صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


مصر تحاصر كورونا «العدو الغامض» باحترافية وثبات

بوابة أخبار اليوم

السبت، 21 مارس 2020 - 01:16 ص

هبة زين

أصعب أنواع الحروب هو أن تحارب عدوًا خفيًا غامضًا متغيرًا، وهذا هو الحال فى الحرب ضد انتشار فيروس كورونا المستجد، فيصعب معه اتخاذ قرار محدد وصائب قادر على القضاء عليه بشكل نهائى وسريع، وللأسف تمكن الفيروس من إصابة أكثر من مئتى ألف شخص حول العالم، مخلفًا وفيات تقارب 4% من إجمالى المصابين خلال 4 أشهر تقريبًا. مما تسبب فى إرباك واحدة من أعتى اقتصادات العالم وهى الصين.  لم يكن الوضع بمصر بهذا السوء فنسب الوفيات تقارب 3%، فيما تخطت نسب الشفاء حاجز 13%. وهو الوضع الذى عملت الإجراءات المتخذة على الإبقاء عليه وتحسينه، منذ إعلان اكتشاف أول حالة لأجنبى حاملة لفيروس كورونا المستجد بمصر فى 14 فبراير الماضي.

تعد نقطة البداية الحقيقية لمصر، فى تعاملها مباشرة مع فيروس كورونا المستجد، عند توجيه الرئيس السيسى بعودة المصريين العالقين فى مدينة ووهان الصينية – مركز تفشى الفيروس- فى بداية فبراير الماضي، والتى أعقبها تجهيز مستشفى كامل لاستقبال العائدين وتوفير سبل الإعاشة خلال فترة حضانة المرض (14 يوماً). ومرت الفترة دون اكتشاف أى حالات مصابة بينهم، فضلا عن إعلان تعافى أول حالة حاملة لفيروس كورونا المستجد فى 27 فبراير.


كانت اللحظة الأصعب عند ظهور البؤرة الأولى (12 حالة) إيجابية بإحدى البواخر النيلية قادمة من أسوان إلى الأقصر، فى 6 مارس الجاري، وكانت الحالة المسببة لهذه الإصابات سائحة تايوانية من أصل أمريكى تبين إصابتها فور عودتها إلى بلادها. ولم تكن الصعوبة فى تزايد اعداد المصابين لكن كان بسبب حالة الهلع التى انتابت مرتادو مواقع التواصل الاجتماعي، وتزايد الضغوط والمطالبات بإغلاق المجال الجوي، ومنع دخول الأجانب. وتعطيل الدراسة بالمدارس والجامعات، وذلك فى ظل إعلان تخطى أعداد المصابين حاجز المئة ألف مصاب حول العالم. وإعلان 13 دولة خارج الصين توقيف الدراسة.


تقدير جيد


استمر تزايد الضغط عبر مواقع التواصل الاجتماعى لأيام، إلى حد تصدُر هاشتاج لتعليق الدراسة فى مصر، وانطلاق «جروبات الماميز» فى توزيع الاتهامات للحكومة بعدم الاكتراث لصحة الطلاب والمصريين على وجه العموم، خاصة بعد اعلان أول حالة وفاة، لمصاب أجنبى ووصول حالات الإصابة إلى 55 مصاباً جميعهم من المخالطين للحالات السابق إعلانها.


وهو عدد قليل بالمقارنة بالدول التى أعلنت وجود حالات إصابة بها. لا يستلزم إجراءات وقائية حادة وصارخة، تكون عواقبها تعطل الحياة بشكل كامل، خاصة فى ظل قيام أجهزة الدولة بعزل البؤرة المتمثلة فى الباخرة النيلية، واستحداث وحدة لتقصى كافة المخالطين للحالات التى تثبت إيجابيتها، واتخاذ الإجراءات اللازمة لنقل المصابين لمستشفى العزل. هذا فضلًا عن سحب 558 عينة من البواخر النيلية والفنادق الثابتة بالأقصر وأسوان وجاءت نتائجها جميعها سلبية. فضلًا عن إعلان تدشين مبادرة توعوية بالتعاون مع «فيسبوك» بشأن فيروس كورونا. وأسفرت الرعاية الصحية للحالات فى مستشفى العزل عن شفاء 32 حالة فى يوم 13 مارس.


توجيهات رئاسية ومسئولية شخصية


بدأت مواجهة عدو البشرية -فيروس كورونا- كما وصفه مدير عام منظمة الصحة العالمية، تأخذ منحى أكثر شدة حرصًا على سلامة المواطنين، حيث وجه الرئيس عبد الفتاح السيسى بتخصيص 100 مليار جنيه لتمويل الخطة الشاملة للتعامل مع أى تداعيات محتملة لفيروس كورونا، تم إتاحة مبلغ ١٨٧٬٦ مليون جنيه فورًا بصفة مبدئية لوزارة الصحة، لشراء مواد خام ومستلزمات لمواجهة انتشار الفيروس، وصرف مكافآت تشجيعية للعاملين بالحجر الصحى ومستشفيات العزل، فضلًا عن تعليق الدراسة فى المدارس والجامعات لمدة أسبوعين، ابتداءً من الأحد 15 مارس، وهو الأمر الذى من شأنه حماية ما يقرب من 25% من قوام السكان.


وذلك بالتزامن مع مناشدات متكررة من الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، للمواطنين بتحمل مسئولياتهم وعدم الاستهتار أو الاستخفاف بالأمر، وتقليل التجمعات البشرية، وهو ما استتبعه إصدار قرار بتعليق حركة الطيران الخارجى بدءًا من الخميس 19 مارس لتقليل عدد الإصابات الناتجة عن الاختلاط بأجانب قادمين من دول مصابة بالفيروس، مع اتخاذ كافة الاجراءات لتيسير سفر المواطنين والأجانب من وإلى الأراضى المصرية، قبل إنفاذ القرار.


كما تم إصدار قرار بتخفيض عدد العاملين فى أجهزة الدولة والمصالح الحكومية بأسلوب يضمن التقليل من الاختلاط بين المواطنين على أن يستُثنى من القرار المصالح الحكومية الخاصة بالخدمات الاستراتيجية وتقديم الخدمات الأساسية للمواطنين فى الدولة، وذلك أخذًا بكافة الإجراءات الوقائية التى تقلل من انتشار الفيروس، وعدم الوصول إلى مناحى سيئة كما هو الحال فى عدد من دول العالم.


تضافر الجهود


بدأت تتوالى القرارات الوزارية التنفيذية لقرارى الرئيس السيسي، ورئيس مجلس الوزراء، والتى أكدت تضافر وتناغم جهود كافة أجهزة الدولة لحماية المواطنين من أى تداعيات محتملة لفيروس كورونا المستجد. وكان من أبرز هذه القرارات قرار وزيرة التضامن الاجتماعى بتعليق كافة الانشطة المتعلقة بالحضانات لمدة أسبوعين. وتوجيه وزير القوى العاملة بضرورة حصول المرضى بأمراض مزمنة والعاملات اللاتى لديهن أطفال أقل من 12 سنة على إجازة استثنائية طوال مدة سريان القرار، وإيقاف العمل بنظام البصمة الخاصة بإثبات الحضور والانصراف للعاملين.


وبالتعاون مع وزارة الداخلية تم غلق المئات من مراكز الدروس الخصوصية والتعليمية (السناتر) خلال فترة تعليق الدراسة بالمدارس والجامعات، وذلك بالتوازى مع قرار تعليق الدراسة لمدة أسبوعين، والقيام بحملات لمنع «الشيشة» تنفيذًا لتوصيات منظمة الصحة العالمية، ووزارة الصحة.


وكالعادة، ظهر دور القوات المسلحة جليًا فى حماية أبناء الشعب المصري، من خلال الأخذ على عاتقها تعقيم وتطهير كافة المؤسسات الحكومية من خلال سلاح الحرب الكيميائية.


سيناريوهات وإجراءات بديلة


اتخذت وتتخذ الجهات والوزارات المختلفة عدة إجراءات تضاهى ما تم بالدول الكبرى، فقد عكفت وزارتا التربية والتعليم والتعليم العالى والبحث العلمي، على وضع سيناريوهات بديلة لإتاحة التعليم عن بُعد اثناء فترة تعليق الدراسة، والتى قد تكون المنحة التى ولدت من رحم الأزمة للدفع بمصر إلى عالم التعلم الرقمي. وتيسيرًا للأمر أجرت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات اجتماعًا مع رؤساء الشركات الأربعة مقدمى خدمات الاتصالات بمصر لدعم العملية التعليمية خلال فترة تعليق الدراسة. من خلال توفير منصات رقمية مجانًا لاستضافة المواد العلمية والمحاضرات لطلاب المدارس والجامعات، والإتاحة المجانية للمواقع الإلكترونية التعليمية، وزيادة سعات التحميل الشهرية الخاصة باشتراكات الانترنت المنزلى للأفراد بنسبة 20% بتكلفة 200 مليون جنيه تتحملها الدولة.


أما على الجانب الاقتصادي، فاتخذ البنك المركزى 22 إجراءً ملزمًا للبنوك لمواجهة كورونا، أبرزها تأجيل الاستحقاقات الائتمانية للشركات المتوسطة والصغيرة والمتناهية لمدة 6 أشهر، وعدم تطبيق عوائد وغرامات إضافية على التأخر فى السداد، وهو ما يسهم بشكل أو بأخر فى دعم القطاعات المتأثرة بالجائحة وعلى رأسها القطاع السياحى الأكثر تأثرًا فى هذه الأزمة.


حان وقت المواطنين


تشير الإجراءات التى تتخذها الدولة إلى الحرص الشديد على الحفاظ على صحة المواطنين بما يتوازن مع مستوى الحدث، لكن فى المقابل ظهرت بعض السلوكيات الفردية السلبية من بعض المواطنين تتمثل فى عدم الالتزام بمناشدات تقليل التجمعات البشرية، فضلًا عن تكالب عدد من المواطنين على شراء وتخزين كميات كبيرة من السلع الاستراتيجية وأدوات التعقيم والتطهير. بالتزامن مع قيام بعض الباعة بإخفاء بعض السلع عن المواطنين بهدف التلاعب فى أسعارها. وهو أمر غير مقبول من المصريين الذين لطالما عُرف عنهم ولاؤهم لمصر، وبذل كل ما هو نفيس وغالى للدفاع عن أرضها، ويبقى الأمر معلقًا بين أيدى المصريين الذين بإمكانهم ان يسطروا ملحمة تاريخية للعالم أجمع فى القضاء على عدو غامض وخفى أربك كافة دول العالم، والذود عن دفعها إلى إجراءات أكثر حدة قد تصل إلى حد فرض حظر التجوال، من خلال قليل من الثقة فى الإجراءات الحكومية، والالتزام بالإجراءات الوقائية الموصّى بها.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة