أثيوبيا في مواجهة الحسم الأمريكي
أثيوبيا في مواجهة الحسم الأمريكي


مفاوضات سد النهضة| أثيوبيا في مواجهة الحسم الأمريكي

بوابة أخبار اليوم

السبت، 07 مارس 2020 - 02:48 ص

دراسة: محمود سلامة

 

خمس سنوات مرت منذ توقيع اتفاق المبادئ بين كل من مصر وإثيوبيا والسودان فى 23 مارس 2015، دون الوصول إلى اتفاق نهائي، وحتى بعد أربعة أشهر من الوساطة الأمريكية والبنك الدولى وبعد إعداد الاتفاق النهائى للتوقيع عليه بنهاية فبراير المنقضي، فاجأت إثيوبيا الجميع بعدم الذهاب إلى واشنطن فى الجولة الأخيرة مبررة ذلك أنها بحاجة لمزيد من الوقت لدراسة بنود الاتفاق، فهل كانت البنود غير واضحة للوفد الإثيوبى المشارك فى المفاوضات أم أن هناك نية خبيثة هى رفض أى اتفاق يحافظ على مصالح دولتى المصب؟


شهدت المفاوضات الثلاثية حول السد الإثيوبى مرحلة من العشوائية إلى أن وقع الرئيس عبدالفتاح السيسى ونظيره السودانى ورئيس وزراء إثيوبيا فى العاصمة السودانية الخرطوم وثيقة «إعلان مبادئ سد النهضة» فى مارس 2015، والذى مثّل نقطة تحول فى مسار المفاوضات، حيث تضمنت الوثيقة عشرة مبادئ أساسية لا تختلف عن القواعد العامة للقانون الدولى الحاكمة للتعامل مع الأنهار الدولية، وبنهاية 2015، وقع وزراء خارجية الدول الثلاث على «وثيقة الخرطوم» التى أكدت على اتفاق إعلان المبادئ، وتم تكليف مكتبين فرنسيين لتنفيذ الدراسات الفنية الخاصة بالمشروع بعد انسحاب المكتب الهولندى لعدم وجود ضمانات لإجراء الدراسات بحيادية.


وبمرور الوقت، بات موقف الجانب الإثيوبى واضحاً، حيث لم تحرز الدول الثلاث تقدماً يُذكر على مسار التفاوض لمدة عامين، وهو ما دفع مصر لاقتراح مشاركة البنك الدولى فى أعمال اللجنة الثلاثية بنهاية 2017، الأمر الذى قابلته إثيوبيا بالرفض تأكيداً على اتباعها سياسة المماطلة لتستمر المفاوضات ويستمر مسلسل عدم الوصول إلى اتفاق مع تزايد حدة التصريحات بين الجانبين المصرى والإثيوبي، والتى بلغت ذروتها عندما صرح «آبى أحمد» بأن بلاده قادرة على حشد الملايين فى حالة حدوث حرب وأنه لا توجد قوة تستطيع منع بلاده من بناء السد فى أكتوبر 2019.


الوساطة الأمريكية


فى نوفمبر 2019، استجابت الإدارة الأمريكية لطلب الرئيس السيسى أن تتدخل كوسيط فى المفاوضات، من منطلق العلاقة الجيدة بين الولايات المتحدة والبلدين،  لتستضيف واشنطن ممثلى الدول الثلاث بوجود وزير الخزانة الأمريكية ورئيس البنك الدولى فى اجتماع مشترك أعقبه بيان يوضح المدى الزمنى لعقد أربعة اجتماعات فنية على مستوى وزراء الموارد المائية يحضرها ممثلو الولايات المتحدة والبنك الدولي، على أن تنتهى هذه الاجتماعات بالتوصل إلى اتفاق حول ملء وتشغيل السد بحلول منتصف يناير 2020، وهو ما لم يحدث فى النهاية، حيث تم مد أجل التوقيع على اتفاق نهائى إلى نهاية فبراير 2020. فبعد أن انتهت الاجتماعات الفنية الأربعة التى تخللها اجتماع تقييمى فى واشنطن، أسفرت المفاوضات عن توافق مبدئى على إعداد خارطة طريق تتضمن ستة بنود أهمها تنظيم ملء السد خلال فترات الجفاف والجفاف الممتد، فى حين ظلت بعض النقاط الخاصة بآلية تشغيل السد وتسوية المنازعات عالقة. واضطرت جميع الأطراف إلى عقد اجتماعات مرة أخرى بنهاية يناير ومنتصف فبراير من أجل التوصل إلى توافق بين الدول الثلاث على النقاط العالقة بعد أن كان مقرراً الانتهاء منها منتصف يناير، وانتهى الاجتماع الثانى منتصف فبراير إلى الخروج بوثيقة وصفتها الخزانة الأمريكية بأنها عادلة وتراعى مصالح الأطراف الثلاثة، وتعامل المفاوض المصرى معها بنفس مفهوم الوسيط الأمريكى ووقع بالموافقة بالحروف الأولى ليعبر بذلك عن اقتناعه ببنود الاتفاق، وتقديره للدور الذى لعبته الولايات المتحدة والبنك الدولي، وهو ما أكدت عليه بيانات الخارجية المصرية فيما بعد.


التزم ممثلو وزارة الخزانة الأمريكية والبنك الدولى بدورهم المحايد أثناء سير المفاوضات، حيث اشتركوا فى الاجتماعات الفنية الأربعة كمراقبين دون تدخل أو توجيه لأى طرف، كما التزموا بالمدى الزمنى المحدد للمفاوضات بعد أن حاول الإثيوبيون التأثير على «ستيفن منوتشن» وزير الخزانة الأمريكى لتأجيل التوقيع النهائى منذ منتصف فبراير بحجة أنهم فى حاجة لمزيد من الوقت لإعادة التفكير فى بنود الاتفاق، ولكن الوزير الأمريكى رفض ذلك وأكد على الالتزام بالخطة الزمنية المعدة مسبقاً، وعندما لم يستجب لمطالبهم، قرروا عدم الذهاب إلى واشنطن أو التوقيع على الاتفاق بالرغم من وجود الوفدين المصرى والسودانى هناك للتوقيع.  وبالرغم من الضغط الإثيوبى على الوسيط الأمريكى المتمثل فى تبنى خطاب إعلامى واسع فى أديس أبابا يشكك فى نزاهة الوسيط الأمريكي، ورعاية السفارة الإثيوبية فى واشنطن خروج عشرات المتظاهرين الإثيوبيين فى واشنطن للتنديد بالضغط الأمريكى على إثيوبيا لقبول اتفاق ضد مصالحها - كما يدعى المفاوض الإثيوبي، وصدور بيانات رسمية تشير إلى انحياز الوسيط الأمريكى للمقترحات والمصالح المصرية على حساب المصالح الإثيوبية، كان البيان الذى أصدرته وزارة الخزانة الأمريكية نهاية فبراير واضحاً فيما يتعلق بعدم البدء فى ملء خزان السد دون التوقيع على الاتفاق، وهو ما تنص عليه المادة الخامسة من اتفاق إعلان المبادئ بين الدول الثلاث، بما يؤكد حيادية الوساطة الأمريكية.


مراوغات إثيوبيا


الجدير بالذكر أن بعض المحللين فى الولايات المتحدة كانوا قد ربطوا بين توقيع إثيوبيا على الاتفاق الخاص بسد النهضة وبين المساعدات التى تقدمها الولايات المتحدة لها، والتى تخطت 600 مليون دولار العام الماضي، فى إشارة إلى أن عدم التوقيع يعنى التأثير على المساعدات بشكل أو بآخر، فى حين أن حجم المكاسب الإثيوبية من تشغيل منظومة السدود الجديدة بالكامل بما فيها السدود على نهر أومو وسد النهضة سوف تصل إلى مليار دولار بحلول 2023، ما يعنى أن ما ستجنيه إثيوبيا من كهرباء السد بعد ثلاثة أعوام من الآن، يمكن أن تفقد جزءاً كبيراً منه إذا قللت الولايات المتحدة حجم المساعدات إليها، كما أنها بعدم توقيعها الاتفاق تكون قد خسرت حليفاً قوياً وهو الولايات المتحدة الأمريكية.


وفى تأكيد آخر على إصرار الولايات المتحدة على إنهاء أزمة السد الإثيوبي، تلقى الرئيس السيسى اتصالاً هاتفياً -فى الثالث من مارس الجاري- من الرئيس الأمريكى تباحثا خلاله تطورات هذا الملف، وأكد «ترامب» استمرار الإدارة الأمريكية فى بذل الجهود الدؤوبة والتنسيق مع مصر والسودان وإثيوبيا، بشأن هذا الملف الحيوي، وصولاً إلى انتهاء الدول الثلاثة من التوقيع على الاتفاق النهائي، كما عبّر عن تقديره لتوقيع مصر بالأحرف الأولى على الاتفاق، فى إشارة إلى تثمين الولايات المتحدة للموقف المصرى المؤيد للحلول السلمية الذى رسخته السياسة الخارجية المصرية إبان ثورة 30 يونيو. ترتيباً على ما سبق، لا يمكن القول إن الوسيط الأمريكى ينحاز إلى الطرف المصرى فى مفاوضات السد، ولكن على الأقل لا يقف ضده، فما تم الإعلان عنه من الاتفاق النهائى إلى الآن يتسق مع بنود «إعلان المبادئ» بين الدول الثلاث والمبادئ العامة للقانون الدولى المنظمة لاستغلال الأنهار الدولية، ولكن يبقى التحدى الأبرز أمام الولايات المتحدة فى الفترة القادمة مدى قدرتها على إقناع الجانب الإثيوبى بالتخلى عن التعنت وإظهار مرونة أكبر فيما يتعلق بنقاط الخلاف.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة