المحليون عروق النيل، تتدفق من بينهما كمية عظيمة من الماء، ولكنها لا تكفى لتغطية مصر، وعندما يحل الاحتفال التراثى يلقى الكهنة عروضًا، ويرمى الحكام هبات ذهبية فى مصبات هذا المجرى.
ومن هذا المكان فصاعدا يمتلك النيل قوة جديدة، ويفيض فى قناة عميقة عالية الجوانب، وتمنعه الجبال التى تطوقه من التوسع، وقرب ممفيس Memphis نهايته الحرة، ثم يتلوى على السهول، وينقسم إلى أنهار عدة، ويتفرع فى مصر كلها فى قنوات اصطناعية، حتى يمكن التحكم فى الكمية بالرى، فينقسم فى البداية إلى قنوات، ومن ثم تندمج المياه وتنتشر مثل بحر رحب موحل، ويسرق اتساع المنطقة التى يتمدد عليها سرعة المياه وعنفها، حيث إنه يحتضن مصر كلها يمينًا وشمالًا.
وإن أمانى العام قد تتحدد بالارتفاع الذى يصل إليه النيل، وحسابات الفلاح لا تخيبه، لأن الأرض المخصبة بالنيل تستجيب لمستوى النهر، إنه يجب الماء والتربة إلى الأرض الرملية الجافة، ونظرًا لأن تياره هائج يخلف وراءه كل الرواسب على الأرض الجافة المتشققة، وأى مادة خصبة يحملها تسيل على الأرض الظمأى، فإنها تعين الحقول لسببين لأنها تغمرها وتغلفها بالطين، ولذا فإن أى أرض لا يغسلها النيل تبقى جرداء وخربة، وإذا ارتفع النيل أكثر مما ينبغى يسبب دمارًا.
وهكذا شخصية هذا النهر لافتة للنظر، فبينما الأنهار الأخرى تجرف الأرض وتخرج أحشاءها فإن النيل أكبر من الأنهار الأخرى، وهو على النقيض يضيف للأرض قوة بعيدا عن نحر وتجريف الأرض، وهو يتحكم فى رطوبة الأرض، لأنه بجلب الطين ينقع الرمل ويربطهما معًا، ومصر لا تدين للنيل بخصوبة الأرض بل الأرض ذاتها.
وأجمل مشهد حين يصب النيل فى الحقول، فتخفى السهول، وتُكفر الوديان، وتبرز المدن مثل الجزر، وما من اتصالات بين الناس الذين يعيشون داخل البلاد إلا بالقوارب
ورغم أن النيل باقِ بين ضفتيه إلا أنه يصب فى البحر بسبعة مصبات، وأيا منها هو نهر كبير، ومع ذلك يتفرع النهر فى فروع ليست كبيرة فى أطراف مختلفة من الساحل. وينتج النيل مخلوقات مساوية لمخلوقات البحر فى الحجم والضرر، ويمكن أن يُحكم على حجمه بأنه يستوعب حيوانات ضخمة ويوفر لها غذاء ومساحة كافية لتتنقل فيها.
ويروى بالبيللوس الرجل الطيب المثقف فى مناحى الأدب على نحو استثنائى ما حدث عندما كان حاكمًا لمصر، إنه رأى فى مصب هيراكليون Heracleotic - وهو أطول مصبات النيل السبعة فى البحر - مشهدًا كما لو كانت هناك معركة بين الدلافين القادمة من البحر والتماسيح فى النهر تحرك نحوهم صفًا، وهزمت المخلوقات اللطيفة التماسيح بعضات خفيفة.
فالجزء الأعلى من أجسامهم صلب، ولا يمكن اختراقه حتى بأسنان الحيوانات الكبيرة، ولكن الجزء الأسفل ناعم ولين، فغاصت الدلافين وأصابت هذا الجزء، ومزقت أشواك ظهرها وشقتها، وعندما تمزق عدد منها بهذه الطريقة، ولت البقية وهربت، كما لو كان مخلوقًا جبانًا يواجه آخر جسورًا، رغم أنه جسور حين يواجه آخر خجولًا!.
وكان سكان دندرة Tentyra يحصلون على أفضلها لا لميزة فريدة فى الميلاد أو الجنس بل لأجل المجازفة والجرأة، فهم يطاردونها ويصطادونها بحبل وهم يفرون ويسحبونها، والتى تقل يقظتها فى المطاردة ينفق كثير منها.
ويشير ثيوفراسطوس إلى أن النيل كان يتدفق مرة واحدة فى ماء البحر ومن المعروف عندما كانت كليوباترا ملكة لم يرتفع النيل لمدة عامين على التوالى، فى العام العاشر والحادى عشر من حكمها، ويقولون إن هذا كان دلالة على نهاية حاكمين: لأن سلطة أنطونى وكليوباترا قد انتهت، ويشير كالليماخوس Callimachus أن النيل فى القرون الأولى لم يرتفع لمدة تسع سنوات.
فى النهايات تتجلى البدايات
أقولُ ما أرى.. سيجىء ليلٌ، فيه نفتقد الظلامْ.. ويجىء شعرٌ فيه نفتقد الكلامْ .. ويجىء طير فاقدا شدو اليمامْ.. ويجىء حبٌ دون أن نجد الغرامْ .. ويجىء حلمٌ، ما به شيء يرامْ.. ويجىء موتٌ فيه نفتقد الحِمام .. ويجىء سيلٌ فيه جمر من غمام .. ويجيء يومٌ قاتل، صرعى به الأيام!.. ويجىء صلحٌ دون أن نجد السلام.. ويجىء جيلٌ، فيه نفتقد الأنام .. وتجىء أرضٌ يختفى فيها المقام.. لا ظل إلا ما يجود به القتام.. ويجىء دهرٌ، لا يُرى فيه الكرام.. ويجىء موجٌ بين أفئدة الرخام.. ويصيبنا عدمٌ يشكو من الإعدام.. تتساقط الأيدى، كما تتناقص الأفهام!
والناس فى سُكرِ وليس هنا مُدام.. ويجىء زحفٌ دون أن نجد الحسام.. وتجىء ليلاتٌ بها الموتى سقام.. وتجىء نارٌ، يشتكى منها الضرام.. ويجىء قومٌ، لا أنوف لهم، نيام.. ويجىء عصرٌ، كل ما فيه حطام.. قد جاء ما حذرتُ، كيما لا أُلام.. فعليكمُ وعلى الحياة، على الوجود سلام!

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة