قصص وعبر
قصص وعبر


قصص وعبر| مأساة أم.. أحبته شهمًا.. ولحقت به موتًا

علاء عبدالعظيم

السبت، 04 أبريل 2020 - 07:50 م

الأم أكبر معاني الحب، فهي كالنهر الذي لاينبض، ولا يجف، متدفقة دائما بالكثير من العطف، تعطي ولا تنتظر، وتسهر كالقمر إن أصاب أحد ابناءها مكروه أو علة في ليالي الألم، حيث هذه الأم التي ماتت حزنا على ابنها الشهم الذي راح ضحية الشهامة.

انعقد لسانها عن الكلام، وانسابت الدموع من عينيها كالسيول تخترق وتزحف داخل الخطوط التي رسمها الزمن على وجهها، فكل خط عنوان يحمل بداخله أفراح، وأحزان، وجراح، عاشتها وهي ترمق ابنها الذي شب على يديها، وأصبح شابا يافعا، والذي كان له في كل قلب مكان تقدير، وله على كل لسان كلمة إعجاب، عندما علمت بوفاته أثناء قيامه لفض مشاجرة بين عائلتين، ولم ينل منها غير ارتطام رأسه بحائط أحد المنازل بقريته بالدقهلية، وسقط جثة هامدة وسط مشهد حزين انطلقت على إثره الصرخات والعويل.

انتفضت الأم من فوق مقعدها، وتملكت جسدها رعشة شديدة بعدما شعرت بزوال الدفء الذي كان يحيط بها عندما علمت بوفاة ابنها، وانهارت فوق الأرض تنهمر الدموع من عينيها تحمل كل قطرة منها ألم وغصة، يجول بخاطرها وجهه الذي لا تفارقه الابتسامة، وهو ينحني ويقبل يديها، ويربت على كتفها، ويحتضنها، فقد كان بمثابة الابن، والأخ، والحبيب، انتابها الذهول، وأمطرت دموعها تراب قبره، يتردد على سمعها كلماته وحديثه الذي كان أشهى ما يكون الحديث، ولا يتوانى عن تقديم أية مساعدة لأهل قريته، وسعيه الدائم للصلح بينهم، ومحبوبا لدى الجميع الذين دائما ماكانوا يثنون عليه لخلقه الدمث ومواقفه الإنسانية.

ودعته الأم في كفنه الأبيض، واتخذت غرفته معاشا، ولم تبارحها، ولم تكن تعلم بأنها ستلحق به، أخذت تناجيه، وتتحدث معه غير مصدقة وفاته، تفسح لعقلها ذكريات طفولته، ومسكنة صغره، والحبل السري الذي ربط بينها وبينه قبل أن يرى الدنيا وهو داخل احشاءها، تبتلعها الدهشة وتموج انفعالاتها على وجهها.

ظلت تبكي حتى أشهرت غددها الدمعية إفلاسها، وكادت عينيها أن تبيض من كثرة البكاء، شحب وجهها وأصبح في صفرة الموت، تئن أنينا خافتا، يتصدع له القلب، ويذوب له الصخر، افترسها الحزن، وأنها لم تحسب حساب هذا اليوم، ففراق فلذة كبدها، وقرة عينها لا يزيدها إلا مرارة وحزنا، وكأنه تركها وحيدة تتخبط بين جنبات الحياة فيما تبقى لها من عمرها، أثقلت رأسها وأصبحت لا تستطيع حملها، وتناقصت دقات قلبها الذي امتصه الحزن امتصاصا فسلبها قوتها وقضى عليها، وتوفيت متأثرة بجراحها، ولحقت به في قبره.

وتجمع أهالي قريتها نبروه بمحافظة الدقهلية، تعلو وجوههم الدهشة، وسط مشهد حزين، والدعاء لهما بالرحمة، وبلسان حال يقولون، أحبته شهما.. ولحقت به موتا.

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة