السيد النجار
السيد النجار


يوميات الأخبار

باستير المصرى

بوابة أخبار اليوم

الأحد، 12 أبريل 2020 - 07:42 م

السيد النجار

بدأت نوازل الأيام على الصرح العلمى الكبير عام ٢٠٠٢ بتحويله من هيئة خدمية.. الى شركة اقتصادية.. لايهم ماذاأخترعت وأنتجت.. ولكن كم كسبت!

بالتأكيد.. الأغلبية منا جالسة فى بيوتها، تضع يدها على خدها.. خوفا ورعبا على نفسها، وعلى الأحبة الحاضرين والغائبين.. كثيرمنا يجلس شارد الذهن ولسانه يلج بالدعاء لله لرفع البلاء، ولعلماء الغرب راجيا نجاحهم فى استخلاص لقاح ودواء لفيروس كورونا.. وأنا منهم.. ولكن  مع أسف على تدهور حالنا العلمى، ومن بين ابنائنا علماء نوابغ العالم. وقد كنا السباقين بانشاء المعاهد والمراكز البحثية المتخصصة منذ قرون.. نعم قرون.. ولست فى حاجة للتذكرة بنظريات الطب والكيمياء والأدوية والصيدلة، التى وضعها علماء المسلمين، ويتم تدريسها بإعجاب حتى اليوم فى كبريات الجامعات العالمية.
عندما أقول سبقنا العالم بقرون، لم تكن اشارة لابن الهيثم أو الرازى أو جابر بن حيان.. وغيرهم كثر.. ولكنها تحديدا لواقع بيننا، معهد المصل واللقاح.. ليس هذا من قبيل شطحات الفكر الشارد والمبالغة يتزيد على انفسنا.. ولكنه الواقع الذى كان مضيئا.. وأصبح اليوم شيئا آخر بفعل أيدينا.. أو غفلة منا.. أو بسوء إدارة.. كان المفروض أن مرور الزمن يزيده قوة وعلما وإنجازا نزهو به من الاكتشافات والاختراعات، لا أن تصيبه أمراض الشيخوخة والموت البطيء. قد تكون مفاجأة لك.. أن هذا المعهد أفتتح فى بدايات عهد الخديو توفيق عام ١٨٨١ تحديدا منذ ١٣٩ عاما. وقبل افتتاح المعهد الفرنسى «باستير» بست سنوات «١٨٨٧» وهو اليوم.. اكبر وأشهر معاهد العالم فى بحوث الطب والعلاج وخاصة الميكروبات والفيروسات، وساعدت اكتشافاته من الأمصال واللقاحات فى إنقاذ ملايين البشر فى شتى بقاع العالم. ومن بينها أو أشهرها. أمصال الطاعون والحمى والأنفلونزا بأنواعها، والجمرة الخبيثة والدرن والإيدز. وهو اليوم فى سباق مع الزمن لاكتشاف أمصال  ودواء لعلاج الكورونا.
دعنا من هذه الصفحة البيضاء لمعهد باستير الفرنسى، حتى لاتتوه منك قضيتنا الأساسية وهى معهد المصل واللقاح المصرى، والذى حقق فى بداياته نجاحات عالمية غير مسبوقة، عندمانجح عام ١٨٩٣ فى انتاج لقاح الجدرى، واستطاع علماؤه مع مرور السنوات انتاج لقاح التيفود والدرن والكوليرا.. وأتخذ المعهد هيكله الكامل عام ١٩٣٩ بمقره الرئيسى الحالى بالعجوزة. كما تم انشاء معامل اللقاحات والأمصال الأكبر بعلمائها حتى اليوم بمنطقة الشرق الأوسط وليس عالمنا العربى فقط. وخاصة مع تعدد المعامل المتخصصة به ومنها معمل بلازما الدم. وفى عام ١٩٧٢ تحول الى الهيئة المصرية العامة للمستحضرات الحيوية واللقاحات مع توفير الدعم المالى اللازم لها، وتحررها من كل أشكال البيروقراطية والروتين، لهدف توفير احتياجات البلاد من الأمصال واللقاحات والتصدير للخارج من الفائض الذى كان يدر على البلاد ملايين الدولارات.
بدأت نوازل الأيام على الصرح العلمى الكبير عام ١٩٧٩ بتحويله من هيئة خدمية للدولة والشعب، الى شركة اقتصادية، لا تهتم بماذا اكتشفت وانتجت ولكن بكم كسبت وربحت. وفى عام ٢٠٠٢ تم تحويله الى شركة قابضة باسم دلع «فاكسيرا» ليزداد ترسيخ مفهوم الربح والتجارة ليعلو على مسئوليته فى الأمن القومى المصرى ورعاية صحة وحياة المصريين. ورغم ذلك دخل فى دوامة الروتين ونقص الموارد المالية من الحكومة والمنح الخارجية. تراكمت الديون، وصدأت المعامل والأجهزة، وتوقف العلماء والباحثون.
قصة الصعود والهبوط
الحديث عن المعهد اليوم فرضته شجون وباء الكورونا، وسباق العالم، المتقدم منه والنامى للتوصل الى أمصال للوقاية وعلاج لمن أصابه الفيروس. ونحن نقف متفرجين انتظارا للاكتشاف السعيد كماأشرت سابقا.. ومع ذلك تقتضى الأمانة الى الإشارة لسبب أكثر مباشرة، عندما دق فى رأسى ناقوس إنذار قويا، شعرت بصرخة من الكاتبة الصحفية داليا جمال مدير تحرير أخبار اليوم، أطلقتهامدوية فى مقالها «أما قبل» تحت عنوان «خطة اغتيال فاكسيرا». أشارت فيها الى مشوار نجاح «المصل واللقاح» فى انتاج الأمصال لمرضى الأورام والفشل الكبدى وسيولة الدم وشلل الأطفال، والتى جعلت من فاكسيرا، أهم معامل إنتاج المصل واللقاح فى العالم.. وتنطلق من قصة الصعود وقمة النجاح الى مشوار الهبوط والانهيار. لم يكن بوقف الانتاج فقط، وإنما بمفاجآت صارخة ومريبة، بإغلاق المصنعين الرئيسيين داخل الشركة القابضة للمصل واللقاح. وبالتالى اللجوء للاستيراد لتوفير احتياجات البلاد من الأمصال والتطعيمات، ومايشوب عملية الاستيراد من سمسرة وعمولات.
 ما قرأته من مقالات «خطة اغتيال فاكسيرا» اعاد لذاكرتى الرسالة التى تلقيتها عام ٢٠١٢ وموقعة من مجموعة كبيرة من العلماء والباحثين والعاملين بالمصل واللقاح. حذروا فيها من مخاطر تلوح فى الأفق، تهدد بضياع صرح مصر العلمى الأكبر والأشهر فى المنطقة والعالم. حينها لم تكن مصر قد تخلصت تماما من المنطق المقلوب الذى كان سائدا فى مصر سنوات طويلة. للتعمية على الفشل والفساد، فى مواجهة من يبكى على الوطن، ويحذر من تدهور أو فساد ما.. فى مكان ما.. كانوا يعتبرونه خائناً وعميلا ومأجوراً من يد خبيثة لهدم الوطن.. أو فى أقل وصف يرون أنهم «شوية ناس من اعداء النجاح أو عيال مخربين بتوع فوضي». لذلك لم أستغرب ما تلقيته من رد على ما نشرته بالأخبار.. الرسالة والتعقيب عليها.. جاء الرد يدور فى الفلك الممجوج المعهود ولم ينس بالطبع الاشادة بالانجازات التى حققتها كفاءة الادارة، الساهرة على البحث العلمى وحماية الوطن.
خطة إنقاذ
ماتناولته داليا جمال فى أخبار اليوم، يؤكد أن مسلسل الانهيار تسارع على  مدى السنوات الماضية. وهو أمر لايقتضى ردا انشائيا تقليديا، بقدرما يقتضى تحقيقات شاملة من الوزارة المعنية وأجهزة المتابعة والرقابة فى الدولة.. هذه التحقيقات ستكون نقطة إنطلاق لأنقاذ فاكسيرا، لاخطة اغتيال لها. تحتاج خطة إصلاح ورؤية شاملة، واضحة الأهداف، تتواكب مع رعاية الدولة للبحوث العلمية والطبية، كأولوية أولى للتقدم، وأساسها صحة المواطن أساس التنمية.. والفائدة المزدوجة الأخرى بتوفير ملايين الدولارات لاستيراد الأمصال سنويا.
يجب ألا نستهين بأنفسنا وقدراتنا.. حقنا نفخر بأننا سبقنا العالم بعشرات السنين. فلماذا نبخس علماءنا حقهم.. القضية، علم ومال.. المال وحده لا ينتج علما أو دواء وغذاء.. العقول هى الأساس. ومن اليسير توفير المال من الحكومة والمشاركات الدولية. ولا أتجاوز حين اقول.. قد كان من الممكن أن يكون لمصر دور مشهود فى اكتشاف علاج أو لقاح لكورونا.. تصوروا.. كيف كانت مكانة مصر العلمية والدولية، وكم من مليارات الدولارات ستجنى.
مازال معهد باستير.. أمنا قوميا فرنسيا تموله الدولة.. وقبلة أنظار العالم، متلهفة على انتاجه لمصل أو علاج لأى مرض أو فيروس غريب جديد.. انقذوا.. صرح باستير المصري؟!
سندباد أخبار اليوم
أدب الرحلات.. ليس نزهة فقط لعشاق السفر والترحال، ولكنه ايضا محاولة لنقل تجارب الآخرين، لعل فيها ما ينفعنا.. هذا مانجح فيه الكاتب الصحفى علاء عبدالهادى رئيس تحرير كتاب اليوم. وذلك فى أحدث كتبه «تأشيرة سفر». يقول المؤلف فى ثنايا الكتاب «لا أحد يسمع ولا أحد يقرأ.. وإذا قرأ المسئول، فإنه لايفعل شيئا.. كشفت لى تلك الأسفار، كم بلادى مظلومة، وكم عاش قطاع عريض من المصريين بدون الحد الأدنى من الحياة الكريمة.. ومن حقوقهم كآدميين، وصل الأمر الى حد أن يتبوأ أهل فلسطين المحتلة فى إحدى السنوات الأخيرة، موقعا متقدما عن مصر فى مقياس السعادة».
دعكم من هذا النكد.. الذى يطل عليناخلال صفحات الكتاب، بالمقارنات التى يعقدها أحيانا علاء عبدالهادى، بين ما يشاهد فى أسفاره ورحلاته وبين حال ما يشابهه فى مصر. بعيدا عن هذه المفارقات وآراء المؤلف، الكتاب متعة روحية ونفسية وذهنية. شاءت ظروف العمل الصحفى للكاتب كمحرر شئون الثقافة والآثار بجريدة الأخبار، أن يطوف فى مشارق الأرض ومغاربها. قدم لنا زياراته فى كتابه «تأشيرة سفر» والذى جاء فى توقيت مهم، لإحياء أدب الرحلات، بعد أن كان البعض يظن أنه ضاع بين ثنايا اختراع الانترنت، وإمكانية أن تصل فى أى وقت.. وأى مكان، لما تريد، بضغطة زر على هاتفك المحمول تستطيع أن تصول وتجول فى جنبات أى بلد تهواه وتعرف كل شيء عنه، بما فى ذلك غرائب عادات وتقاليد الشعوب.
- رغم ما قد نتصوره هذا- استطاع علاء عبدالهادي- سندباد أخبار اليوم- أن يعيد لنا أدب الرحلات فى متعة فريدة تنقل لك المعلومة والغريب والطريف لأى مكان أو شعب وبروح وإحساس وتجربة المؤلف. وذلك فى لغة حميمية وأسلوب تلقائى بسيط، يخلق ألفة ووداً، يجعل القاريء وكأنه يعيش مع الرحالة علاء فى كل موقف ومكان. وهى حنكة تزيد من متعتك فى القراءة.
المرأة والثعبان
المرأة والثعبان.. إحدى قصص التراث العربى.. والأمريكان  يعتبرونها ميراثاً خاصا بهم يشيرون لها دائماً.. ومن عشقهم لها.. كتبها شعراء وغناها أوسكار براون.. معناها.. لا نقدم المعروف لمن لا يستحق.. وحذار أن ترعى ثعباناً، لن يحفظ جميلاً، ولن يصون «عشرة» ومجرد أن يقوى «عوده» لابد أن يعود إلى طبعه.. وكم من قلوب كبيرة قدمت العون والرعاية، لم يفعلوها سخفاً وسذاجة كما تقول كلمات الأغنية، وإنما لطبعهم وخصالهم النبيلة من إنسانية كبيرة وعطاء مهنى. يقدمون عن رضا وحب.. وكان الجزاء اللدغات السامة لليد التى امتدت بالإحسان والرعاية.. وهكذا هى الحياة.. لن يتوقف الخيرون عن العطاء.. ولن ينصلح حال الثعابين حولهم.. وإلى قصة الأغنية. ذات صباح.. وفى طريقها إلى عملها، رأت امرأة طيبة القلب ثعباناً.. فاتر الهمة متجمداً من البرد.. فصرخت قائلة.. مسكين سآخذك وأهتم بك.. تأوه الثعبان الشرير قائلاً.. خذينى أيتها المرأة العطوف.. خذينى حبا بالسماء.. أخذته ودثرته ببطانية من الحرير.. ووضعته قرب المدفأة، وغذته بالعسل والحليب.. دبت الحياة فى الثعبان الذى حنت عليه.. وراحت تربت عليه وتقبله وتحضنه ولكن عوضاً عن توجيه الشكر اليها.. انزل بها لدغة شريرة.. صرخت المرأة انقذتك فلدغتنى.. لماذا.. أنت تعلم ان لدغتك سامة وأننى سأموت الآن، فأجاب الثعبان باستهزاء.. أخرسى أيتها المرأة السخيفة.. كنت توقنين تماماً أننى ثعبان، قبل ان تأخذينى فى رعايتك. أكثر ما يرعبنى.. صورة ثعبان.. مجرد صورة.. ولكن ربنا المنجى.
همس النفس
> يا حبيب النفس والروح.. ما بال الزمان يضن علينا بلحظات سعادة كنا نخطفها منه.. ما بال الأيام أصبحت طويلة وبلا روح.. ما بال السكون أمسى دهرا لا يتزحزح.. ترى هل ستشرق الشمس من جديد.. سنرى.
> الحب.. ليس فى انتقاء الكلمات وإنما الإحساس بها.
> وعد.. أصدق العهود أقلها فى الكلمات.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة