المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة
المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة


حماية المجتمع من الشائعات في دراسة جديدة للمستشار محمد خفاجي

شريف سلام

الأربعاء، 18 مارس 2020 - 10:47 ص

الشائعات من أخطر الأسلحة المدمرة على كيان المجتمعات, وقد أثرت في بعض الدول التى تفككت بفعلها وسريانها بين الناس خاصة وأن ترويج الشائعات فى العصر الحالى يستغل التقدم التكنولوجى في وسائل الاتصال , وقد تحدث الرئيس عبد الفتاح السيسى عن خطر الشائعات على المجتمعات في أكثر من مناسبة وكان يجب على الباحثين دراسة الظاهرة من النواحى الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والقانونية  لحماية المجتمع من شرورها  

و قد أجرى المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة المعروف بأبحاثه الوطنية بعنوان : "الحماية القانونية للمجتمع من بث الشائعات والأخبار الكاذبة وتأثيرها على الأمن القومى . دراسة تحليلية  في ضوء الحفاظ على النسق القيمى والبناء الاجتماعى وحماية الأمن القومى واستراتيجية المواجهة للقضاء على الشائعات "

يقول الدكتور محمد خفاجى إن المعلومات والبيانات والإحصاءات ملك للشعب وهو حق دستورى بموجب المادة 68 من الدستور والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة حق تكفله الدولة لكل مواطن , وتلتزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية , وينظم القانون ضوابط الحصول عليها وإتاحتها وسريتها بل والتظلم من رفض إعطائها , كما جعل المشرع الدستورى حجب المعلومات أو إعطاء معلومات مغلوطة عمدا جريمة جنائية يتناولها المشرع بالتنظيم .

ويضيف أنه ينبغى التأكيد على الدور الحيوى لقنوات الاتصال الرسمية في الوزارات والمصالح الحكومية في توفير ونشر المعلومات عن كافة ما يثار من شائعات , ولكن في بعض الأحداث قد لا تقدم المعلومات الكافية في حينها أو تحجب بعض الوقت أو التقطير فيها  لأى سبب , وفي هذه الحالة يفقد المسئولون قدرتهم علي القيام بوظيفتهم علي الوجه الأمثل وينجم عنه خللا وظيفيا في البناء الاجتماعي , نتيجة غياب توفير المعلومة التي تفسر الوقائع محل الشائعة  .

و أوضح الدكتور محمد خفاجى أن تكاتف وسائل الإعلام المختلفة بات من الأمور المسلمة للحفاظ على المجتمعات من التدهور والانهيار , فيقومون بعرض الحقائق في حينها وقبل استفحالها ,  وبقصد تدعيم روابط الثقة بين المواطنين والدولة وتنمية الوعي العام والعمل على تحصينه ضد وباء الشائعات ومصر ذاخرة بالكفاءات الإعلامية القادرة على القيام بهذا الدور المهنى والوطنى , وهذا يتطلب  تتتبع أثر الشائعة والوصول إلي جذورها بعد توفير البيانات الصحيحة من الوزارات المختلفة والمصالح الحكومية ,  واستضافة أهل العلم والخبرة للعمل علي رفع مستوى الأفراد الثقافي والمعرفي والنقدى لأن الشائعة لا تجد مصيرها سوى  لروادها الذين يتصفون بالإيحاء السريع .

وأنه يجب التمعن في أن الشائعة ليست من صنع شخص وحيد  يحتكرها بمفرده , وإنما يتشارك في بثها  ونشرها مجموعة من الأشخاص , وأن  الدورة الزمنية لبقاء الشائعة على قيد التواصل ترتبط بمدي أهميتها لأفراد المجتمع أو قطاع كبير منهم خاصة في حالات الكوارث الطبيعية والأوبئة والأمراض المعدية مثل وباء كورونا يدفع الناس إلي تناوله في  أنشطتهم اليومية وأغلبهم يعتمد فى الشائعة على الفزع والرعب فى قلوب الناس , وعلى الإعلام دور كبير للتصدى لظاهرة الشائعات لاتصاله بالجماهير مباشرة  فيتولى كشفها وبيان حقيقتها غير المشروعة للمشاهدين.

و أشارالدكتور محمد خفاجى الى إن التصدي للشائعات ليس بالأمر الهين وليس طريقة ارتجالية تترك لمحض الأحداث والصدف , وإنما هو عمل مركب معقد يعتمد على عدة عوامل متشابكة يجب مواجهتها من جهة ذات خبرة تكون قادرة للتعامل معها  , لذا أنادى بإنشاء مجلس قومى متخصص للمواجهة الوقائية للشائعات من عناصر متنوعة من عدة أجهزة ذات الصلة تمتاز بالخبرة والذكاء للتعامل المجتمعى في جميع المجالات التى تتصل بمصالح الدولة العليا و تكون مهمته رصد الشائعات في وقت بثها أو قبيل بثها  من كافة وجوهها الشكلية والموضوعية وبيان مصادرها الأصلية والمتتابعة ثم يتولى تحليلها من عدة جوانب أهمها مصادر بثها وتحديد أسبابها ودوافعها والغرض منها وجمهور المخاطبين بها , ثم عرض سبل مواجهتها لوأدها في مهدها بالحقائق والأدلة والبراهين ثم كشف الحقيقة أمام الرأى العام .

و طالب الدكتور خفاجى  أن يتم دراسة طبائع نفوس جمهور متلقى الشائعات  خاصة من رواد أهم وسائل التواصل الاجتماعى    Face book و Twitter    لانتشارها عليها بصورة  موسعة وسريعة , وهم على ثلاثة أنواع : الأول ضعاف الوعى والمعرفة وهم الذين يتلقون الشائعات دونما ثمة تحليل أو فحص أو تمحيص . والثاني المروجون للشائعات وهم الذين يقومون ببثها ونشرها في المجتمع فى صفحاتهم الشخصية عن عمد ونية , والثالث المواجهون للشائعات , وهم الذين يمتازون بالعقلانية والوعى والوطنية , وأصحاب هذا النوع الأخير يقومون بإجراء التحليل المعقول للشائعة بقصد معرفة حقيقتها والوقوف على مصداقيتها . ومن الخطورة بمكان أن يلتقى الجهلاء مع مروجي الشائعات لأنه بجهلهم يتحولون إلي مروجين للشائعة عن طريق انقيادهم للمروجين الأصليين , لأن الشائعات تتصف بالتغير والاضافة و فالشائعة بطبيعتها تتصف بالديناميكية , فموضوعات الشائعة يتم تغييرها لتصبح أكثر إثارة في كل مرة تنتقل من فرد إلي أخر حسبما يضيف من خيالاته وأغراضه.  

و يؤكد الدكتور محمد خفاجى على أنه ينبغى أن نشير إلى أن  الشائعات تزايدت مع اتساع رقعة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي من واتس آب, وتوتير وفيس بوك, وقنوات اليوتيوب , ويمكن القول بأن  التواصل الاجتماعي غيرت من طبيعة الشائعة وطرق بثها وتداولها ومدى انتشارها وقوة سرعتها , فبعد أن كانت الشائعة في صورتها التقليدية تنتشر عن طريق السمع أصبحت تتناقل عن طريق النظر والمشاهدة والقراءة أيضاً . وهو ما يتطلب معه إبراز الدور الفاعل للإعلام للحد من  سرعة انتشار الشائعات عن طريق امداد الإعلام بالحقائق فى حينها للقضاء عليها , لذا فإن العمل على خلق ثقافة الوعى وتنميتها هي التي تمكن الشعب من مواجهتها  بالرفض بدلا من التصديق .

يقول الدكتور محمد خفاجى أنه لا ريب أن من يبث الشائعات  يستغل ضعف الوعي لدى بعض  أفراد المجتمع واستعدادهم للانقياد والانسياق لسرعة انتشار الشائعة , مما يقتضى تبنى استراتيجية موجهة لزيادة وعي أفراد المجتمع والعمل على نشر ثقافة النقد الموضوعى فيما بينهم بالالتزام بالموضوعية واَداب الحوار واحترام الرأى والرأي الأخر , للوصول إلى خلق جمهور واع ومحلل وناقد بموضوعية وشفافية . مع ملاحظة هامة تتعلق بالعلاقة الطردية بين الشائعة ونسبة انتشارها , إذ تقوم على عنصرين هما الأهمية والغموض, فكلما زادت الأهمية وكان الخبر مثيراً للجدل وشديد الغموض انتشرت الشائعة  في المجتمع حتى ولو كان المجتمع أكثر وعيا مما يتطلب ايضاح الحقائق في الوقت المناسب حول الموضوعات الهامة محل الشائعة .

كما إن مروجى الشائعات يستغلون بعض القصور في أداء الخدمات أو قصور في اَداء المسئولين أنفسهم , فيعمدون لنشر الشائعة المغرضة والمثيرة لغضب المواطنين بقصد نشر البلبلة في المجتمع , والتقليل من أهمية الانجازات التي حققتها الدولة خاصة في مشروعاتها القومية , وتهميش اَداء بعض الوزراء  في الوزارات الخدمية المتصلة مباشرة بالجماهير مثل مرافق الأمن والتعليم والصحة والأوقاف وغيرها ومن ثم يكثر بث الشائعة حول القائمين على تلك المرافق بها, وهو ما يفرض على القائمين عليها التصدي لوقف نزيف الشائعات فور صدورها والحيلولة دون السماح لأفراد المجتمع في بثها ونشرها بصدور تصريحات إعلامية تتميز بالوضوح والدقة والبراهين والأدلة بما  يؤدى إلى وأد الشائعة وهى مازالت في مهدها  , والحقيقة أن تلك المرافق قطعت مراحل متقدمة لمواجهة الشائعات وعلى قمتها مرفق الأمن الذى يحمل على لوائه العبء الأكبر فى التصدى للشائعات باحترافية كبيرة , كما أن مرفق الأوقاف قد انتهج نهجا جديدا متسارع الخطى لمواجهة الشائعات الدينية التى تعد من أخطر الأسلحة النفسية فى يد الجماعة الإرهابية .

مضيفا أن الشائعات غرضها خبيث لا يهدف إلي المصلحة العامة  وتعتمد الشائعة على  استغلال بعض نقاط الضعف في المجتمع من مظاهر سلبية حتى لصغار الموظفين في أداء الخدمات وكذلك لبعض صور البطالة وحالات الفقر وهو ما يستنهض همة المسئولين في مواجهتها  والتصدي لها بالمعلومات الدقيقة والصحيحة التى تعتمد على الدلائل , ويتعين معه الرجوع إلي المصادر الرسمية التى توفرها الدولة وأجهزتها الإدارية لوسائل الإعلام.

يقول الدكتور محمد خفاجى أنه يغيب عن ذهن الكثيرين أن الشائعات الكبرى تمولها دول راعية للإرهاب وهى تهدف إلى إسقاط الدول ولا تعتمد على ناقصى الوعى والإدراك المجتمعى , بل تعتمد على علماء النفس وخبراء الاجتماع والباحثين في علم الشائعات حتى تحقق أهدافها نحو التأثير على القوى المعنوية للشعوب , وتلك الدول لها أتباعها الذين يروجون لتلك الشائعات منهم عن قصد وهؤلاء نسبة عالية , ومنهم دون تبصر أو وعى وتلك نسبة قليلة وهم الجمهور الذين يبحثون عن وصول الشائعة إليه , لذا ينبغى الاهتمام بحرص وعناية في هذه النقطة الهامة .

ويضيف الدكتور خفاجى أن أدوات المواجهة في العصر الحديث لم تعد قائمة على الشكل التقليدى المتمثل في  مواجهة الاَلة العسكرية فحسب وإنما باتت قائمة على مواجهة العقول , واَية ذلك أن الحرب النفسية التي تشنها الدول المتناحرة المتصارعة قد تغيرت وتطورت لأشكال جديدة نشأت من صناعة التكنولوجيا ووسائل الاتصال , وأصبحت حروباً باردة تقوم أساسا على حروب الشائعات لضرب البناء الاجتماعى للدول  , وكثير من الدول الضالعة في رعاية وحماية الإرهاب  يجندون في تلك الحروب علماء من ذوى الخبرة في مجالات علم النفس والاجتماع , وهو ما كشف عنه الطفرة التى تحققت في مجال الاتصالات السمعية والمقروءة والمرئية من خطاباتها التى تستتر تحت عباءة الزود عن حقوق الشعوب وهى ليست بوصية عليهم , باستخدام الإيحاء وتأثير ظاهرة التكرار .

كما إن الشائعات المنتشرة  عبر مواقع التواصل الاجتماعي لها دور  في استقطاب الشباب ، ويتزايد مخاطرها مع ضعف المواجهة العقابية والمجتمعية وانخفاض الوعي ، والحق أن استخدام الجماعات الإرهابية للشبكات الاجتماعية كمنصة إعلامية جديدة جاء بعد أن فشلوا في المنصات الإعلامية التقليدية وفي شن الحروب النفسية ونشر الشائعات بين صفوف الشعب . وهذه نقطة على جانب كبير من الأهمية  يجب استنهاض الهمم فى التوعية بخطورة الانسياق لجروبات الجماعات الإرهابية التى تتستر خلف مسميات تعاطفية تدعى مكافحة الفساد , وهى تتخذ من منابر التواصل الاجتماعى وسيلة تثير الفزع بين الناس بحجة الدفاع عن مصالحهم.
 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة