د. غنيم خلال حواره للأخبار
د. غنيم خلال حواره للأخبار


حوار| العالم المصري محمد غنيم: لائحة قانون المستشفيات الجامعية أغفلت خصوصية مراكز التميز

حازم نصر

الجمعة، 06 مارس 2020 - 02:18 ص

- هل يعقل أن يكون مركز الكلى بعطائه وتفرده فرعاً لمستشفى جامعى؟!
- استقلالية مراكز المنصورة الطبية ضرورة حتمية


لم يتخلف لحظة عن مواصلة عطائه للوطن.. نهر أفكاره وخبرته ورؤاه لازال متدفقا يروى عقول الأطباء والعلماء والباحثين ويخفف من آلام وعلل المرضى البسطاء.. يشرف يوميا على أبحاثه بدأب ودقة ويطلع على أحدث ما وصل إليه العلم في كافة مناحيه.. يتابع كافة ألوان الثقافة والفنون بجانب اهتمامه بالشأن العام.. يرنو ببصره للمسقبل موقنا بأن التعليم والبحث العلمي هما أقصر الطرق لهذا المستقبل المأمول.. يدخل محرابه بمركزه الفريد بالمنصورة في مواعيده المعتادة دون أن يتخلف لحظة ليتعهده بالرعاية آملا أن يظل محافظا على تربعه على عرش المنظومة الطبية بالشرق الأوسط.

أزعجه بعض بنود اللائحة التنفيذية لقانون المستشفيات الجامعية الجديد حيث لم يتم مراعاة خصوصية مركز الكلى والمراكز المشابهة بجامعة المنصورة والتى تربعت على عرش الطب فى العالم العربى وأفريقيا وفقا للتصنيفات العالمية مطالبا بالحفاظ على خصوصيتها وتميزها بعدما أصبحت قبلة الباحثين عن الشفاء والتدريب والدراسة من أقطار شتى.. عالم مصر الكبير الدكتور محمد غنيم مؤسس مركز الكلى والمسالك البولية بجامعة المنصورة ورائد زراعة الكلى بالشرق الأوسط وعضو الهيئة الاستشارية العلمية لرئيس الجمهورية والذي يرصد في هذا الحوار تاريخ مركز الكلى وما قدمه للمنظومة الطبية والعلمية وأهمية الحفاظ عليه وعلى المراكز المثيلة.. فإلى الحوار.

- فى البداية قلت لعالمنا الكبير.. صدرت مؤخرا اللائحة التنفيذية لقانون المستشفيات الجامعية الجديد ولم تأخذ فى الاعتبار الوضع الخاص لمستشفيات جامعة المنصورة.. فكيف ترى تأثيرها على أهم المراكز الطبية بالشرق الأوسط وهو مركز الكلى؟
تتميز جامعة المنصورة بظاهرة فريدة لا توجد فى جامعة أخرى وهى إنشاء مراكز طبية متخصصة فى تخصصات عديدة وكان أولها إنشاء مركز الكلى والمسالك البولية والذى تم افتتاحه رسميا فى مايو 1983. وقد أنشئ المركز كوحدة ذات طابع خاص وذلك بموافقة مجلس الجامعة والمجلس الأعلى للجامعات. وبالفعل اللائحة لم تضع فى اعتبارها تلك الخصوصية.

- وهل تم عمل لائحة لمركز الكلى فى ذلك الوقت؟
أقرت إدارة الفتوى للتعليم والبحث العلمى والجامعات بمجلس الدولة استصدار لائحة داخلية مستقلة للمركز عن المستشفيات الجامعية وقررت عام 1983 أن مركز أمراض الكلى والمسالك البولية كيان قائم بذاته ولا يستقيم معه معاملته على أساس أنه قسم من أقسام مستشفى الجامعة.

وانتهت اللجنة الثانية بالإدارة لقسم الفتوى بالموافقة على اعتبار المركز وحدة ذات طابع خاص وأن للمركز استقلاله الفنى والمالى والإدارى عن المستشفى الجامعى بكلية الطب مع ما يترتب على ذلك من آثار.

- ومتى صدرت اللائحة؟
فى عام 1987 وافق مجلس جامعة المنصورة على اللائحة الداخلية للمركز وأقرت وزارة المالية هذه اللائحة كما وافق عليها الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة.

وترتب على ذلك أن أصبح مركز الكلى كيانا كاملا مستقلا له لائحته الخاصة وبه إدارات مستقلة للشئون المالية ولجنة لشئون العاملين وإدارة للشئون القانونية وإدارة هندسية وإدارة للتمريض وإدارة لشئون المعلومات وعلاج المرضى ووحدة حسابية مستقلة ولجنة للمشتريات الخارجية وله مجلس إدارة يدير شئونه ويتخذ القرارات التى يراها لازمة للحفاظ على الأداء بالمركز ومواصلة تميزه وهذا الكيان وهذه اللائحة أديا إلى نجاحات كبيرة فى مجالات العلاج والتدريب والبحث العلمى يشهد لها القاصى والدانى.

- وهل كان لتلك اللائحة دور فى النجاح المذهل الذى حققه المركز؟
أثمر العمل فى المركز فى إطار تلك المنظومة نتائج إيجابية يعلمها القاصى والدانى داخل مصر وخارجها سواء فى علاج المرضى أو تدريب الأطباء أو البحث العلمى.

- وهل امتد تأثير المركز إلى ما تم إنشاؤه من مراكز متخصصة بالجامعة فيما بعد؟
بالتأكيد.. فبعد التجربة الملهمة للمركز ونجاحه المبهر كان هناك حرص على إنشاء مراكز متخصصة فى باقى التخصصات الطبية.. كما أنه من اللافت للنظر أيضا أن إنشاء مراكز طبية متخصصة بطب المنصورة قد أسفر عن نتائج مذهلة وفقا للتقييم السنوى الصادر عن جامعة شنغهاى « وهو التصنيف الأهم والأشهر فى العالم « فوفقا لهذا التقييم فى مجال الطب الإكلينيكى تصدرت جامعة المنصورة الترتيب ليس على مستوى مصر فقط بل فى الدول العربية والأفريقية متساوية فى المركز الأول مع جامعة كيب تاون.

القانون واللائحة

- وماذا عن قانون المستشفيات الجامعية الجديد؟
المادة الأولى من هذا القانون مربكة بالفعل.. فقد اعتبرت الوحدات ذات الطابع الخاص المنشأة تحت مسمى «مستشفى» أو «مركز» أو «وحدة طبية» من بين المستشفيات الجامعية وبذا سلبتها استقلالها المالى والإدارى.

كما أنشأ هذا القانون فى مادته السابعة ما يعرف بمجلس إدارة المستشفيات الجامعية لإدارة المستشفى الجامعى علاوة على 7 مراكز متخصصة بجامعة المنصورة وثامنها فى الطريق وبذلك فهو يسلب تلك المراكز ومن بينها مركز الكلى مجالس إدارتها الخاصة بها المهيمنة على شئونها والتى ترسم سياستها.

- وهل أعطى هذا القانون مرونة فى إدارة تلك المستشفيات؟
ألزم القانون فى مادته التاسعة تعيين مدير تنفيذى للمستشفيات الجامعية ومن بينها تلك المراكز المتخصصة فكيف يتسنى لشخص واحد إدارة المستشفى الجامعى و7 مراكز متخصصة كبرى قد تفوق عدد الأسرة بها وكذا تجهيزاتها ما هو موجود بالمستشفى الجامعى.

- ألم تعالج اللائحة التنفيذية للقانون والتى صدرت مؤخرا هذا الوضع الخاص لمستشفيات جامعة المنصورة ومراكزها الطبية؟
هناك مادتان فى تلك اللائحة زادتا الطين بلة وهما 24 و26 فالمادة 24 والتى تنص على: أن يكون لكل مستشفى جامعى مدير يعمل على توفير الخدمات العلاجية وتحقيق الكفاية فى انجاز هذه الخدمات والمادة 26 تنص على: على أن يكون لكل مستشفى جامعى فرعى لجنة إدارية تنفيذية وبالتالى فإن اللائحة التنفيذية كرست للهيمنة على تلك المراكز.

مستقبل المركز

- وهل من المعقول أن يكون مركز الكلى والمسالك أهم المراكز العالمية فى ظل هذا القانون مستشفى فرعى؟
هذا هو السؤال الأهم. فالمركز بتاريخه الممتد لـ37 عاما وانجازاته غير المنكورة هل يصنف على أنه مستشفى جامعى مستقل؟ّ! أم يصنف على أنه مستشفى فرعى؟! وإذا كان مستشفى فرعيا.. فسيكون فرعيا لمن؟!

- إذن فما هو الحل من وجهة نظركم؟
الحل واضح ومحدد وهو حتمية الحفاظ على استمرار استقلال المركز بلوائحه ونظامه وعدم العبث بها وكذا الحفاظ على استقلال المراكز المثيلة المتميزة بالجامعة وأن يتم تطبيق القانون الجديد على المستشفيات الجامعية ومراعاة خصوصية تجربة المنصورة الفريدة فى إنشاء تلك المراكز والتى كانت بالتأكيد وراء تصدر كلية الطب بالجامعة للمجال الطبى على مستوى العالم العربى وافريقيا ـ كما سبق وأوضحنا ـ فالأمر أصبح مستقرا فى تلك المراكز ونخشى أن التغيير فيه يكون له تداعيات سلبية.

- وما الذى حققه مركز الكلى طوال تلك الفترة على المستوى العلمى؟
المركز حقق فى هذا المجال انجازا فريدا كان محل تقدير الجامعات ومراكز البحوث والمؤسسات الطبية العالمية فقد نشر أساتذة المركز 1332 بحثا فى مجلات علمية عالمية مفهرسة وهى أبحاث هامة كانت مصدرا لأكثر الاستشهادات العلمية وكان للمركز السبق فى النشر العالمى فى هذا الصدد بهذا الزخم.

علاوة على المشاركة فى 487 بحثا مع أساتذة بكبريات الجامعات والمراكز البحثية الأخرى تم نشرها أيضا بمجلات علمية عالمية مفهرسة.

كما حصل أساتذة المركز على كل جوائز الدولة بدءا من جائزة الدولة التشجيعية مرورا بجائزة الدولة للتفوق وجائزة الدولة التقديرية وجائزة النيل «أرفع جوائز الدولة» هذا علاوة على الجوائز العالمية الهامة العديدة وكذا التكريم فى الكثير من المحافل العالمية.

- وهل تمكن المركز من نقل خبرته لخارج أسواره؟
لم يتوقف عطاء المركز على إتاحة كل فرص التدريب وصقل مواهب وقدرات العاملين به.. فهذه سياسة ثابتة للمركز.. بل تخطاه للقيام بدور هام وحيوى يتمثل فى تدريب الأطباء من داخل مصر وخارجها من خلال الدورات التدريبية المتخصصة التى ينظمها المركز للأطباء فى هذا الصدد.

وقد تم بالفعل تدريب أطباء من مختلف القارات والدول داخل المركز حيث بلغ عدد الجنسيات التى تم تدريبها داخل المركز أطباء من 56 دولة بينهم أطباء من أمريكا واليابان وانجلترا وإيطاليا وروسيا علاوة على الأطباء العرب والأفارقة والآسويين وهى دورات متميزة وكان لها تأثير كبير فى ترسيخ قوة المركز الناعمة.

- وماذا عما قدمه المركز فى مجال علاج المرضى؟
دور المركز فى علاج المرضى لا يحتاج لتوضيح فالكل يعلم ما قام به فى هذا المجال. فالمركز يستقبل بالعيادة الخارجية أكثر من 230 ألف مريض سنويًا وحرص المرضى من داخل مصر وخارجها على العلاج داخل المركز فهو أكبر دليل على ما يقدمه للمرضى وهو ما يلقى بالمزيد من الأعباء والمسئولية على العاملين به.. كما أن هناك أكثر من 13 ألف مريض من المترددين على العيادات الخارجية يتم إجراء عمليات لهم معظمها معقدة بالأقسام الداخلية.

كما أن العلاج المجانى هو السمة الغالبة على معظم المرضى الذين يعالجون بالمركز حيث تبلغ نسبتهم حوالى 86 %.. وقد زاد عدد المرضى الذين أجريت لهم جراحات داخل المركز منذ افتتاحه حتى الآن 218 ألفا و190 بينهم 3120 مريضا أجريت لهم عمليات زرع كلى و6842 حالة استئصال مثانة وذلك على سبيل المثال لا الحصر.

فالمركز يجرى عمليات زرع الكلى وأورام المسالك البولية ومناظير المسالك البولية وجراحات المسالك للأطفال وجراحات أمراض المسالك البولية عند النساء ومناظير البروستاتا كما يوجد بالمركز قسم خاص للفشل الكلوى وغسيل الكلى.
فالمركز يعد مشروعا مصريا حضاريا انتقل بمصر للآفاق العالمية فى المجال الطبى.

كما أنه كان أولى المؤسسات الصحية المتخصصة والمتكاملة فى مصر التى تجمع بين أداء الخدمات فى مكان واحد من خلال تبنى فلسفة التكامل بين مختلف الأنشطة التى تقوم بها وهى الخدمات الصحية والعلاجية والبحثية والتعليمية والتدريبية.

- وهل نجح مبنى (F) ومجمع العيادات الخارجية وفرع سمنود فى استكمال رسالة المركز؟
مبنى (f) كان أول امتداد للمركز وتم افتتاحه عام 1999 وبالتأكيد كان ضرورة حيوية للمركز فى ذلك الوقت وأصبح أحد أهم مكونات المركز وفروعه.

ويضم المبنى «وحدة جهاز الرنين المغناطيسى MRI ووحدة ديناميكية التبول ووحدة فحص البروستاتا وجهاز تفتيت الحصوات وقسم داخلى للأطفال وقسم داخلى لمرضى الكلى وجناح عمليات الأطفال ومكاتب الأطباء وقاعة اجتماعات».

أما مبنى مجمع العيادات الخارجية للمركز فقد تم افتتاحه عام 2009 ومنذ هذا التاريخ وهو يقدم خدماته للمرضى على مستوى الجمهورية.

ويضم المبنى عيادات لمرضى الكلى ومرضى المسالك البولية ويقدم كافة الخدمات التى يحتاجها المرضى من أشعات وتحاليل وكذلك يحتوى على وحدة ديناميكية التبول ووحدة خاصة لأمراض البروستاتا ووحدة كاملة لغسيل الكلى بها 28 جهازا ووحدة للعلاج الكيميائى لمرضى الأورام.. أما فرع منية سمنود للكلى والمسالك البولية فهو مستشفى فرعى من المركز بناحية منية سمنود تم تصميمه واعداده وتجهيزه بما يتلاءم مع المستوى والشكل الحضارى الذى يتميز به المركز الرئيسى وتم افتتاحه عام 2003.. ويتكون الفرع من أربعة طوابق ويضم جناحا للعمليات يشتمل على غرفتين للعمليات الجراحية وصالة للإفاقة بها 4 أسرة مجهزة وقسم العناية المركزة وصالة للتعقيم المركزى وجناحا ثانيا للغسيل الكلوى يحتوى على تسع وحدات غسيل كلوى.. كما يضم الأقسام الداخلية للمرضى والتى تحتوى على 40 سريرًا.. والعيادة الخارجية مكونة من 4 غرف لفحص المرضى، وأقسام المعامل والصيدلية والأشعة التشخيصية وذلك علاوة على أقسام الخدمات المعاونة (محطة المياه ومحطة المعالجة والمطابخ والمغاسل ومولدات الكهرباء ومحطة الصرف الصحى) وأصبح أيضا أحد الفروع الهامة للمركز.

مؤسسة غير رسمية

- وهل الموازنة قادرة على القيام بكل تلك الأعباء؟
المركز مؤسسة غير ربحية لذا فهناك عجز فى النفقات على احتياجاته من شراء الأدوية والأجهزة والمستلزمات الطبية وغيرها نظرا لأن حوالى 86 % من المرضى يتم علاجهم بالمجان مما يسبب عبئا على المركز من حيث النفقات.. فالمريض لا يدفع سوى تذكرة العيادة الخارجية وهى جنيه واحد فى حين تكلفة عملية الزرع على سبيل المثال تتراوح من 70 إلى 100 ألف جنيه والتأمين الصحى يغطى جانبا محدودا منها.

والمريض تتم متابعة حالته حتى بعد العملية فمريض زرع الكلى يتم تقديم العلاج والعقاقير المثبطة له رغم أنها ذات كلفة عالية لأنها مستوردة من الخارج.

ويتم صرف هذه العقاقير أحياناً بصور مجانية مدى الحياة رغم أن كلفتها عالية قد تصل إلى الآلاف شهرياً ولأن سياسة المركز واضحة وصارمة فى العلاج حيث يعطى أولوية للمرضى الأطفال أو الحالات الخطيرة فى زرع الكلى وهذا يتم بشفافية كاملة.

لذا فإن ثقة المجتمع بالمركز والقائمين عليه تمثل أهم الضمانات لاستمرار التبرعات التى لا تزال تمثل أحد موارد المركز.. أخيرا لا يمكن لهذا المركز أن يكون فرعا بل هو مستشفى جامعى متكامل له فروع يعمل بلائحة مستقرة منذ أكثر من 30 عاما وحقق كل تلك الانجازات على جميع المستويات محليا وعالميا.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة