عمرو الديب
عمرو الديب


صدى الصوت

محمد دياب

عمرو الديب

الأربعاء، 18 مارس 2020 - 06:20 م

 

 كفاح دائب مرير لا تهدأ حدته،ولا تخفت نبرته،ولو لساعة من نهار،وسعى حثيث لاهث يتواصل صباح مساء لالتقاط ما يقيم الأود،واستحضار الحيوى من القوت،ورحلة شقاء مضنية من أجل البقاء،وإشباع الحاجات الملحة المتواضعة،وجولات يومية مكدودة لا تعرف الهدنة،ولا تجنح لحظة إلى ترف الراحة لالتقاط الأنفاس،أو إضاعة أى وقت بعيدا عن طريق الكد المتواصل،وجادة الكسب الشريف لاستخلاص «اللقيمات» من أفواه العناء،لذا كنت أراه دوما فى حالة حركة مستمرة، وسعى متصل،وقلما وجدته مثلا مسترخيا أو ساكنا،أو مستلقيا يستمتع باحتساء قليل من الشاى الساخن الذى يجيد إعداده،وأبحث فى دروب الذاكرة الملتفة عن أية مشاهد،أو بعض لقطات يتبدى فيها وهو يستمتع بقليل من الراحة،فلا أجد،ودائما ما تقفز صورته،وهو يسرع مهموما لاهثا كى يلحق بذاك الأمر،أو يسعى للانتهاء من ذلك «المشوار» البعيد،أو الوصول إلى هذا المكان قبل فوات الأوان،ولا أعثر له فى ذاكرتى على مشهد يظهره إلا واقفا ساعيا يسرع الخطى،ولا أكاد أجد أية صورة له وهو جالس فى استرخاء،يتنفس الصعداء،والغريب فى أمر زميلنا محمد دياب..ساعى الأدب كما اشتهر فى مؤسستنا العريقة انه وعلى الرغم من كل هذا الشقاء الذى يذكرك بأجواء قصص عبقرى الأدب الروسى.. «أنطوان تشيخوف» كان دائما يبدو مبتسما متفائلا،لا يجد اليأس أو السخط طريقا إلى قلبه،وكأنه أقسم على ألا تنال منه الفاقة،أو تستذله الحاجة،فكان بساما دائما،يعتز بكرامته،ولايتدنى من أجل حاجته،وقد شاءت لى الأقدار الحكيمة أن أشهد على رحلة كفاحه المضنية منذ بلوغها الذروة،وحتى النهاية المحتومة،ومع أن الزميل محمد دياب.. ساعى الأدب الذى وافته المنية مؤخرا،لم يكن من أصحاب العطاء المرموق الذين قدموا الكثير لأممهم،وتهتز الأوساط حين يرحلون،إلا أننى وجدت فى نفسى عندما جاءنى نعيه إحساسا بالفقد حقيقيا،ليس فقط لأنه اتصل برحلتى فى دنيا الصحافة،وقد فوجئت به مرارا إلى جوارى فى أحلك اللحظات،وكأن الأرض تتشقق عنه،كما حدث فى جنارة أبى ببلدتنا «صفط العنب»،ففجأة وجدته إلى جوارى يربت على كتفي،ويضمد جرحي،ليس لهذا فقط حزنت على «محمد دياب»،ولكن لأنه نموذج لإنسان مكافح اختارطريق العيش الشريف،وبدا دائما على الرغم من معاناته وشقائه مبتسما راضيا،ولم يملأ الدنيا صراخا وعويلا،رحمك الله يا دياب،ويمكنك الآن أن تنعم براحة خالصة من أى شقاء.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة