السيد النجار
السيد النجار


يوميات الأخبار

يحيى الأمل عند وجوده

بوابة أخبار اليوم

الأحد، 01 مارس 2020 - 07:32 م

السيد النجار

بدت الدهشة على وجهى.. يعقب البائع الفرنسى مستنكرا.. أنه قميص قطن مصرى.. أفخم ما يرتديه العظماء.. فلابد أن يكون الأغلى سعرا.

أمام شاشة التليفزيون أتابع فيلما عالميا.. وإذ ببطلة الفيلم فى ليلة زفافها.. تعد مفاجأة لعريسها.. قالت له.. عندى لك مفاجأة هدية الزواج.. وفى جو مرح تقفز فى الهواء وتلقى بالهدية لأعلى قائلة وهى مبتهجة «بيجاما من قطن مصري».. شعرت بفخر منقوص.. كان ذلك منذ 15 عاما.. وأعود بالذاكرة لما قبل مشاهدة الفيلم بخمس سنوات، كنت فى مهمة عمل بمدينة ديجون الفرنسية.. بينما أتجول بين المحال التجارية، يجذبنى داخل فاترينة عرض قميص فريد فى رونقه وجماله.. داخل المحل يفاجئنى البائع بسعر فاق الخيال.. بدت الدهشة الشديدة على ملامح وجهى، وعلى الفور يعقب الرجل مستنكرا.. أنه قميص قطن مصرى أفخم ما يرتديه العظماء.. فلابد أن يكون هذا سعره.. لست من العظماء فلم أشتر القميص، ولكن شعرت بفخر منكوس.. تمهل.. لتعود للوراء قبل ذلك أكثر من ثلاثين عاما، مع صورة الأفراح التى تعم القرية، وأغانى وأهازيج الفلاحين فى موسم جنى القطن. وعندما كانت زراعة القطن وصناعته ألهاما لأناشيد الملاحم الوطنية وموضوعا للأفلام المصرية. ومنها الانشودة التى تصدح بها أصوات فتيات جمع القطن فى كل قرية.. نورت ياقطن النيل.. ياحلاوة عليك ياجميل.. أجمعوا يابنات النيل.. يالا دا مالوهش مثيل.. كتب له كبار الشعراء وشدا بأغانيه نجوم الزمن الجميل عبدالوهاب وأم كلثوم.
وحتى لا تتوه مع شريط الذكريات، توارد كل هذا فى ذهنى، فيما أتابع عبر شاشة التليفزيون منذ شهرين، بكاء وزير الزراعة فى بنين، بينما كان رئيس الجمهورية يعلن فى خطابه أمام البرلمان، أن دولتهم أصبحت تحتل المرتبة الأولى إفريقيا فى زراعة القطن.. أجهش الرجل بالبكاء فرحا.. بينما يتبدل لدى الفخر المنقوص والمنكوس إلى حزن عميق وأسى بالغ. تعدى انتاج بنين أكثر من مليون طن قطن سنويا وهى الدولة التى لا تتعدى مساحتها عشر  مساحة مصر «١١٠ آلاف كيلو متر مربع» نصفها جبال وصحارى.. بينما نحن ننتج الآن حوالى ٨٠٠ ألف طن من زراعة ٢٣٠ ألف فدان، بينما كان الانتاج عام ١٩٥٠ يزيد على ٤٫٥ مليون طن ونزرع ٢٫٥ مليون فدان.. كان طبيعيا حينها أن تتحكم بورصة القطن بالاسكندرية فى أسعار القطن عالميا.. كما هو طبيعى اليوم أن تصدر وزارة الزراعة الامريكية تقريرها عن الدول العشر الأولى فى انتاج القطن بافريقيا.. تبدأ ببنين وتنتهى بالنيجر.. ومصر خارج المنافسة.
مع تفوق بنين.. يلح الحافز للكتابة مطالبا بيقظة لكل ما يتسرب بين ايدينا، حدثتنى نفسى. ماذا تفيد كتابة لاتعدو سوى دخان فى الهواء.. سنوات طويلة مرت جفت فيها الأقلام فى كتابة المقالات والتحقيقات الصحفية، التى تطالب الدولة بالاهتمام بزراعة القطن، والنهوض بصناعة الغزل والنسيج التى بدأت تشيخ وتتدهور.. لم نسمع طوال ٥٠ عاما مع بدء الانخفاض التدريجى لزراعة القطن، سوى تصريحات وزراء الزراعة المكررة، ثلاثون وزيرا- عدا وليس مجازا- لم ينتب أحداً منهم إحساس الغيرة، ولم ينغص عليه ضمير المسئولية.. وهنا التحديد وزراء مرحلة الانهيار فى بداية الثمانينات.. يأتى وزير ويغادر  وزير.. ولاشىء سوى تصريح «خطة لاستعادة عرش القطن المصري».. أو «الذهب الابيض يستعيد رونقه ومكانته».
تصريح يتناقلونه وكأنه عهدة تسلم لكل وزير جديد.. وعلى أرض الواقع لاجديد سوى مزيد من الانهيار فى انتاج القطن والغزل والمنسوجات. وتكالب المعوقات امام الفلاح وغلبة ارتفاع نفقات الزراعة، حتى أصبحت الأرض المزروعة قطنا تمثل ١٠٪ من مساحة الأرض منذ ٧١ عاما. نتقهقر هكذا.. بينما تتصدر اليوم أمريكا وإسرائيل إنتاج القطن طويل التيلة. وبالمناسبة.. اعتمدت الدولتان على مصر بالخبرات والخبراء فى الوصول إلى النتائج التى وصلوا إليها.. أزاحونا عن الصدارة فى الوقت الذى كنا نسمع فيه من المسئولين والخبراء المصريين، حديثاً مريباً أن القطن طويل التيلة لم يعد كما كان.. ليس له سوق.. ولا تصلح المحالج المصرية لإنتاجه.
لماذا العودة للكتابة فى هذه القضية إذن.. أكيد بارقة الأمل التى لاحت بالاجتماع الذى عقده الرئيس عبدالفتاح السيسى، بحضور رئيس الوزراء والوزراء المعنيين. كانت توجيهات الرئيس واضحة ومحددة، اعادة القطن المصرى لسابق عهده واستعادته عرشه عالميا، فى اطار رؤية متكاملة لمنظومة القطن بجميع محاورها الزراعية والصناعية والتجارية، والاستفادة بما يحظى به القطن المصرى من جودة وسمعة عالمية.
أشعر بتفاؤل أننا أمام اهتمام كبير وجاد من الدولة يعيد إلى الأذهان أنشودة القطن لأم كلثوم وكلمات الشاعر الراحل احمد رامى «القطن فتح هنا البال.. والرزق جه وصفالنا البال.. أجمعوا خيره مالناش غيره.. يغنى البلد  ويهنى الحال.. ابيض منور على عوده.. يحيى الأمل عند وجوده.. يارب يحيى لنا أملنا.. وتخلى مصر فى أسعد حال».
الحضرى يبوح بالأسرار
ياه.. ياساتر على حجم الدم والدسائس والمؤامرات، داخل قصور الأمراء وسلاطين الحكم فى مصر المملوكية.. كل هذا قدمه للقارئ الكاتب المبدع إيهاب الحضرى فى كتابه الجديد «حواديت المآذن  التاريخ السرى للحجارة» أسلوب ممتع رشيق، جذاب لاتملك إلا أن تلتهمه عيناك وعقلك وقلبك رغم لحظات التوقف للتدبر فى محتوى كل سطر وكل معنى ورمز: أنه التاريخ يقدمه لنا المؤلف بكل ما فيه فى حدوتة شيقة.. تحرى فيها التدقيق، وكشف عن تنافر المعلومات واختلافها فى أمهات الكتب وأشهر الرحالة والمؤرخين. على قدر متعة القراءة ونزهة المعرفة والتاريخ، إلا أن رائحة الدم فى كل حرف.. الأب يقتل ابنه، والابن يتآمر على والده.. والأخوة يتقاتلون، حتى النساء منهم.. الشاب يقتل ولى نعمته والصديق يطعن صديقه بينما يحتضنه، المؤلف لا يتجنى عليهم، ولكنه التاريخ الذى لايرحم ويسجل كل ما حدث وموقف، كل صغيرة وكبيرة.
يقول إيهاب الحضرى نصا «كثيرا ما تساءلت عن مباريات التشييد التى تنافس فيها السلاطين والأمراء على إقامة عمائر دينية، لاتتناسب مع ممارساتهم الدموية، التى امتدت عبر تاريخ من المؤمرات، والتى لم تتوقف عند حد انقلاب الأمراء على السلاطين، بل تجاوزت الحدود بقتل الأخ لأخيه، وتسميم الاب لابنه، وانقلاب التلميذ على استاذه. يفعل كل منهم جرائمه دفاعا عن وجوده، ثم يبنى المساجد ويقبل على عمل الخير، بينما يكون قبلها قد نهب أموال المواطنين بالضرائب والجباية».
قضية فى كتاب
إيهاب الحضرى يحاول أن يوضح مبعث تساؤله فى كل صفحات الكتاب، ولكنى لا أرى سوى أنه غرض شخصى بتخليد أنفسهم، حتى ما بعد الموت. نجحوا فى ذلك إلى حد كبير، ولكنها كانت الفرصة. ايضا للحكم عليهم.. يشيد التاريخ ببعضهم ويلعن آخرين. ويقدم لنا الدرس والتجربة لنستفيد من التاريخ. هذه ايضا قناعة دار الفؤاد للنشر والتوزيع، التى قررت طبع الكتاب ثقة منها أن حواديت أحجار المساجد تستحق أن نتوقف أمامها، ليس علي مستوي سرد الحكايات فقط، وانما لتحليل ما تتناقله الكتب فيها، فالأمر ليس ببساطة حدوته، ينتصر فيها البطل فى النهاية، ولكن لنفكر فى الدلالات، سنكتشف أن التاريخ لايعيد نفسه،بل نحن الذين نكرر أحداثه دون وعى منا أحيانا.. وإذا كان هذا ما يراه المؤلف ودار النشر، فإننا كثيرا ما نصل بتكرار الأحداث إلى نفس النتائج الخاطئة، بل الكارثية. العرب لايتعلمون من خبرة وتجارب الآخرين، حتى بما حدث فى مراحل تاريخية بأوطانهم. أقترب إلى القناعة بتعمد الجهل بالتاريخ، ومحاولة الاستفادة من تجاربه. واعتقد أن هذا ما يريده إيهاب الحضرى من الكتاب.. أولا.. أن نصحح التاريخ..ثانيا.. استخلاص العظة والتعلم من تجارب من سبقونا.. خاصة مع اختلاف المعلومة فى الكتاب الواحد، وتعارض كثير من المؤرخين فى أصل وشوارد بعض القصص والروايات.
كتاب حواديت المساجد، ضرورة ملحة وأتمنى أن تكون فى أولويات «الحضرى» تأليف سلسلة مهمة تحتاجها المكتبة المصرية والعربية.. بهدف هو الأسمى لتشكيل الوعى الصحيح للإنسان.. والارتكاز إلى أن ماضى الأمم وتاريخها، نقطة انطلاق للمستقبل.
 شخصيتك من مشيتك
غمض عينيك وأمشى بخفة ودلع .. الدنيا هى الشابة وأنت الجدع.. تشوف رشاقة خطوتك تعبدك.. لكن أنت لو بصيت لرجليك.. تقع. عجبي!!
بالتأكيد هذه الرباعية للراحل الكبير صلاح جاهين، عالقة فى ذهنك ووجدانك بصوت الإعلامية الكبيرة إيناس جوهر، فى مقدمة البرنامج الشهير «تسالي». والتى كانت تقدمه مع الإعلامى الراحل محيى محمود.. أمتع وأخف وأجمل البرامج الإذاعية كل صباح لسنوات طويلة بإذاعة الشرق الأوسط.. كان بمثابة وجبة إفطار متنوعة وشيقة، تستمع إليه وتخرج للحياة بأمل وتفاؤل ونشاط وثقة تجعلك بالفعل مبتسما تسير ممشوق القوام.. وخاصة مع إيناس جوهر ذات الصوت الإذاعى، الذى ضن علينا الزمان بتكراره.
جالت الخواطر بالذاكرة للزمن الجميل، وتبادر لذهنى إبداع صلاح جاهين وروعة أداء ايناس جوهر. عندما قرأت خبرا حول بحث جديد يؤكد هوية أى شخص وصفاته وطباعه «من مشيته». أعلن ذلك فريق علمى من جامعة تومسك الروسية، بتطوير نظام أمنى جديد، يتمتع بالذكاء الاصطناعى يمكنه تحديد هوية الشخص من خلال المشى وملامح الوجه.
تذكرت إيناس جوهر وصلاح جاهين وبرنامج تسالى، ولم استطع كتمان ابتسامتى بينما أقرأ الخبر..فما وصل إليه العلماء اليوم..عرفناه فى الموروث الشعبى المصرى بمجرد النظر.. هذه بنت جد.. مشيتها زى العسكرى.. وهذا شاب ماشى «يتقصع».. ولك أن تصف ما تريد. وللتوضيح.. العلماء الروس وصلوا لاكتشافهم بوضع رقائق تحت الجلد، ليس كحالنا بمجرد النظر. ولكن حتى يكون لمجهودهم وعلمهم قيمة، لابد أن تعرف أن أبحاثهم فى إطار الإجراءات الأمنية للكشف عن المجرمين والإرهابيين. وليس للإعجاب من عدمه بطريقة مشيتك!
همس النفس
طال الفراق وبعدت بيننا الأيام..آه من سيف الزمان..ليت العمر يتمهل حتى ترسو شراع العشق على مرفأ أمان.. أما آن للأقدار أن ترأف بحال متيم.. ليس للقادم عنده هوى سوى أمل اللقاء.. وما للحياة رغبة إلا حضور غائب فى القلب والعقل والبال.. وما سلو قلبى سوى أن الفراق تتوحد معه روح الحبيبين، مهما فرقتهما الأيام وغدر بهما الزمان.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة