علاء عبدالوهاب
علاء عبدالوهاب


يوميات الأخبار

حتى «كورونا» لايعظ.. ولاعزاء للإنسانية!

علاء عبدالوهاب

الثلاثاء، 14 أبريل 2020 - 06:30 م

 

كل الأجهزة التى تجعل العالم الافتراضى عند أطراف أصابعك، هى أيضاً ذات حمولة ثقيلة من القسوة والوحشية لنجوم ذات برق، ولكنه كـ «بريق الوحل»!

يوم مثل كل الأيام:
تهاوى الخط الفاصل بين الموت والحياة.
طائر الموت يحلق فوق رؤوس الجميع دون استثناء، إذ «كورونا» ذلك الڤيروس الذى يُجهد المجهر حتى يرصده، ساوى بين الغنى والفقير، الكبير والصغير، العظيم والوضيع، الحاكم والمحكوم، الكل سواء أمام الهجمة الشرسة لـ «كورونا».
فى المحن يكتشف الانسان جوهره الحقيقى، وكما شاهدت نماذج طيبة، تفيض بالخير، صدمتنى سلوكيات تفضح أسوأ ما فى اصحابها، وكأن قلوبهم أشد قسوة من الحجارة.
كلامهم، تصرفاتهم، جميع ما يصدر عن هذه الفئة يجعلنى اصرخ: لاعزاء للانسانية!
غلظة فاجعة، فحتى «كورونا» لا يعظهم، بينما الموت عند اطرافهم، ومن فوقهم وتحتهم، وعن يمينهم وشمالهم، لكن ما يصدر عنهم تعف عن مثله وحوش الغابة.
هل ثمة مبالغة أو تهويل؟
لا أظن أننى وقعت أسيراً لأحدهما.
جنباً إلى جنب، مع اداء شديد الرقى للجيش الأبيض، بمؤازرة من جنود مصر البواسل، ومن يبذلوا العطاء فى مواقع عدة، يصدمنى اصحاب سلوكيات شاذة، موغلة فى القسوة والوحشية والشراسة وكأنهم بمنأى عن الجائحة التى تحصد ما يصل إليها أو تصل إليه من ضحايا دون أى تفرقة، وبأى معيار، بخلاف شهية نهمة لنشر الموت، واختطاف اكبر عدد من البشر باقصى سرعة ممكنة، وكأن ثمة ثأر بين «كورونا» وكل من يحيا على المعمورة!
راودنى خاطر، ربما اتهمنى البعض بالرومانسية المفرطة إن كشفت عنه، ان استيقظ فأجد صفحة الحوادث قد اختفت من تبوب الصحف، غير أن ما حدث كان العكس تماماً!
نشط من يستثمرون فى آلام الناس وعذاباتهم، فيطرحون فى الاسواق اطناناً من اطعمة فاسدة، وأدوية انتهت صلاحيتها، ومستلزمات طبية «مضروبة»، ووسائل وقاية مغشوشة، والأدهى المبالغة فى الاسعار، إذ هى مضروبة فى اضعاف أضعاف اثمانها فى غير زمن المحنة!
ثمة حوادث يقشعر لها بدن الوحش الضاري: أب يعذب طفلته بسادية مرعبة نكاية فى مطلقته، القتل لذوى الارحام طمعاً فى ميراث، وازهاق الارواح فى مشاجرات عبثية و...
ولعل الاشد قسوة لم يأت بعد، فثمة من يرفضون مواراة جثامين الثرى لأن «كورونا» أصابهم، وابن عاق يرفض تماماً تسلم جثة والدته خوفاً من اصابته بما أصابها!
......و........و... تلك مجرد عينة مما أقرأ، وليتنى ماقرأت!
«بريق الوحل»!
يوم آخر لايقل قتامة:
ومن الورق إلى الشاشات.
«حرق الدم» لايقتصر على سطور سوداء فوق ورق أبيض.
شاشات التلفاز، والمحمول، وكل الاجهزة التى تجعل العالم الافتراضى عند أطراف أصابعك، هى أيضاً ذات حمولة ثقيلة من القسوة، لنجوم ذات بريق، ولكنه كـ «بريق الوحل»!
دعوات للتنمر بالجيش الأبيض بدعاوى متهافتة، وفى ذات السياق تنافسها دعوات أكثر غرابة للتنمر بضحايا «كورونا» الذين لاحول لهم ولاقوة»!
وربما كانت أشد النتائج بشاعة أن يحتفظ المريض بسره حتى يقضى نحبه، وكأنها وصمة!
«تويتات» تفضح مكنون نفوس لايشبعها مليارات جنتها، وتسعى دون كلل للمزيد على حساب الوطن، ومن لايملكون إلا عقولهم وسواعدهم لتأمين أبسط ما يضمن لذويهم حياة شبه انسانية.
«لما شوية يموتوا أحسن ما البلد تفلس»!
شعار طغمة اعمتها مصالحها الضيقة، فضرب أقطابها عرض الحائط بكل معانى الانسانية والوطنية، ونعقوا كالبوم خارج السرب، مطالبين بعودة العاملين فى شركاتهم ومصانعهم، لتعمل بكامل طاقتها، ضرباً للاجراءات الاحترازية، وإلا فانهم لن يدفعوا مرتبات، ولن يضمنوا استمرار العاملين فى مواقعهم و.. و.. وتهديدات غاية فى البجاحة تتوالى.
فى المحصلة، فإن هؤلاء فى الميزان مجرد حفنة، تترجم مفهوم الطفيليات، لأن قائمة طويلة تضم رجال أعمال وطنيين وشرفاء، وقبل الوطنية والشرف، فإنهم يتحلون بصفات انسانية ترتفع إلى مستوى الحدث العظيم الذى ألم بالجميع.
الميديا الالكترونية حافلة بشائعات يبثها بعض اصحاب اللحى المزيفة، هدفها بث التشكيك واليأس والقلق والاحباط والذعر، بل ان أحدهم دعا اتباعه إلى اقتحام التجمعات إن كان مريضا! لينقل للآخرين العدوى فأى دين يعتنقه؟!
وأخيراً؛ تصفعنا وجوه نوع آخر من النجوم، يعلم الجميع أن «الفكة» التى تحت ايديهم بالملايين، فإذا جميع مايتبرعون به «توتالة» لايتجاوز أصابع اليد الواحدة بالمليون، وكأن الأمر أقرب لغسيل السمعة، أو فرصة للدعاية، فإذا ما قارنا أداء هؤلاء بنظرائهم فى دول يحلو لنا اتهام أهلها بغياب الانسانية وتفشى المادية بينهم، تجد الحصيلة بالمليارات!
خبير «أونطة»!
ليلة كغيرها من ليال:
كم هو صادم ومؤلم أن تفرز أزمة كورونا نوعاً جديداً من الخبراء، الذين هبطوا علينا كالصاعقة، منذ يناير ٢٠١١، ممن ألصقوا باسمائهم لقب خبير.
النوع الذى وفد مع «كورونا» اذكي- أو هكذا يتصور نجومه- ممن سبقوهم، انهم يدعون الخبرة والمعرفة، ويستحلون الفتوى فى أمور طبية وعلمية دون أى مؤهل أو خبرة!
الطريف أن بعض الخبراء اياهم، قرر القيام بعملية «تحويل مسار»، بمعنى أنه ترك جانبا صفاته القديمة، وبدأ فى ارتداء زى يناسب اللحظة، بادعاء الفهم فى الشأن الصحى، واقتصاداته، وآلياته، البعض الآخر رأى الأسهل تقديم «وصفات» يسوقها باعتبارها من طرق الوقاية أو سبل العلاج.
مذيعون قرروا أن يجمعوا إلى جانب كونهم اعلاميين، انهم أيضا خبراء فى كل ما يتعلق بالڤيروس المرعب، وهات يا فتوى!
لا هؤلاء، ولا اؤلئك لهم علاقة بالطب أو العلم، لكنهم يدعون المعرفة الموسوعية التى تؤهلهم لأن يدلوا بدلوهم فى قضية الساعة، فى استهانة واضحة وفجة بصحة الناس ووعيهم.
ليس عيب تلك الاصناف من البشر، لكنه غياب الرقابة الصارمة الحازمة، التى من شأنها عدم الاكتفاء بالمنع، وإنما كذلك الحساب الصارم لهم ولمنصاتهم.
ما يدعو للضحك إلى حد البكاء، وشر البلية ما يضحك، أن يدخل على الخط دعاة الخرافة، من نجوم احترفوا الوعظ فى كل شيء، لأنهم ممن انكشف عنهم الحجاب، والروشتة التى يقدمونها دون ملل، مزيج من الأدعية، وتحريف الكلم عن مقاصده تبشيرا وتنفيرا، وحرفا للناس عن التمسك بالعلم الحقيقى، واتباع أهل الذكر فى هذه الحالة أى الأطباء.
يبدو انها فرصة لانتشار «الخبراء الأونطة» ما دام ليس ثمة حسيب أو رقيب، واستثمارا لحالة الفزع والهلع التى تجتاح المجتمعات، فى غياب العلاج، أو حتى اكتشاف ما هية الڤيروس الملعون!
تساؤلات تتناسل
من الأمس إلى الغد:
هل تغيرنا فعلا؟ هل التغيير للأفضل أم الأسوأ؟
هل تستمر حالة «اللايقين» إلى ما بعد انقشاع الأزمة؟
هل يعيد البشر حساباتهم فى كل أمور حياتهم فى ضوء خبرات عانوا من جرائها تحت ظلال «كورونا»؟
هل ثمة تضخيم فى آثار الجائحة على تحديد ملامح العالم الجديد بعد أن تصبح مجرد ذكرى مؤلمة مرعبة؟
هل ننسى بعد وقت ليس بالبعيد كل المعاناة والألم التى تمخضت عن الأزمة ونعود سيرتنا الأولى؟
هل يعد طرح السؤال السابق نوع من الترف لا نقدر عليه؟
هل بمقدور أى انسان مهما بلغت قوته، أو دولة مهما كانت سطوتها أن تغامر بتجاوز كل ما حدث وكأنه لم يقع؟
هل كان «كورونا» مجرد كاشف لأنفسنا وأحوالنا عن حقائق غابت عنا أو غيبناها بوعى أو بدونه، ولم تكن زيارته الثقيلة إلا مناسبة لاستجلاء ما غاب طويلا؟
وأخيرا، هل يعترف الانسان كم هو ضعيف مهما ادعى، وكم هو هين مهما أوهم نفسه بغير ذلك؟
و...و...وهل وهل... وعشرات التساؤلات أنام واستيقظ، وفى السكون والحركة، وفى البيت والعمل تشغلنى، ولاشك تشغل ملايين غيرى، وسنظل نبحث لها عن اجابة، وندعو الخالق العظيم أن يلهمنا اليقين والصواب ولو بعد حين.
ومضات:
> دع ما للعلم للعلم، وما للدين للدين.. تنتصر على الخرافة.
> العزلة ليست دعوة للانطواء، ربما تدفع لاكتشاف ذاتك.
> مهما تصور الانسان درجة سموه، يجب ألا ينسى أنه كائن بيولوچي!
> لا داعى للدهشة أمام رفقاء طريق لاتتطابق سماتهم، لأن الناس تتكامل فتنمو العلاقة وتترسخ.
> صناعة الأمل الخيار الأصعب فى لحظة الأزمة.
> الغموض يضاعف المخاوف، ولايمحوها إلا السعى للمعرفة الحقيقية.
> ثمة بشر يستمتعون بنعمة الذاكرة الضعيفة، لكن الشعوب لاتملك هذا الترف.
> الصمت قد يفضح النوايا بأكثر من الضجيج!
> عندما يثمن الانسان فائضاً عن الحاجة، تصبح الحياة فى الغابة اكثر رحمة.
> عادى أن يبلغ أى انسان نهايته المحتومة بالموت، الفظيع أن يصل قطار الموت للانسانية ذاتها.
> الرياضة دون روحها، مجرد جهد بدنى ضائع!

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة