محمد أبوذكري
محمد أبوذكري


يوميات الأخبار

بين المرارات والمسرات

محمد أبوذكري

الثلاثاء، 28 أبريل 2020 - 07:59 م

 

كل عام وأنتم بخير  أحبائى.. وزملائى.. وأهلى.. وأصدقائى.. وكل قارئ كريم لسطورى القادمة.

أقول لكم جميعاً.. رمضان كريم على مصر أم الدنيا.. بأبنائها مسلميها ومسيحييها أخواتنا وأمهاتنا وأبائنا وشركائنا فى الأرض والوطن والدم والروح والذين تتزامن أعيادنا مع أعيادهم..
ونحاول معاً أن نرسم على وجوهنا.. إبتسامة أمل تمحو الخوف الذى نحياه لنكاتف ـ يدا بيدـ وقلباً بقلب لنحارب الوباء الذى يحيط بنا ويطاردنا.. فلندع  ونصل معاً أن يرفع الله الغمة.. ويزيل البلاء عن كل مريض ليس فى مصرنا الحبيبة بل فى العالم.. لتدق أجراس الكنائس من جديد.. ويعود الأذان فى مساجدنا.. ونزين أيامنا وأحلامنا وأمانينامعاً.. لتبق  مصر أمنا بلد الأمن والأمان.. ونقول لكل زوارها قريباً.. ادخلوها سالمين.. ادخلوها آمنين- مصر بلد الطيبين آمين - آمين- آمين..
وقبل أن أعود للكتابة مجدداً.. بعد غياب دام ٤ سنوات.. عليّ أولا أن أصارحكم وأصدقكم القول والكلمة والمعنى والحرف والفصلة والهمزة- لأضع النقاط فوق الحروف- وأكون صادقاً مع نفسى أولاً.. محباً لها- متصالحا معها- ورحيما ورفيقا بها.. فقد عانت وذاقت معى الكثير من الدموع والمرارات- والقليل القليل من الفرح والمسرات -ولذا سوف أحاول أن أترفق بها- وأعدكم بألا أكتب عنها مرة ثانية.. وهذا قسم ووعد بينى وبينكم فبعد غيابى الطويل عنكم- كان لزاما عليّ أن أشرح وفى السطور القادمة سوف تقرأون وتعلمون سر ابتعادى عن القلم.. فإننى فى الواقع عندما أتذكر تلك الأيام والسنوات التى مرت من عمرى أشعر وكأننى أرى حلماً كبيراً.. كنت أحياه مرة.. وأموت فيه مرات ومرات..
فيا عزيزى القارئ الكريم ..ترفق بى.. وبما ستقرئونه.. فهذه السطور قطعة من قلبى وعقلى ودمعى ودمى..


معشوقتى «الأخبار»
اليوم أعود إلى بيتى الثانى.. إلى معشوقتى ومحبوبتى «الأخبار» لأكتب لأول مرة يوميات.. بعد أن كتبت طوال مشوارى الصحفى العديدمن المقالات والتحقيقات والأخبار والموضوعات مع نجوم الفن والأدب.. فى  زمن الفن الراقى الجميل.. فقد تخرجت فى جامعة الاسكندرية عام ١٩٨٧.. وحصلت على جائزة مصطفى وعلى أمين -رحمهما الله- فى العام التالى وأثناء دراستى للماجستير ولم أنتظر للحصول على الدكتوراة.. حيث إن نداهة الصحافة أخذتنى فى أحضانها.. وسافرت إلى القاهرة مرة ثانية.. ليس من أجل الحصول على جائزة أخرى.. ولكن الأقدار دفعتنى إلى العمل داخل جدران محبوبتى «الأخبار» ليتم اختيارى محرراً تحت التمرين بقسم الإذاعة والتليفزيون والذى أفخر بالعمل به تحت رئاسة استاذى ومعلمى الأول عصام بصيلة رحمه الله.. تاركاأهلى وأمى وأبى ومدينتى الاسكندرية.. بحثاً عن حلم جديد فى عالم الصحافة.. البديع الرائع.. الزاخر بالأسماء اللامعة من أصحاب  القلم الصادق الأمين عمالقة الأخبار وعلى رأسهم ومنهم ومعهم سعيد سنبل وجلال دويدار  وأبى الثانى سعيد اسماعيل رحمه الله.

أمى.. ثم أمى.. ثم أمى.. ثم أمي
واليوم.. عندما أذن الله.. أن أعود اليكم بعد غياب طال وأمتد لأكثر من ٤ أعوام.. عدت لحضن أمى.. إلى جانب عملى كمدير لمكتب الأخبار بالاسكندرية.. حضن أمى.. الذى أختار الله اسم «حسنة» من الحسن والجمال مع الورع والخشية منه.. والتى تعلمت الجرأة منها مع الإلتزام والاحترام.. قبل أن أعرف طريقى إلى المدرسة.. وتلقى العلم على يد أساتذتى الكرام.. متعها الله بالصحة والعافية.. والتى لايفتر لسانها رغم بلوغها ٩٠ عاما.. عن الدعاء فى الصلاة والقيام والصيام حتى يومنا هذا.. الدعاء لى ولأخوتى فى الدم والرحم وعايدة ونورا ونادية.. وأخى الأصغر الشهير بالأستاذ باعتباره مدرساً متميزاً فى مادة الرياضيات - شفاه الله وعافاه ـ ولا أنسى لأمى الصابرة العابدة الساجدة- وقبل الألتفاف حول الطبلية ومعنا وقبلنا أبى «رحمه الله» مقولتها الشهيرة «العقل والدين للبر الأخير» الحافظة للقرآن الكريم والأحاديث النبوية عن ظهر قلب .. رغم أنها لاتعرف عن القراءة والكتابة إلا القليل.. وكل هذا بفضل الله وحرصها على الذهاب إلى المساجد وسماعها لكبار الشيوخ والعلماء من رجالات الأزهر الشريف..
ومتابعتها اليومية لإذاعة القرآن الكريم.. والتى تحفظ أسماء مذيعيها الأفاضل.. وتحفظ أسماء برامجهم وتعرف موعد إذاعتها من أول الإذاعية القديرة هاجر سعد الدين مروراً بالإذاعى المتميز ابراهيم مجاهد وحتى الاذاعى النابه شحاتة العرابى وزملائه الكرام.. وكان برنامجها المفضل والقريب إلى قلبى وقلبها«قطوف من حدائق الإيمان» الذى يذاع فى منتصف الليل يومياً منذ سنوات وسنوات وحتى الآن!

رفرفة أذنية!
وفى يوم من أيام إبريل عام ٢٠١٦.. كانت المفاجأة والإبتلاء بالمرض مرة أخرى مع أزمتى القلبية الثانية- وكانت الأولى عام ١٩٩٣ أجريت وقتها عملية قلب مفتوح «أوبن هارت» والتى زارنى فى العناية المركزة بأحد مستشفيات الاسكندرية زميلى وأخى وصاحبى وصديقى الغالى الاستاذ أحمد جلال والذى أصبح الآن مديرا عاماً لدار أخبار اليوم.. بارك الله فيه وفى أمه الغالية وأخواته وزوجته الفاضلة وأولاده.. أعود إلى أزمتى القلبية الثانية.. وعندما أتذكر تلك الأيام وقسوتها ومرارتها وحلوها ومرها.. أعود بذاكرتى إلى المخبوء داخلها من الألم والآهات ما بين أدوية .. مذاقها كالعلقم.. وكشف طبى وسونار.. وعناية مركزة. ومتابعة يومية.. وتحاليل.. ومحاليل معلقة فى ذراعى ورقبتى.. ومرض عضال أضعف «عضلة القلب» مع إلتهاب حاد فى الأعصاب.. وضربات قاصمة فى ظهرى وضلوعى.. وأنين وطنين فى الصدر والرئة. مع ضغط عال  وتكسير فى العظام والرقبة والاكتاف واليدين وارتعاشات لا إرادية.. وتصلب وتحجر فى الشرايين والأوردة.. يبحث الأطباء.. عبر سن الإبر الشائكة.. عن نقطة دماء.. مع دعاء ورجاء إلى الله أن يمن علىَّ بالشفاء..  وبعد كل هذه السنوات أنعم الله عليّ بفضله وعفوه.. ودعاء الخلصاء والأوفياء من الأهل والأحباء.. أعادنى إلى الحياة مرة أخرى سليماً معافى بعد العناء.
فعند دخولى المستشفى ليلاً.. وبمجرد أن وضع الطبيب السماعة على صدرى وقلبى العليل الواهن قالها بحسم وقوة وإصرار شديد بأننى أعاين من «رفرفة أذنية» تستلزم علاجى فوراً ودخولى العناية المركزة فى التو واللحظة..
رجوته قبل إجراء أى شىء أن أتصل تليفونيا بأخى الكبير خالد.. شقيق زوجتى وسر أسرارى ورفيق رحلتى وصحبتى ومشوارى.. والذى  أخبرته  حينها.. بما قاله الطبيب المعالج.. ورجوته بألا يخبر أمى وزوجتى وأخوتى.. وسلمت نفسى وروحى وقلبى للطبيب.. والذى أعلمنى وهدأ من روعى بأن الأمربسيط.. وأن تلك «الرفرفة الأذنية هى السبب فى ضربات قلبى السريعة.. والمتسارعة.. قالها الطبيب بهدوء شديد.. دون  أن يعلم بما يدور فى عقلى.. بأننى فى تلك اللحظة الفاصلة -بين حياتى ومماتي- سوف أترك القلم.. وأضع قلبى بين يديه ليضمد جراحى.. ويداوى آلامى.. فقد جاءت كلماته صادمة صارمة حاسمة -آسف أستاذ محمد- ضميرى لايسمح لى بأن أتركك لتذهب وأنت فى هذه الحالة الصعبة فعضلة القلب أصبحت ضعيفة جداً ولايصلح معك التدخل الجراحى.. ولذا سوف تبقى معنا تحت الملاحظة أياماً قادمة.. وعليك أن تنسى كل شىء.. وتنسى القلم.. وتهمس إلى عقلك أن يستريح فمن الآن وصاعداًَ عليك أن تصادق القلب والألم.. وتخاصم العقل والقلم وإلا سوف تفقد حياتك وتفقد الاثنين معا!

الرحيل الباسم
فى ليلة من أجمل الليالى.. وأحبها إلى الله.. ليلة الإحتفال بميلاد النبى «محمد» صلى الله عليه وسلم.. كان الرحيل الأبدى لأبى «رحمه الله» هذا الرجل.. الطيب القلب.. الرقيق الشاعر.. والذى لم يفتر   لسانه وقلبه عن ذكر الله.. وحتى وهو فى مرضه الأخير.. إلى أن توفاه الله.
فى تلك الليلة المباركة.. رحل أبى فجر الأحد فى شهر مايو عام ٢٠٠٣.. ودفن بعد صلاة ظهر الاثنين ورغم الحزن الشديد الذى ملأ قلوبنا لرحيله- أمى وأخوتى وأنا.. إلا أننا فى هذا اليوم أنزل الله علينا من السكينة والهدوء.. قارئين على روحه قول الحق تبارك وتعالى «يا أيتها النفس المطمئنة إرجعى إلى ربك راضية مرضية فادخلى فى عبادى وادخلى جنتى» صدق الله العظيم.
فقد كان نعم الأب.. الأواب.. الشديد الخوف من الله.. والحب لله.. الذى عرف الطريق إلى الصلاة فى المسجد منذ أن كان عمره ٧ سنوات.. وحتى نهاية الأجل والعمر ورحلة الحياة وعمره ٨٣ عاماً.
لم أكن مثله.. ولن أكون.. فقد كنت بليداً.. عنيداً مع الله.. ولا أعرف الطريق إلى مساجده إلى أن هدانى الله وكتب لى الحج وقد اقترب عمرى من الثلاثين عاما أو يزيد.. ومن تلك اللحظة تغيرت حياتى تماما وتزوجت فى العام الثانى.. وأكرمنا الله فى العام الثالث بأداء العمرة «أبى وأمى وزوجتى وأنا» وفتح الله أبواب الرزق.. وأفاض عليّ من كرمه ونعمه الكثير.. بفضل دعوات أبى وأمى وكل أحبتى وأخوتى وزوجتى التى تحملت وصبرت طويلا ووقفت بجانبى وعاشت معى ومازالت تعيش على المرة قبل الحلوة.. وبعد ١٢ عاما من الزواج.. دون انجاب.. رزقنا الله بابنتنا الوحيدة نور الفريدة الرائعة الخلقة والخلق والاخلاق مثل أمها فأسميتها «نور» عمرها الآن ١٠ سنوات وتتعلم وتدرس بمدرسة الراهبات بالاسكندرية قسم اللغة الانجليزية وتعشق العزف على البيانو.. وآخر مقطوعة لها موسيقى «انت عمرى» لكوكب الشرق أم كلثوم.
لم أنس أبى.. ولن أنساه ماحييت.. فرغم مرور كل هذه السنوات مازالت صورته وصوته يأتينى..  يذكرنى بكلماته وابتساماته الحانية.. والذى قالت عنه زوجتى ذات يوم.. الأب الحنون الطيب «المتسامح» المتصالح مع الله ومع كل البشر.. فسلام عليك ياأبى.. ودعاء إلى الله.. أن يجعل قبرك روضة من رياض الجنة.. وأن يسكنك الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.. وحسن أولئك رفيقا وأن يدخلك برحمته جنات النعيم.. آمين.. آمين.. آمين.
وأخيراً وليس آخراً أختم يومياتى بالمقولة الشهيرة والأثيرة والمؤثرة لأستاذى ومعلمى ابراهيم حجازى صاحب الرؤية الثاقبة والقلم العاقل الرصين.. والذى يختتم جميع مقالاته بكلمة موجزة «وللحديث بقية.. إن كان فى العمر بقية».

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة