التسوق
التسوق


ما حكم احتكار السلع واستغلال أزمة «كورونا»؟.. «الأزهر» يجيب

إسراء كارم

الأربعاء، 18 مارس 2020 - 01:27 م

ورد إلى مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، سؤال عبر الصفحة الرسمية على موقع «فيسبوك»، نصه: «ما حكم الاحتكار للسلع وقت هلع الناس من الوباء واستغلال حاجة الناس والمغالاة؟»

وأجابت الفتاوى الإلكترونية، بأن من أهم القواعد والأسس التي رسخها الإسلام في المعاملات بين الناس مراعاةَ مصالح وحال الناس، وجعل من أهم خصائص الشريعة الإسلامية رفع الظلم والتظالم بين الناس، فإذا كان الإسلام قد أرشد ووجه إلى طريق الكسب الحلال من خلال التجارة والبيع والشراء.

واستدلت بقوله تعالى: {وَأَحَلَّ ﷲ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275]، إلّا أنه تعالى قد ضبط وقيّد هذه المعاملات بما يجب أن تكون عليه من مراعاة حقوق الناس، وإقامة العدل بينهم، وحرم أكل أموال الناس بالباطل فقال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لا تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: 29].

وأضافت أن الحكر والاحتكار في اللغة: ادخار الطعام للتربص، وصاحبه محتكر، أما في الاصطلاح: فقد اتفق الفقهاء على أن الاحتكار في الاصطلاح لا يخرج عن معناه في اللغة، فجميع تعريفاتهم متقاربة في المعاني والألفاظ، ويجمعها تعريف الإمام الباجي رحمه الله بقوله: «هو الادخار للمبيع وطلب الربح بتقلب الأسواق»،  أي:  أن الاحتكار هو حبس مال أو منفعة أو عمل، والامتناع عن بيعه وبذله حتى يغلو سعره غلاءً فاحشًا غير معتاد، بسبب قلته، أو انعدام وجوده في مظانه، مع شدة حاجة الناس أو الدولة أو الحيوان إليه.

• وأمّا حكمه:

واتفق جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية وغيرهم على حرمة الاحتكار؛ لما فيه من تضييق على عباد الله مستدلين بما يأتي:

-  بقول النبي : «لا يحتكر إلا خاطيء» أخرجه مسلم.

-  وما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : «منِ احْتَكَرَ حِكْرَةً يُريدُ أن يُغْلِيَ بها علىٰ المسلمينَ فهو خاطِئٌ» أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد.

-  وقوله : «من احتكر طعامًا أربعين ليلة فقد بريء من الله تعالى، وبريء الله تعالى منه» أخرجه أحمد.

• الحكمة من حرمة الاحتكار:

 اتفق الفقهاء على أن الحكمة في تحريم الاحتكار هي رفع الضرر عن عامة الناس؛ ولذلك فقد أجمع العلماء علىٰ أنه لو احتكر إنسان شيئًا واضطر الناس إليه، ولم يجدوا غيره أُجبر على بيعه، دفعًا لضرر الناس، وتعاونًا على حصول العيش، قال الإمام النووي رحمه الله: «قال العلماء: والحكمة في تحريم الاحتكار دفع الضرر عن عامة الناس، كما أجمع العلماء على أنه لو كان عند إنسان طعام واضطر الناس إليه ولم يجدوا غيره أجبر على بيعه دفعًا لضرر الناس، وتعاونًا على حصول العيش».

• ما يجب على وليّ الأمر «الحاكم ونوابه» فعله ضد المحتكرين:

للفقهاء اجتهادات فيما يجب على الحاكم ونوابه فعله ضد المحتكرين تستند في جملتها على مبدأ سياسة التشريع في الإجراءات والتدابير، لتكون هذه الأحكام قوةً لحكومات الدول الإسلامية في مقاومة الاحتكار ومواجهته، وقد ذكر مجملها بعضُ المعاصرين فيما يلي:

1- إجبار المحتكر على إخراج المادة المحتكرة المخزونة، وطرحها في السوق، ليبيعها هو بالسعر التلقائي الحر الذي كان ساريًا قبل الاحتكار، مع زيادة يتغابن الناس في مثلها عادة؛ إزالةً للظلم عن الناس، وتحقيقًا للربح المعقول للتاجر، توفيقًا وتنسيقًا بين المصلحتين؛ قال الإمام الكاساني رحمه الله: «يؤمر المحتكر بالبيع إزالة للظلم، لكن إنما يؤمر ببيع ما فضل عن قوته وقوت أهله، فإن لم يفعل، وأصر على الاحتكار، ورفع إلى الإمام مرة أخرى وهو مصرٌّ عليه فإن الإمام يعظه ويهدده، فإن لم يفعل ورفع إليه مرة ثالثة يحبسه ويعزره؛ زجرًا له عن سوء صنعه، ولا يجبر على البيع» اهـ.

2- البيع على المحتكر إذا تمرد:

فإذا أصر المحتكر –تعنتًا أو تمردًا – على الامتناع عن البيع بالسعر التلقائي في السوق الذي يحدده قانون العرض والطلب، تولى الحاكم أو نوابه بيع سلعه نيابة عنه، وبالسعر الذي كان ساريًا قبل الاحتكار عدلًا، حتى لا يُضار هو ولا الناس، فلا يترك العدل لإرادات الناس إذا تهاونوا في تنفيذ مقتضاه؛ لأن اطراح العدل ظلم محرم شرعًا، وكل إجراء يؤدي إلى تحقيق الحق والعدل فهو من الشرع.

3- حرمان المحتكر من الربح إذا تمرد، وأخذه منه عقوبة ومعاملة له بالنقيض:

وهذا ضرب من التغريم بالمال عقوبة تعزيرية على معصية الاحتكار، أما المعاملة له بالنقيض، فلأن نيته السيئة في الاستغلال، ونزعته المفرطة في الربح تقتضي ذلك، وهذه العقوبة قررها الفقهاء سياسة؛ إذ لم يرد نص بخصوصها منعًا للاستغلال المحرم، لأنه من الكبائر فهو كالربا، كسب خبيث بالانتظار والتربص.

4- مصادرة الحاكم للمال المحتكر إذا خيف الهلاك على أهل البلد، وتفريقه عليهم إذا اقتضت الضرورة ذلك، والضرورة تقدر بقدرها.

وانتهت لجنة الفتاوى الإلكترونية بمركز الأزهر، بأن الاحتكار جريمة دينية واقتصادية واجتماعية، وثمرة من ثمرات الانحراف عن منهج الله، وقد تنوعت صورة، وتعددت أساليبه، وأنه لا يكون في الأقوات فحسب، وإنما يكون في كل ما يحتاج إليه الناس من مال وأعمال ومنافع؛ ذلك أنه من المقرر فقهًا أن «الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أم خاصة»، فمواقع الضرورة والحاجة الماسة مستثناة من قواعد الشرع وعموماته وإطلاقاته، فالاحتكار المحرم شامل لكل ما تحتاج إليه الأمة من الأقوات والسلع والعقارات من الأراضي والمساكن، وكذلك العمال والخبرات العلمية والمنافع لتحقق مناطه، وهو الضرر اللاحق بعامة المسلمين من جراء احتباسه وإغلاء سعره.

وأضافت أنه لا شك أن الذي يضايق المسلمين فيما يحتاجون إليه من السلع الضرورية ويشتريها كلها من السوق ويضطر الناس إلىٰ أن يشتروها منه بثمن مرتفع يتحكم فيهم لا شك أن هذا لا يجوز، وهو منهي عنه، ويجب الأخذ علىٰ يده، ومنعه من ذلك، إذا لم يكن في السوق غير هذه السلعة التي يحتاج إليها الناس، وهو يشتريها ويحضرها عنده ليتحكم فيها فهذا أمر لا يجوز، ويجب على ولاة الأمور منعه من ذلك.

وذكرت أنه على الدولة أن تتدخل لحماية الأفراد من عبث العابثين، ومصاصي دماء الشعوب، وذلك باتخاذ الإجراءات المناسبة الكفيلة بقطع دابر الاحتكار، وإعادة الثقة والطمأنينة إلى نفوس المواطنين.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة