ميركل
ميركل


ألمانيا تقدم نموذجًا متفوقًا في التعامل مع أزمة «كورونا»

أ ش أ

الخميس، 16 أبريل 2020 - 12:29 م

 

جاء قرار الحكومة الألمانية بتمديد القيود المفروضة لمواجهة انتشار وباء "كورونا" ليتوافق مع الاتجاه العام للشعب الألماني باستمرار فرض هذه القيود للحد من تفشي الوباء ووقف انتشاره بصورة أكثر شراسة، لتستمر ألمانيا في تقديم نموذجا متفوقا في مواجهة "كورونا".


وكانت الحكومة الفيدرالية برئاسة انجيلا ميركل وحكام المقاطعات الستة عشر، قرروا في اجتماعهم أمس الأربعاء، استمرار فرض القيود، وبينها اغلاق المدارس، حتى الثالث من مايو المقبل على أن يتم رفع هذه القيود تدريجيا اعتبارا من ذلك التاريخ. كما تم الاتفاق على أنه سيتم السماح لبعض المحال التجارية بإعادة فتح أبوابها اعتبارا من الإثنين المقبل، إضافة إلى تجار السيارات والدراجات الهوائية والمكتبات.


وجاءت هذه القرارات في الوقت الذي كانت تتعالى فيه بعض أصوات الساسة البارزين للمطالبة بتخفيف القيود المفروضة في ظل تزايد التداعيات السلبية الواقعة على الاقتصاد الألماني الذي من المتوقع أن ينكمش بمعدل 9.8% في الربع الثاني من العام، فضلا عن التداعيات الاجتماعية والصحية الناجمة عن حالة الإغلاق التام.


غير أن قرارات الحكومة الألمانية جاءت لتتماشى مع الاتجاه العام الذي يؤيده الشعب الألماني والذي يفضل استمرار فرض هذه القيود.


في هذا السياق أظهر استطلاع للرأي، أجراه معهد "يوغوف" لقياس مؤشرات الرأي في ألمانيا، أن 44 % من الألمان يدعون إلى تمديد فرض القيود لما بعد 19 أبريل الجاري، بينما يطالب 12% آخرون بتشديدها.


وأوضح الاستطلاع تأييد شريحة واسعة من المواطنين للقيود المفروضة على الحياة العامة في ألمانيا، حيث أكد 78% من المستطلعة آرائهم التزامهم الكامل بهذه القيود، بينما ذكر 18% أنهم ملتزمون إلى حد ما، مقابل 2% فقط أعربوا عن عدم التزامهم.


وكانت الحكومة الألمانية من أوائل الحكومات الأوروبية التي اعتمدت إجراءات حجر قاسية للحد من انتشار وباء كورونا العالمي، حيث قررت في 22 مارس الماضي فرض قيود صارمة على حرية الحركة لمدة أسبوعين ثم تمّ تمديد القيود لما بعد عيد القيامة، أي بعد يوم الأحد المقبل.


وبدا واضحا أن إجراءات القيود والعزل المتبعة في ألمانيا نجحت بدرجة كبيرة في احتواء الأزمة وإبطاء انتشار الفيروس، حيث سجلت حصيلة وفيات أدنى من جارتيها فرنسا وإيطاليا، وتباطأت وتيرة الإصابات اليومية وهو ما يعكس تفوق ألماني ملحوظ في مواجهة كورونا مقارنة بأقرانها الأوروبيين.


وبات لافتاً نجاح النموذج الألماني في التعامل مع الأزمة، إذ أظهرت دراسة بريطانية نشرتها صحيفة "دير شبيغل" الألمانية في 13 ابريل الجاري أن ألمانيا تحتل المركز الثاني، من بين 100 دولة أجريت عليها الدراسة، من حيث فعاليتها في التعامل مع فيروس "كورونا". واستندت هذه الدراسة إلى عدة معايير منها تاريخ البدء بإجراءات تقييد التجول، وعدد الخروقات له، وحجم إجراءات تقييد السفر، وعدد الفحوصات، ومستوى استعداد المستشفيات والعيادات، والسرعة في تعبئة وحشد المساعدات اللازمة.


كما يرى فريق من المراقبين أن هناك عوامل اجتماعية وثقافية مهمة لعبت دورها في تحقيق التفوق الألماني، من بينها طريقة تنظيم العلاقات الاجتماعية ورعاية المسنين، وثقافة الانضباط الاجتماعي واحترام القانون.


في هذا السياق، أظهرت دراسة حديثة أن الألمان يواصلون الالتزام بقواعد الحجر الصحي الأكثر صرامة وخصوصا التباعد الاجتماعي، وبأن نسبة الالتزام الصارم تصل حاليا إلى 69 %.


ويبدو واضحا من المشهد السابق أن السياسات المتبناة من قبل الحكومة الفيدرالية وطريقة إدارتها للأزمة تحظيان برضا غالبية الشعب الألماني، وهو ما انعكس في التزام المواطنين بالإجراءات المفروضة وأدى بدوره إلى تباطؤ معدلات الإصابة. وأظهر استطلاع للرأي أن 72% من المستطلعة أرائهم راضون عن تعامل الائتلاف الحاكم مع الأزمة ومؤيدون له كما أعرب ثلثا المستطلعين عن ثقتهم بقدرة النظام الصحي والأطباء في ألمانيا على التعامل مع الوباء والتغلب عليه.


ولم يقتصر التأييد على المستوى الشعبي، بل أن كثيرين من حزب الخضر ومن الديمقراطيين الأحرار أظهروا دعما ملحوظا لسياسات الحكومة في التعامل مع الأزمة.


إضافة لذلك، شكلت "كورونا" فرصة ذهبية لميركل لاستعادة شعبيتها وبزوغ نجمها من جديد في سماء أوروبا، حيث ظهرت المستشارة الألمانية في الخطوط الأمامية لإدارة الأزمة، وعقدت العديد من المؤتمرات الصحفية لتناول كافة التدابير الخاصة بالوضع الراهن، وألقت خطابا للأمة استطاعت خلاله أن تبدو بمظهر هادئ و تقدم حديثا قاطعا وحاسما. ولم تكتف بالتصريحات بل أعلنت حكومتها بشكل فوري، وبخلاف كل مبادئها الاقتصادية المحافظة السابقة، عن ميزانية طوارئ بمبلغ 156 مليار يورو لدعم اقتصاد البلاد.


وبعد الإعلان عن دخولها في حجر ذاتي في منزلها عقب اختلاطها بطبيب مصاب بالفيروس، حازت ميركل على تعاطف مواطنيها وواصلت عملها في إدارة البلاد عن بعد حتى خرجت من الحجر أوائل الشهر الجاري، وهو ما ساهم في زيادة شعبيتها في مختلف الأوساط حتى أن أحد زعماء المعارضة من حزب الخُضر قال "علينا أن نفرح بأن لدينا رئيسة وزراء مثل أنجيلا ميركل". 


في ضوء المشهد السابق، يبدو واضحا أن أزمة كورونا أبرزت "نموذجا ألمانيا متفوقا" على أقرانه الأوروبيين في التعامل مع الأزمات ولعبت دورا محوريا في استعادة ميركل لشعبيتها التي عادت لتتصدر المشهد الألماني من جديد، كما ساهمت أيضا في ارتفاع شعبية حزبها المسيحي الديموقراطي وهو ما قد يؤثر بدوره على سير الانتخابات التشريعية المقرر عقدها في سبتمبر 2021.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة