عبدالله البقالى
عبدالله البقالى


حينما تكشف المعالجة عـن حجم النفاق

حديث الأسبوع

بوابة أخبار اليوم

السبت، 14 مارس 2020 - 06:41 م

عبدالله البقالى

لا تكفى الشعارات والوعود لمواجهة ظاهرة عالمية وكونية بالغة التعقيد فى حجم الهجرة، ولن تنفع برامج محدودة الآثار فى القضاء على الأسباب التى مكنت هذه الظاهرة من التضخم والاستفحال والتعقيد، بل إن قضية كبرى فى حجم الهجرة فى العالم، كانت ولا تزال تستوجب إعمال مقاربة جديدة مختلفة تمامًا عما هو رائج ومعمول به لحد الآن. والحقيقة أن المجتمع الدولى لم يبد إلى حدود اليوم إرادة واضحة وصادقة فى التصدى لهذه الظاهرة التى تسببت عدة عوامل سياسية واجتماعية واقتصادية فى تحويلها إلى إشكالية من الإشكاليات المستعصية على المعالجة. ولمتجسد هذه الإرادة ببرامج عمل حقيقية تنفذ إلى عمق القضية بجيل جديد من المعالجات، بل إن هذا المجتمع الدولى لا يزال ينتج نفس الأسباب، وأكثر منها، والتى تمثل تربة صالحة لاستنبات أجيال من الإشكاليات المستجدة فى هذا الشأن. فالحروب ازدادت اشتعالا فى العديد من مناطق العالم، وإن كانت بعض هذه الحروب ذات أبعاد وخلفيات تتعلق بالإرهاب، فإن كثيرا منها حروب مصالح اقتصادية واستراتيجية بين قوى إقليمية ودولية، ولا تزال هذه الحروب التى تزداد عنفا ودمارا تلقى بالملايين من المواطنين المدنيين، الذين كانوا ينعمون فى أجواء الاستقرار والطمأنينة، فى موجات هروب من مواجهة التقتيل والتخريب، عبر هجرة مجهولة المصير مفتوحة على جميع المخاطر. ولا يزال النظام الاقتصادى العالمى الظالم يفرز، وبوتيرة أكثر سرعة، تداعيات سلبية خطيرة على الأوضاع الاجتماعية فى العديد من مناطق العالم، خصوصًا بالنسبة لدول فقيرة وأخرى ذات موارد اقتصادية محدودة، حيث تتشكل هذه التداعيات فى نزوح عشرات الملايين من الأشخاص هروبًا من واقع مأساوى، باحثين عن ضمان حدود دنيا من العيش الكريم، مما يلقى بهم فى مغامرات محفوفة بكثير من المخاطر فى جحافل هجرات مجهولة المصير.
لهذه الأسباب وغيرها كثير، فإن الظاهرة فى تنام مطرد مما يزيد من حدتها ومن تعقيداتها، وهكذا وبحسب المعلومات التى جمعها (مركز تحليل البيانات العالمية حول الهجرة)، لدى منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة، فإن أعداد المهاجرين فى العالم ارتفعت بنسبة قوية جدا وصلت إلى 49 بالمائة خلال الفترة الممتدة من سنة 2000 إلى سنة 2017، ذلك أن مجموع المهاجرين فى العالم لم يكن يتجاوز سنة 2000 ما مجموعه 173 مليون مهاجر، وانتقل فى نهاية سنة 2005 إلى 191 مليون شخص، ليقفز خلال السنة الفارطة إلى أكثر من 258 مليون شخص، وهى زيادة تعكس ارتفاع منسوب الاحتقان السياسى والاقتصادى فى علاقات دولية لم تجنح يوما إلى الاستقرار وإلى التهدئة، بما يتيح تحقيق استقرار عالمي، وهى الخلاصة التى تبناها كثير من الخبراء العالميين فى قضايا الهجرة، حينما أكدوا أن «ارتفاع نسبة المهاجرين فى العالم إلى هذا الرقم يشكل صدمة لدى البعض، لكن تحليل كم الصراعات والحروب فى العالم منذ مطلع الألفية الثانية يكون هذا الرقم، على الأقل، مبررًا، وإن كان غير مقبول»، وهذا يعنى أن ارتفاع مؤشرات الهجرة ومعدلاتها كان ولا يزال مرتبطا أشد الارتباط بعوامل اللا استقرار التى تسود فى العالم المعاصر، حيث تجثم أجواء الحروب والفتن والتقاتل والتقتيل الإرهابى على أنفاس المجتمع الدولي، ودائما فإن الصغار هم الذين يدفعون فاتورة تردى الأوضاع فى الكون، أما الكبار فإن ثرواتهم تتضخم وتزداد بتكاثر الكوارث والمآسى فى العالم.
قد تكون نسبة المهاجرين من مجموع سكان العالم لا تدعو إلى القلق لحد الآن، فوفقا لتقرير الأمم المتحدة نفسه، فإن نسبة المهاجرين من مجموع سكان العالم لا تتعدى 3،5 بالمائة، بما يعنى أن الغالبية الساحقة من سكان المعمور تنعم باستقرار كامل ومطلق، أو هكذا يبدو الوضع على الأقل، ولكن هذه النسبة لا تعكس الحقيقة كما هى فى هذه القضية البالغة التعقيد، لأن تقلص هذه النسبة يبقى مرتبطا أشد الارتباط بإجراءات المنع والتضييق والمحاصرة، التى تهدف إلى خنق الهجرة والتصدى لها، خصوصًا بعد وصول طبقة سياسية جديدة إلى الحكم فى العديد من أقطار العالم، فى الولايات المتحدة الأمريكية وفى أوروبا، وفى غيرهما من مناطق العالم تنتمى إلى اليمين واليمين المتطرف، وتتأسس إيديولوجيتها على معاداة قيم الديموقراطية وحقوق الإنسان، وإلغاء الآخر ورفض التعامل معه أو استقباله. وهى إيديولوجيا تنقل قضية الهجرة من سياقها الإنسانى الطبيعي، الذى يضمن حق الشخص فى التمتع بحريته فى التنقل، ومن هويتها الحضارية التى تكفل التعايش والتكافل بين بنى البشر، بغض النظر عن عرقهم أو ديانتهم أو لونهم أو انتمائهم الجغرافي، إلى سياقات أخرى تتميز بالصدام وبالمواجهة، ناهيك عن أن بلدانا كثيرة، وتكتلات دول متعددة خصوصًا فى القارة العجوز ترصد مبالغ مالية هائلة وضخمة للتصدى لظاهرة الهجرة، وإذا ما كانت قد خصصت نفس المبالغ بهدف مساعدة الدول المصدرة للهجرة لتسريع وتيرة التنمية بها، بما يكفل تحسين الأحوال المعيشية لسكانها، وإذا كانت قد رصدت تلك الأموال للوساطة والتحكيم لإطفاء لهيب حروب مصالح ضارية، ما كانت لتحتاج أصلا إلى مواجهة ظاهرة الهجرة المؤرقة. وليس غريبًا فى هذا الصدد أن تبين المعطيات المتضمنة فى تقرير المنظمة الدولية للهجرة، أن جهات معينة هى التى كانت ولا تزال تعتبر الوجهة المفضلة للمهاجرين من مختلف أنواعهم، حيث تصدرت دول القارة الأوروبية لائحة المناطق المفضلة للهجرة باستقبالها خلال الخمس عشرة سنة الماضية حوالى 89 مليون مهاجر، تليها الولايات المتحدة الأمريكية بـ 51 مليون مهاجر.
إذن، فى الوقت الذى يدعى فيه المجتمع الدولى بمنسوب عال من النفاق بذله جهودًا كبيرة لضمان معالجة عادلة لقضية الهجرة فى العالم، فإن الإحصائيات والمعطيات المتعلقة بهذه الظاهرة تؤكد أن جميع مؤشراتها تتجه نحو التردى فى اتجاه الاستفحال، بما يعنى ذلك من ارتفاع حجم وتكلفة التداعيات المترتبة على ذلك.
< نقيب الصحافيين المغاربة

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة