أحمد عزيز
أحمد عزيز


نهاية أردوغان فى سوريا

بوابة أخبار اليوم

الخميس، 05 مارس 2020 - 07:04 م

بقلم: د. أحمد عزيز،، 

دائما عندما نتحدث عن رجب طيب أردوغان، نميل إلى الاعتقاد بأن لديهم كامل المعرفة فى كل شىء، والتعصب بشدة من الانتقادات لهم، هذه الغطرسة العثمانية هى التى قادت أخيرًا أردوغان وتركيا إلى حافة الكارثة فى سوريا بعد تسع سنوات من التهديدات المتفجرة والصراع بالوكالة والتدخل العسكرى المباشر.


أردوغان معزول الآن من جميع الجوانب، على خلاف حاد مع اللاعبين الرئيسيين فى الأزمة السورية، بعد أن أرسلت 7000 جندى إضافى وإمدادات عسكرية إلى إدلب الشهر الماضى لتعزيز المواقع الحيوية، سقطت تركيا فى حرب مفتوحة مع نظام بشار الأسد، لقد هاجم المطارات ومواقع الرادار خلف «الخط الأمامى» الفعلى بحكم الواقع، وأعلنت أن «عناصر» النظام كلها أهداف مشروعة.


فى منتصف عام 2011، عندما كانت انتفاضات الربيع العربى قد بدأت للتو، التقى أحمد داود أوغلو، وزير الخارجية التركى آنذاك، بالأسد فى دمشق وحثه على مناقشة مطالب المتظاهرين، الأسد رفض، وأعلن داود أوغلو لاحقًا أن الزعيم السورى لن يصغى لأحد، وضاعت الفرصة، مع تكثيف حملة الأسد، ألقى أردوغان بثقل تركيا وراء المتمردين ودعمهم، بما فى ذلك الجماعات الإسلامية.


لكن ما يحدث الآن فى شمال غرب سوريا لم يعد حربًا بالوكالة، إنها مواجهة مباشرة بين الدولتين المتجاورتين المدججين بالسلاح، ويهدد بجذب تركيا إلى عمق الصراع العسكرى مع روسيا، الحليف الرئيسى للأسد، مع ذلك يواصل الناطقون بلسان أردوغان ووسائل الإعلام الموالية للحكومة الإشارة إلى أن الكارثة التى وقعت يوم الخميس، عندما قُتل 33 جنديًا تركيًا فى هجوم على قافلتهم فى إدلب، كانت خطأ النظام السورى.


من الصعب معرفة الحقائق، بالنظر إلى قمع أردوغان للصحافة المستقلة، لكن الحقيقة تبدو مختلفة تمامًا، حسب ميتين غوركان، المحلل العسكرى الذى يكتب لمنصة «المونيتور» الإقليمية المحترمة على الإنترنت، فإن عدد القتلى قد يصل إلى 55 قتيلاً، وتتحدث التقارير المحلية عن 100 قتيلا، يبدو أيضًا أن غالبية القتلى لم تكن ناجمة عن طائرات سورية بل عن غارات جوية روسية متعمدة ومتابعة.


لقد رفض أردوغان إلقاء اللوم على روسيا، ونفى الكرملين بشكل قاطع مسؤوليته، لكن تسلسل الأحداث يوم الخميس الماضي، الذى بدأ بهجمات تركية على طائرات روسية تحلق فوق جنوب إدلب، يشير إلى عكس ذلك، كما أن الحريق التركي، الذى يشتمل على أنظمة دفاع جوى محمولة (Manpads)، قد هدد أيضًا قاعدة الخميم الاستراتيجية الروسية.


يبدو أن القادة الروس الغاضبين – أو ربما جاء الأمر من موسكو – قد رسموا خطًا بعد أسابيع من الخلاف المميت، قافلة تركية تعرضت للضرب فى وقت متأخر بعد ظهر ذلك اليوم، فى الساعات التى تلت ذلك، وبينما كان الجنود المصابون بحاجة ماسة إلى المساعدة الطبية، رفضت موسكو طلب أنقرة بفتح المجال الجوى لإدلب للسماح بالإجلاء، حسبما أفاد جوركان.


هل كان فلاديمير بوتين، الرئيس الروسى، عازمًا على تعليم أردوغان درسًا قاسيًا؟ إذا كان الأمر كذلك، يبدو أنه قد نجح بالفعل، يعلق أردوغان الآن آماله على لقاء وجها لوجه مع الزعيم الروسى لمنع المزيد من الاصطدامات الباهظة التكلفة التى لا تستطيع تركيا الفوز بها، وقال إنه سوف يسافر إلى موسكو يوم الخميس بحثا عن وقف إطلاق النار – بعد أن وافق بوتين لجعل الوقت فى صالحه.


ومع ذلك، قد لا يكون لدى بوتين نية للتراجع، إنه يريد بشدة إنهاء الحرب السورية، حيث تشارك القوات الروسية منذ حوالى خمس سنوات بتكلفة مالية وبشرية كبيرة، ويريد النصر لموكله، الأسد، فى إدلب، آخر محافظة يسيطر عليها المتمردون، وللسياسات الإقليمية التوسعية الخاصة به أيضاً، إنه يريد أن يعلن انتصارًا استراتيجيًا بارزًا فى الغرب وخصوصًا على حساب الولايات المتحدة.


قد يكون بوتين وافق على لقاء أردوغان انسحاب تركيا كاملًا أو جزئيًا من إدلب، وأيضًا من الأراضى السورية الأخرى التى تحتلها تركيا إلى الغرب من نهر الفرات – ومن المنطقة الشمالية الشرقية التى يسيطر عليها الأكراد والتى غزاها بشكل مثير للجدل فى الخريف الماضى، إن فكرة أردوغان دائمًا غير قابلة للتطبيق للحفاظ على «مناطق آمنة» شبه دائمة داخل سوريا والتى يمكن للاجئين فى تركيا العودة إليها، من الناحية النظرية قد ماتوا أو يموتون.


إن الضعف الجوهرى لاستراتيجية «بيت القش» لإردوغان قد تعرض بشكل أكبر لعجز المتطرفين الإسلاميين الذين يدعمهم فى إدلب عن مقاومة التقدم السورى الروسى الأخير؛ ورفض الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسى أن يأتى لمساعدته بأى طريقة مجدية، طلبت تركيا الدعم بعد كارثة القافلة الأسبوع الماضى، تم تقديم مساعدة محدودة فى المراقبة وتبادل المعلومات الاستخبارية.


مرة أخرى، يحصد أردوغان ما زرع، لقد سخر مرارًا وتكرارًا من حلف شمال الأطلسى (الناتو) والولايات المتحدة والقادة الأوروبيين بعبارات انتخابية ساخرة، اشترى نظام دفاع جوى روسى بسبب اعتراضات أمريكية قوية، لقد عرّض حرب الغرب ضد الدولة الإسلامية للخطر من خلال شن حرب على الأكراد السوريين، وقد حاول تسليح أزمة اللاجئين السوريين لثنى الاتحاد الأوروبى على إرادته – ومن ثم الفوضى والبؤس الحاليين على الحدود اليونانية التركية، مما لا يثير الدهشة، أن المعارضة الداخلية تتزايد، بسبب المستنقع السورى.


مع اشتداد أزمة إدلب فى الأشهر الأخيرة، ادعى أردوغان أن هدفه الوحيد هو التمسك بهدنة جزئية فى 2018 ومنع تدفق اللاجئين الجماعى إلى تركيا، هذه أهداف معقولة، لكن تكتيكاته العدوانية والخطابة الغاضبة، كالعادة، أثبتت أنها تهزم نفسها بنفسها، قد لا يوجد قريباً مليون شخص من النازحين بسبب الجوع والفزع من سكان إدلب؛ نتيجة تقدم الأسد الذى لا يرحم.


التواضع فى تركيا ليس سببا للبهجة فى أوروبا والولايات المتحدة، إن ما تفعله هو التأكيد على مسؤوليتها – حتى الآن بطة مخجلة – للتدخل مباشرة فى أزمة إدلب لحماية المدنيين ووقف القتال، ومتابعة سلام أوسع، ترك الأمر إلى أردوغان لم ينجح أبدًا، لدى الديمقراطيات الغربية فرصة أخيرة لفعل الشىء الصحيح فى سوريا: تصنيع وتطبيق تسوية عادلة ودائمة – ونطلب من بوتين ومفجريه العودة إلى ديارهم.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة