الرئيس عبدالفتاح السيسى والمشير خليفة حفتر
الرئيس عبدالفتاح السيسى والمشير خليفة حفتر


تطويق أطماع العثمانية الجديدة يبدأ من ليبيا

بوابة أخبار اليوم

السبت، 29 فبراير 2020 - 04:28 ص

 محمد منصور

من نافلة القول الحديث عن التهديد الذى تشكله التحركات التركية فى ليبيا، على الأمن القومى المصرى والليبى بشكل خاص، والأمن القومى العربى بشكل عام. شكلت القاهرة ثقلا موازنا لهذا التهديد منذ أن بدأت ملامحه فى التشكل أواخر العام الماضي، بعد توقيع الحكومة التركية لمذكرتى تفاهم مع حكومة طرابلس، وبدء التدفق العلنى للأسلحة والذخائر التركية والمرتزقة السوريين إلى طرابلس، عبر الطيران المدنى والبحرية التجارية.

 

مصر فى هذه المرحلة الدقيقة، تتعامل مع التحركات التركية فى طرابلس، بتحركات مضادة على كافة الأصعدة، وذلك من منطلق أنها معنية بالحفاظ قدر الإمكان على الاستقرار فى محيطها الإقليمي، وفى منطقة شرقى المتوسط، ومنع تحول هذه المنطقة إلى بؤرة صراع تمنع دول المنطقة من الاستفادة من ثروات شرقى المتوسط التى تعول عليها القاهرة فى المرحلة القادمة، خاصة بعد وصولها إلى مرحلة الاكتفاء الذاتى فى إنتاج الغاز وتحولها للتصدير، وكذا بدء تلقيها شحنات من الخارج لإسالتها فى المنشآت المصرية، مما يوفر عائدات كبيرة تحتاجها مصر حالياً. وبالتالى تهتم القاهرة بمحاولة إدارة الأزمة فى ليبيا، وليس المساهمة فى إشعالها أكثر، خاصة  أن توريط مصر فى نزاع عسكرى على الأراضى الليبية، وخلط الأوراق فى شرقى المتوسط لمنع قيام التحالف الإقليمى الذى بدأ يتشكل بقيادة مصرية من دول مثل اليونان وقبرص، كلها تعتبر أهدافاً رئيسية لأنقرة من تدخلها فى ليبيا.

الإجراءات المصرية لمواجهة التحركات التركية فى المنطقة سبقت حتى تدخل أنقرة فى ليبيا، فقد كثفت القاهرة تحركاتها فى الملف السورى خلال السنوات الأخيرة، وهذا كان ظاهراً فى ملف شرقى الفرات وتطوّراته الأخيرة، التى فيها كان للقاهرة دور بارز مع روسيا فى إيجاد تفاهم بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديموقراطية، سمح بتواجد عسكرى سورى قرب الحدود مع تركيا، وهو ما انعكس على جبهات القتال بشكل عام شمالى سوريا. فى ملف شرق المتوسط.


نجحت مصر فى هذا الملف فى تحجيم الدور التركى حيال ملف الغاز، حيث تمكنت منذ 2015 وحتى الآن من عزل أنقرة عن أية فعاليات أو اتفاقات تخص التنقيب عن الغاز، وذلك عن طريق تدشين القاهرة لمنتدى غاز شرق المتوسط، ما جعلها تستحوذ فعلياً على الموقع الذى كانت تركيا تسعى إليه، وهو أن تصبح اللاعب الرئيسى فى ملف غاز شرق المتوسط، وبوابة عمليات إسالته وتصديره لأوروبا.


رهان مصر


أما فيما يتعلق بالملف الليبي، فقد شرعت القاهرة منذ اللحظات الأولى للإعلان عن رفض مذكّرتى التفاهم بين حكومة السراج وتركيا، فى تحرّكات إقليمية ودولية متصاعدة ومستمرة، على شكل لقاءات ومُكالمات هاتفية جمعت بين الرئيس المصرى ووزير خارجيته ورئيس البرلمان المصرى من جهة، وكبار المسئولين فى الدول المعنية بالملف الليبي، مثل اليونان وقبرص وإيطاليا وألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة وروسيا، وقد اتّضح بشكل كبير أن كل هذه الأطراف تتقاطع فى وجهات نظرها حيال الشأن الليبى مع وجهة نظر القيادة المصرية، خاصة إيطاليا التى تُعدّ أحد أهم الداعمين لحكومة الوفاق فى طرابلس. 


تركيز مصر فى الجانب السياسى للأزمة الليبية، ينصب على دعم الجهود العربية والأفريقية والدولية، الرامية إلى إيجاد تسوية سياسية بين الفرقاء الليبيين، وهو المسعى المعاكس تماماً للنهج التركي، القائم على إذكاء نيران الصراع المسلح فى ليبيا، واستخدام هذا الملف كوسيلة للابتزاز الإقليمى والدولي. وقد تنبهت مصر مبكراً إلى أهمية الوصول لحل سياسى للأزمة الليبية وجمع الفرقاء الليبيين، فأنشأت فى أغسطس 2016، اللجنة المصرية الخاصة بليبيا، والتى أدارتها شخصيات عسكرية وسياسية ودبلوماسية واستخباراتية مصرية، أشرفت على عدد من اللقاءات بين الفرقاء الليبيين، تم تتويجها فى فبراير 2017، بعقد لقاء جمع بين قائد الجيش الوطنى المشير خليفة حفتر، ورئيس حكومة الوفاق فائز السراج.


التحرك الروسي


تمكنت مصر عبر تواصلها مع المحيط الإقليمى والدولى لليبيا، من بلورة موقف دولى موحد حيال الملف الليبي، يتوافق مع الثوابت المصرية الأساسية فى هذا الملف. الموقف المصرى من الأزمة فى ليبيا يرتكز على ضرورة دعم وحدة وسيادة الدولة الليبية، وتوحيد المؤسسة العسكرية، ومكافحة التواجد الميليشياوى والتكفيرى فى العاصمة الليبية، وإيجاد حل سياسى يوحد المؤسسات الليبية، وينقيها من العناصر الميليشياوية والتكفيرية.


تواصل القاهرة كان بشكل أساسى مع روسيا، التى كان لها خطوة مهمة فى هذا الملف، تتعلق بمبادرتها لعقد اتفاق للهدنة بين الجيش الوطنى الليبى وحكومة الوفاق، وقد دعمت مصر هذه الخطوة من جانب روسيا، على الرغم من أن هذه الاتفاقية فى النهاية لم يتم توقيعها من جانب قيادة الجيش الوطني، بسبب غياب عدة نقاط أساسية عنها، على رأسها وضع الميليشيات وسلاحها. وجهة نظر القاهرة وموسكو فى هذا الملف متطابقة، وقد اقتربت موسكو أكثر خلال الأيام الماضية من الموقف المصري، خاصة بعد ان تتالت تصريحات وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف، ونائبه ميخائيل بوغدانوف، المنتقدة للدور التركى المدمر فى ليبيا، ونقل أنقرة للأسلحة والمرتزقة إلى طرابلس.


أوروبياً، دشنت مصر تنسيقاً مستمراً، مع كل من فرنسا واليونان وقبرص وإيطاليا، وهذا كان جلياً خلال الاجتماع الرباعى الذى تم عقده فى القاهرة الشهر الماضى حول الملف الليبي. إيطاليا التى تعد من أهم الداعمين الأوروبيين لحكومة الوفاق، بات موقفها الحالى من الأزمة الليبية أكثر واقعية، خاصة بعد هذا الاجتماع الذى حضره وزير خارجيتها لويجى دى مايو، كما أن مصر من خلال هذا الاجتماع، دشنت تقارباً إيطاليا - فرنسياً حول ليبيا، كان بعيد المنال خلال السنتين الماضيتين، اللتين شهدتا تنافساً محموماً بين باريس وروما حول الملف الليبي، من خلال مؤتمرى باليرمو وباريس، لكن بفضل الجهود المصرية، باتت وجهتى نظر الدولتين شبه متطابقتين حيال الأزمة الليبية.


على المستوى العربي، تنسق مصر جهودها مع عدة دول عربية منها الأردن والإمارات العربية والمغرب وتونس والجزائر والمملكة العربية السعودية، من أجل إيجاد مقاربة عربية موحدة، تدين التدخلات التركية فى الملف الليبي، وتدفع نحو حل سياسى للأزمة، وتمثل الاجتماعات الدورية لدول جوار ليبيا، خاصة الاجتماع الأخير الذى انعقد فى العاصمة الجزائرية، فرصة متجددة لمصر كى تطرح رؤيتها لهذا الحل. كذلك شاركت مصر فى جهود الاتحاد الأفريقى فى هذا الصدد، خاصة خلال اجتماع اللجنة الأفريقية رفيعة المستوى حول ليبيا، الذى انعقد مؤخراً فى الكونغو.


التقارب المصرى مع تونس والجزائر حيال الملف الليبي، كان من أهم ثمار جهود القاهرة طيلة الفترة الماضية.


التراجع التركى


التحرك المصرى الدؤوب والسريع، رداً على تصاعد التدخل التركى فى ليبيا، دفع أنقرة إلى التراجع عن خططها التى كانت معلنة سابقاً، بإرسال وحدات قتالية من جيشها إلى طرابلس، واستعاضت عن ذلك، بإرسال بعض المستشارين العسكريين، بجانب مئات من المرتزقة السوريين، ومعدات عسكرية متنوعة، لم تفلح فى إحداث تغيير ميدانى لصالح قوات حكومة الوفاق، بل بالعكس، تمكن الجيش الوطنى من استيعاب هذا الموقف على الأرض، وتكفلت أطراف عربية على رأسها مصر، بمهمة ايضاح الانتهاكات التركية للمجتمع الدولي، فباتت أنقرة عملياً معزولة على المستوى الدولى فيما يتعلق بالمناقشات حول الحل فى ليبيا، (وهذا كان واضحاً بشكل جلى فى مؤتمر برلين الأخير)، وكذلك بدأت أطراف دولية منها فرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة، فى انتقاد الدور التركى وخروقات أنقرة لحظر السلاح على ليبيا. وبالتالى أصبحت كافة الجهود التركية فى الملف الليبي، غير مجدية على المستوى العملي، وأصبح بحث الحل فى ليبيا، يتم إقليميا ودولياً، بمعزل عن أنقرة وعن أى دور لها، بعد تأكد كل الفاعلين أن أنقرة جزء من المشكلة وليس من الحل.
 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة