علاء عبد الهادى
علاء عبد الهادى


يوميات الأخبار

«الشوطة» فى زمن الكورونا

علاء عبدالهادي

الخميس، 19 مارس 2020 - 06:53 م

 

«إنها الشوطة لا يدرى أحد من أين؟ تحصد الأرواح الا من كتب له الله السلامة».

لا صوت يعلو على صوت الكورونا.
فى كل مكان: فى العمل، فى المواصلات، فى الفضائيات، فى أحاديث الناس على السوشيال ميديا، لا حديث سوى عن المخاوف..كثير من الافتاء بغير علم.. «بيوقلك كذا وكذا» «شير»!
إلى أين أذهب؟ لا مفر.. الكورونا تحاصرنا فى «البيت والغيط».. الحكومة قيدت حتى الذهاب الى الأندية والمقاهى و«الكافيهات»، ولم يعد هناك لا أفراح وليالى ملاح كل واحد قافل عليه بيته يخشى أن يزور جاره أوحتى أقاربه.. عدد المصلين  فى المسجد فى تراجع، مشهد الكعبة، يدمى قلب كل عاشق.. هل هى لعنة أحلت بنا؟
الاولاد سعدوا بالاجازة الرئاسية، واعتبروها اجازة من كل شىء، حتى من المذاكرة.. الأباء تعساء بسبب «إغلاق السناتر» سعوا للإجازة من المدارس والدراسة لكنهم فى الوقت نفسه ضد إغلاق «السنتر» رغم أن الفيروس لا يفرق!! وللأسف أغلبهم حوَّل بيته إلى سنتر من أجل الثانوية العامة.
زادت نسبة من يرتدون الكمامات فى الشوارع، اعتدت رؤيتها كثيراً فى اليابان، وفى بعض دول جنوب شرق آسيا، الأمرغريب على المصريين، لا ينصاعون بسهولة للضوابط، ويحبون التحايل على القوانين، ووضع البصمة الخاصة.. لا يخافون الكورونا ولا غيرها.
نحن فى زمن الكورونا، عشنا تجربة انفلونزا الطيور من عدة سنوات، وبسببها لم يصدق الناس فى البداية خطورة كورونا، ومع الأيام اكتشفوا أن الأمر جد، وليس «هزار» سواء كان فيروسا متحورا من تلقاء نفسه أو مخلق فى معامل.. المهم أنه قاتل لا يبقى ولا يذر.
هل نحن فى زمن «الشوطة» أو الجائحة؟
الجائحة، والجمع جائحات وجوائح ويقال أصابته جائحة أى بلية أو تهلكة لاقدر الله.. والسنة الجائحة هى سنة جدبة، غبراء، قاحلة.. إذن الجائحة - بعيد عنكم - هى الداهية أو البلية التى ألمت بعموم كوكب الارض وبعد أن ظن أهل الارض أنهم قادرون عليها أتاهم أمرالله هذه المرة من فيروس كورونا الذى لا يرى بالعين المجردة، ولكنه قاتل شرس لا يبقى ولا يذر.
خلقنى الله بخاصية، كانت نعمة حتى وقت قريب، وهى أن «أعطس» عدة مرات متعاقبات إذا اتجهت صوب الشمس وتحديداً فى ساعات الصباح الأولى أو عقب خروجى من مكان فيه تكييف.. الآن وجدت أن الأمر يثير الريبة وينظر المحيطين إلىَّ شذراً، ويجرون من المكان.. أصبح العطس جريمة، ونزلة البرد كارثة، والانفلونزا أخطر من الكوليرا.. الناس خايفة ومرعوبة.. مئات، بل آلاف الرسائل على الواتس: كل كذا، ولا تأكل كذا، اشرب مياها على الريق.. الفيروس ما بيحبش المياه  .. بلاش مضاد حيوى.. لأ خذ مسكن آلام، وآخر: إياك ومسكن الآلام.. الكل كما قلت يفتى والبعض ألف «بوست» ونسبة الى جامعة ستاتفورد التى اضطرت لنفى الامر وقالت إنها لم يصدر عنها أى شىء علمى فى أمر الكورونا مثل أنه بيكره الشمس والحرارة ، وأن مقارمته بشرب الماء كل ربع ساعة.
الطريف فى الأمر أن زوجتى تحتفظ فى أدراج الثلاجة بشوكلاتة كورونا.. إبنى هدد أمه بإبلاغ السلطات لأنها تتستر على الكورونا فى البيت!!
عرفت الإنسانية على مدار تاريخها الطويل الأوبئة والأمراض الوبائية وعرفت مصر الطاعون اكثر من مرة، ووصف المؤرخون كيف كان يحصد أرواح الناس بالمئات إلى حد أنهم كانوا يقومون بدفنهم من دون تغسيل، أو أكفان من كثرة الموتى، وعرفت الجديرى والكوليرا وفى القرن الأخير عانى العالم من الانفلونزا الأسبانية التى حصدت أرواح عشرات الملايين من البشر، وإلانفلونزا الآسيوية، وحديثاً الإيدز وسارس، وانفلونزا الخنازير والايبولا.
الأعمال الادبية التى تعاطت مع الاوبئة، وسلوك البشر أثناءها، وكيف تفرق بين الاحبة، ولحظات الضعف الإنسانى، لا تعد ولاتحصى سواء فى الأدب العالمى، أو الأدب العربى.. ولكن يبقى لاديب نوبل نجيب محفوظ الطعم الخاص فى دقة الوصف للحالة المصرية فى مواجهة الوباء - أى وباء- عندما قال فى «الحرافيش» على لسان شيخ الحارة: - إنها الشوطة لا يدرى أحد من أين تحصد الأرواح، إلا من كتب له الله السلامة.
ترى من سيكتب حكاية «كورونا» لتبقى خالدة للأجيال القادمة؟
جينات مصرية متفردة
أنا من هؤلاء الذين يوقنون أن اليسر يأتى دائماً بعد العسر، وأن أية محنة يأتى فى ركبها، منحة من الله.. لذلك أنا من هؤلاء الذين رأوا فى تعرض مصر لمحنتين كبيرتين متلازمتن: الكورونا والأمطار والسيول، جوانب إيجابية كثيرة.. أبسطها وأهمها أنها أظهرت قوة، وقدرة الدولة المصرية التى تعاملت بأسلوب علمى، وإدارة مسبقة مع أزمة الطقس غير المعهود والاستثنائى.. نعم هناك خسائر كثيرة، نعم هناك من تعرضوا الى كوارث، لكن المحصلة الكلية تقول أننا - كدولة وكأفراد - استطعنا الانحناء للعاصفة والخروج منها بأقل الخسائر.. العواصف فى أمريكا لا تبقى ولا تذر يتشرد بسببها عشرات الآلاف، وتنفق القطعان.. فلا يجب أن ننساق وراء البعض ونجلد ذاتنا بدون مبرر.
أظهرت محنة الأمطار أروع ما فى المصريين، شباب «زى الورد» استعدوا بسياراتهم لنجدة من حاصرتهم الأمطار داخل سياراتهم.. مشاهد تفرح القلب، وتؤكد أن جينات المصريين متفردة، لا مثيل لها تظهر وقت الشدة والأزمة.. نفس الشىء عشرات المطاعم، والكافيهات، وحتى القرى السياحية فتحت أبوابها لإيواء من تقطعت بهم السبل، ولم يستطيعوا العودة إلى بيوتهم، قدموا لهم المكان والطعام عن طيب خاطر.. كما قامت وزارة التضامن بجهد ملحوظ فى الوصول إلى المشردين وأطفال الشوارع لإغاثتهم وتقديم الطعام والكساء لهم ونقل بعضهم لدور الإيواء.
فيه أخطاء؟.. نعم
فيه أضرار وخسائر؟.. نعم.. ولكن - كما قلت - كان يمكن أن تكون عشرات الأضعاف لولا هذه الملحمة من المصريين: حكومة وشعباً وقيادة.
قرأت تعليقاً لأحد الليبيين يرد فيه على تقرير مصور سيىء النية لقناة الجزيرة قال فيه: يا مصريين لا تلتفتوا لهؤلاء.. احمدوا الله على نعمة الوطن والأمن والأمان وتحملوا انقطاع الكهرباء والماء لعدة أيام.. أنا فى ليبيا بدون كهرباء أو ماء منذ شهور.. والأخطر أننى أفتقد الأمان لنفسى ولأولادى!!
> عندما رأيت لون مياه النيل وقد تحول إلى اللون الأصفر، أدركت أنها رسالة من الله.. «وَفِى السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ».
>>>
ابقتنى الكورونا والأمطار أطول مدة منذ سنوات فى البيت.. ولكنى وقعت تحت حصار المدام التى ما إن ترفع طبق العدس حتى تدخل «بأم على» فإذا التهمناه، وقبل أن نغسل أيدينا تفاجئنا بحمص الشام لمقاومة الأمطار..عدة أيام كانت كفيلة باستعادة جسمى عدة كيلو جرامات كنت قد نجحت فى فقدانها على مدار شهور طويلة من الحرمان.. لعن الله الكورونا!!
الفنان الوزير
لست ناقداً تشكيلياً.. ولكنى أحب الفنون التشكيلية بالفطرة، إليها تميل نفسى، وأتذوق الأعمال الفنية الجميلة، ولكن التغير الحقيقى حدث عندما أتيح لى من خلال عملى كصحفى ومندوب الأخبار فى وزارة الثقافة زهاء 20 عاماً بأن أحضر المعارض الفنية، وكان من الطبيعى أن اجتهد فى معرفة إلى أية مدرسة ينتمى العمل، وما هو الجديد.. حضرت معارض داخل، وخارج مصر، ورأيت كيف يعظم الغرب قيمة الفن التشكيلى، وكيف يضع الفنان فى مرتبة عالية.. كنت محظوظاً أكثر بالاقتراب من الفنان الوزير فاروق حسنى، الذى كان يحرص دائماً وهو فى أوج مجده كوزير أن يقول أنه أولاً وأخيراً فنان، وأنه يتمنى أن يأتى اليوم الذى يعود فيه إلى ذاته كفنان ويتفرغ لابداعاته.. كثيرون كانوا ينكرون عليه هذا الكلام ويعتبرونه من قبيل الدعاية السياسية الممجوجة، ولم يكونوا يرون فى لوحاته التى يحرص على جمعها فى معرض سنوى فى قاعة خاصة، قيمة فنية، وكانوا يرون أعماله التجريدية مجرد لعب بالألوان، وذهب كرسى الوزارة ولكن ازداد بريق فاروق حسنى، ولم ينصرف عنه محبوه وندماؤه، وتحول من مجرد وزير سابق قد يفرض نفسه على الاحتفاليات والصالونات لكى يقول أنا هنا، إلى مؤسسة ثقافية متكاملة، يريد أن يترك بها بصمة فى مجتمعه.. وازدادت أعماله روعة ونقاء وصفاء، بل وفيها الجديد، بإدخال الكولاج فى أعماله التى أبدعها فى آخر عام، يرسم فاروق حسنى لوحاته، ويرى الجمهور أو زوار المعرض الأعمال الفنية كل «حسب رؤيته» وحسب حالته النفسية، أو الروحية، ومدى قدرته على استشراف المعانى الكامنة فى اللوحة.. العمل إذن واحد، ولكنه يتحول الى أعمال كثيرة بعدد من يراه، ويتفاعل معه، ويسقط من ذاته عليه، بمعنى آخر إذا وقفت أنا وأنت أمام لوحة لفاروق حسنى فلا تسع  لقراءتها قراءة مباشرة، فقد أراها بصورة، وتراها أنت بصورة أخرى فقط نتفق على أن العمل جميل.. ونختلف عن سبب أومصدر الجمال.
عشق بلا ضفاف
«إحسان عبدالقدوس الكاتب المصرى اللى صحى شعبنا النعسان وعلمه كلمة الحرية والإنسان، وكلمة الثورة أهداها لكل إنسان عاشت بلادنا وعاش الكاتب المصرى.. وعشت للشعب كاتب مصرى يا إحسان».. الكلمات السابقة ليست للعبدلله، ولكنها للشاعر العظيم الراحل صلاح جاهين، لم تجد الكاتبة الصحفية آمال عثمان أفضل منها لكى تضعها فى صدر كتابها «إحسان عبدالقدوس  عشق بلا ضفاف» الصادر حديثاً عن دار المعارف.. جمعتنى بالزميلة رحلة عمل طويلة، فهى كانت رئيساً لتحرير مجلة «أخبار النجوم» وأنا مسئول عن الملف الثقافى فى الاخبار.. وأعرف مدى حبها واخلاصها لعملها إلى حد كبير.. اعتقد البعض أن مسيرتها سوف تتوقف بعد أن غادرت موقعها كرئيس تحرير، ولكنها واصلت مسيرتها فى الكتابة ولم تنقطع علاقتها بالوسط الفنى، وها هى تتولى منصب نائب رئيس مهرجان القاهرة السينمائى، وتستعد لمناقشة الدكتوراه وتواصل إبداعتها.. وهذا الكتاب أحدث ما أبدعت.. نحن أمام كتاب موسوعى لاغنى عنه لمن يريد أن يعرف إحسان عبدالقدوس بحق.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة