الدكتور أحمد عكاشة أستاذ الطب النفسي في كلية طب جامعة عين شمس
الدكتور أحمد عكاشة أستاذ الطب النفسي في كلية طب جامعة عين شمس


حوار| أحمد عكاشة: كورونا «مش عار».. والإعلام ضخّم الأزمة

حاتم حسني

الثلاثاء، 05 مايو 2020 - 05:36 م

أحمد عكاشة: لو أن العالم أنفق على العلم والصحة بدلا من التسليح لما كان الكورونا
أحمد عكاشة: مصر تشارك في أهم التجارب العالمية لإيجاد علاج للكورونا 
أحمد عكاشة: الإعلام لعب دورا هاما في تضخيم حجم أزمة كورونا

وقع مرضى فيروس كورونا ضحية لبعض فئات المجتمع المصري، بسبب اختلاق وصمة مجتمعية للمرضى؛ ما كان له دور كبير في تأخر الكثيرون عن التوجه للمستشفيات والاعتراف بمرضهم، خوفا من مذابح الكرامة التي نصبها سفاحو الإنسانية.

بعد انتشار الحديث عن وصمة مريض الكورونا، كان لـ"بوابة أخبار اليوم" لقاء مع أستاذ الطب النفسي في كلية طب جامعة عين شمس والرئيس السابق للجمعية العالمية للطب النفسي وعضو المجلس الاستشاري الرئاسي لكبار علماء مصر، ومستشار رئيس الجمهورية للصحة النفسية د. أحمد عكاشة؛ ليجيب على كل ما يدور في الأذهان حول أسباب نظرة المجتمع لمريض فيروس كورونا وكيفية تغييرها، وإلى نص الحوار.. 
 
- هل أصبح مريض كورونا موصوما في المجتمع المصري؟
الكثيرون قد يرددون كلمة وصمة ولكنهم لا يعرفون معناها، فالوصمة هي علامة تؤدي إلى النبذ والتهميش، وسابقا كان هناك وصمة لمرض السرطان وكان يسمى بـ"المرض الوحش" أو المرض الخبيث أو المرض اللي ما يتسماش، وكذلك كان هناك وصمة للمرض النفسي، ونظمت منذ 8 أشهر حملة لإزالة الوصمة عن المرض النفسي، أكدت خلالها أنه مرض في المخ وليس سحرا أو عيبا تربويا فهو مرض كأي مرض آخر قد يصيب جسم الإنسان، ولكن هذا النبذ كان سببه الجهل، وبالتالي فالوصمة هي نتيجة للجهل وقلة الوعي، ولذلك تكون الوصمة في كثير من الأحيان مرتبطة بفهم الإنسان لطبيعة الأمر.

- هل تختلف نظرة المجتمع للمريض باختلاف المستوى التعليمي والثقافي؟
هناك فارق كبير جدا ما بين نظرة المتعلمين والجهلاء، وخير مثال على ذلك أننا جميعا تابعنا حالة وكيل كلية طب قصر العيني، الذي توجه للمستشفى بشكل مباشر فور إحساسه بأعراض تشبه أعراض كورونا، وأعلن خبر إصابته بشكل طبيعي دون أي حسابات.


والكورونا لم تفرق بين الغني والفقير.. بين الجاهل والمتعلم.. بين القادر وغير القادر، والكل سواسية أمام الكورونا؛ فجميعنا أولاد آدم وحواء، واعتقد أن زيادة الوعي بالمرض وأعراضه وأسبابه قادرة على إزالة أي وصمة، حيث لا يوجد أي داعي لهذا النبذ.

وهنا يجب أن يعرف الجميع عدة إحصائيات هامة، أولها أن 85% من مرضى كورونا لا يحتاجون للعلاج في المستشفى، أما الـ15% الذين يحتاجون لدخول المستشفى، فيما لا يحتاج لدخول أقسام الرعاية المركزة سوى 3% فقط، كما أن عدد الإصابات في العالم تجاوز الـ3 مليون مصاب، توفي منهم حوالي ربع مليون، وفي مصر 7300 حالة والوفيات 425 حالة، والكورونا موجود في 212 دولة حول العالم، وأمريكا بكل ما تملكه من تطور وأسلحة فتاكة وغيرها لم تستطيع السيطرة على هذا الفيروس الضعيف وهي رسالة على أن التريليونات التي كان يتم إنفاقها على التسليح، لو أنها أنفقت على الصحة لعاش العالم كله في أمان.

- كيف يمكن أن نتخلص من الخوف غير المبرر؟
نحن نحتاج إلى الخوف، فهو ضرورة إذا كنت تواجه وحشا قاتلا، وكذلك عند استعداد الطالب للامتحان، ولكن إذا زاد الخوف عن حد معين أصبح خوف مرضي وهو ما أصاب بعض الناس في وباء كورونا، عندما تحول تفكيرهم وحياتهم إلى وسواس، كما أن الخوف يمكن أن يكون مصحوبا بالقلق في 80% من الحالات، ويمكن أن يكون مصحوبا بالهلع في 20 إلى 30% ويمكن أن يكون مصحوبا بالوسواس.. أما الهلع فهو نوبات تأتي للإنسان، قد تسبب زيادة في ضربات القلب وإحساس بالاختناق، ويمكن أن يصل إلى الإغماء لمدة دقيقتين أو ثلاث دقائق، وربما تحدث اضطرابات الهلع أكثر من 3 مرات في الأسبوع، والهلع هو نوع من القلق الحاد. 

- ما هو السبيل لعلاج الخوف من كورونا؟ 
الخوف له مركز في المخ ويمكن علاجه بطرق نفسية، وكذلك بنصائح منظمة الصحة العالمية التي تتمثل في تجنب متابعة أي أخبار تسبب الحزن والقلق، والسعي إلى معرفة المعلومات التي تساعد الإنسان على حماية نفسه ومن حوله مرة إلى مرتين يوميا فقط، ولا تجعل حياتك تدور حول الوباء فقط، فحاول التمتع بوسائل التواصل الاجتماعي، ومارس القراءة والرياضة في المنزل.

- ما هي أسباب الخوف من كورونا؟ 
مصر متواجدة في أحد التجارب العالمية الساعية إلى إيجاد دواء أو مصل لهذا المرض "ريمديسيفير Remdesivir"، بالإضافة إلى الدواء الياباني الذي يتم تجربته في مصر حاليا، علاوة على فصل البلازما من المتعافين وحقنها في المرضى، وكل ما سبق رغم أنه جهد كبير ومحمود، إلا أنه في حد ذاته يعتبر أحد أهم أسباب الخوف والذي يتمثل في عدم وجود علاج، في ظل هذه التجارب الكثيرة، حيث أن اكتشاف علاج جديد يحتاج إلى 6 أشهر بحد أدنى، بينما يحتاج اكتشاف الأمصال مدة أطول لا تقل عن عام.

وهنا أحب أن أؤكد أن الأمصال لا تقضي على الفيروس ولا تمنع المرض ولكنها تحد من أعراضه، وهذا يعني أننا سنعيش ونتعايش مع المرض، ولكن ما يدعو لعدم القلق هو أن كل 100 عام يحدث وباء عالميا يحصد حياة الملايين، ففي عام 1720 حصد الطاعون الأسود ثلث سكان أوروبا، وفي عام 1820 جاءت الكوليرا وقتلت الملايين، وفي 1920 جاءت الأنفلونزا الإسبانية، وها نحن اليوم نعيش نفس التجربة مع كورونا، فيجب التأمل في هذه الأرقام ومحاولة قراءة معنى الرسالة، وهل المقصود منها كسر غرور الإنسان، بنجاح هذا الفيروس الضعيف في كشف حقيقة الإنسان ووضعه في حجمه الحقيقي حتى لا يغتر بما وصل إليه من علم في كافة المجالات.

وعلينا أيضا أن نتذكر ونعي جيدا أن الحرب العالمية الأولى مات خلالها 40 مليون عسكري ومدني، وفي الحرب العالمية الثانية مات 60 مليون عسكري ومدني، علما بأن المؤشرات لا تدل على أن ضحايا كورونا يمكن أن يصلوا لهذه الأعداد، رغم أن العالم بدا جاهلا أمام هذا المخلوق الضعيف، وكل من يتم شفائهم يتعافون من المرض دون علاج تقريبا، وهنا رسالة أخرى، تتمثل في أن ضخ الأموال في العلم والصحة بدلا من الأسلحة كان بالتأكيد سيكون له نتيجة أفضل.


- هل يشعر الدكتور أحمد عكاشة بالخوف من هذه الأزمة؟ وكيف يمكن تقليل هذا الخوف؟
أنا عن نفسي متفائل بأن الأزمة التي نعيشها ستنتهي، أما عن كيفية تقليل الخوف فلابد من الوقاية كأول وأهم خطوة للتقليل من انتشار المرض، لحين اكتشاف طعم للمرض وحماية الفئات الأكثر خطورة بالعزلة؛ لأن الإصابة قد تعرضهم إلى الموت، والاهتمام بالتباعد الاجتماعي قدر الإمكان، وتغيير بعض العادات والموروثات مثل التجمعات في الجنازات وغيرها من هذه لمناسبات الاجتماعية، ومحاولة التغلب على عيب هام في الشخصية المصرية يتمثل في تغليب العواطف، والعمل على تحقيق أقصى استفادة من هذه الظروف الاستثنائية، وذلك استنادا إلى المعادلة التي تشير إلى أن أقصى استثمار في الأبناء هو المدة التي يقضيها الأب والأم مع أبنائهما.

وهذا يعني أن ميراث الأبوين لأبنائهما من نقود وأملاك لن يجعلهم في صحة نفسية جديدة مقارنة بما يقضونه معهم من وقت، بدلا من اللجوء إلى الإنترنت والسوشيال ميديا، فهي فرصة للحميمية، كما يجب الإقلال قدر الإمكان من متابعة السوشيال ميديا؛ لأن 80% مما يكتب ويقرأ على "فيسبوك" غير صحيح، وفيما يخص الكورونا فإن هذه النسبة ترتفع مابين 90 إلى 100% على شاكلة الأكلات التي تقي من الكورونا والشلولو وغيرها مما يشعر الإنسان أنه يعيش في متاهة ولا يفهم شيئا، كما يجب التيقن أن كورونا أقل خطرا وتهديدا من أمراض أخرى مثل سرطان الثدي الذي يصيب واحدة من كل 8 سيدات.

وما يدعو للاطمئنان أن يذكر كل إنسان نفسه بأن العالم بأثره يبحث عن الدواء.

- هل ساهم الإعلام في تضخيم أزمة كورونا؟
نعم الإعلام في جميع دول العالم لعب دورا هاما في تضخيم حجم الأزمة حيث دأبت جميع وسائل الإعلام العالمية على التحول في كل ما تقدمه من محتوى إلى تغطية أزمة كورونا، في حين أن هناك قاعدة تقول إنه كلما زاد الحديث عن شيء ما زاد الخوف المرتبط بهذا الشيء، وهذا ما يحدث في أمور كثيرة أبرزها أخبار الثانوية العامة، فلا يوجد بلد في العالم تتصدر فيه أخبار الثانوية العامة مانشتات الصحف مثلما يحدث في مصر، ولذلك نجد أن الثانوية العامة أصبحت أشبه بشبح مرعب.

كما أن هناك نظرية نفسية هامة يجب الانتباه إليها وهي أنه كلما زاد الحديث عن ظاهرة ما زاد انتشارها وتقليدها، فإذا تحدثنا بكثافة عن الانتحار سيزيد انتشاره، ولو كثر الحديث عن الإدمان زادت نسبته، وإذا كثر الحديث عن الاغتصاب ارتفعت معدلاته، وهناك مثال من أحد الدول الاسكندنافية التي طلبت من وسائل الإعلام عدم التحدث عن ظاهرة الانتحار لمدة 6 أشهر، وبعد مرور هذه المدة وجد أن نسبة الانتحار تراجعت حوالي 40%، كما أن كثير من مرضى الإدمان يقولون إنهم بدئوا الإدمان بعد مشاهدة فيلم ما أأظهر تاجر المخدرات وقد أصبح ثريا ويحيى حياة مليئة بالملذات والمتع، رغم أن شخصية البطل كان مصيرها الإعدام في نهاية لفيلم.

ولكن معظم المقبلين على الإدمان تتميز شخصياتهم بأنهم يعشقون التجربة ويحبون الحداثة بشكل دائم، ولا يهتم بالمخاطر بقدر ما يهمه اللذة الفورية السريعة، بمعنى أنه يفضل الحصول على مبلغ من المال بشكل فوري أكثر من الصبر لمدة أطول والحصول على أضعاف هذا المبلغ، ومثل مدخني السجائر الذين يعرفون جميعا أن التدخين يؤدي إلى الإصابة بسرطان الرئة، وأن 84% ممن يصابون بسرطان الرئة هم من المدخنين.
 
- ما هو رأي د. أحمد عكاشة في وجود وصمة لمريض كورونا من عدمه؟
أنا لا أعتقد في وجود هذه الوصمة، ولكن الخوف من الكورونا أصبح أشد خطرا من المرض ذاته، وبهذه المناسبة أحب أن ألفت نظر الجميع إلى خدمة هامة تقدمها أمانة الصحة النفسية وهي خدمة الدعم النفسي لمرضى كورونا وأسرهم، كما أن أطباء الأمانة يقدمون خدماتهم بشكل مباشر داخل مستشفيات العزل للمرضى ولزملائهم من الفريق الطبي، وهي خدمة غير متوفرة لفي الكثير من الدول الأوروبية، والحمدلله الدولة المصرية كانت واعية من اللحظات الأولى لانتشار المرض.

في النهاية ما هي رسالة الدكتور أحمد عكاشة في ظل هذه الظروف التي يمر بها العالم؟ 
أتمنى أن تكون الكورونا رسالة تنبيه للعالم للتوقف عن الحروب ووقف نزيف الدم، والانتباه إلى أن منتهى السخرية من هذا العالم الذي ينتج كل يوم أسلحة نووية وأخرى فتاكة ومبتكرة يقف عاجزا أمام كائن لا تراه العين المجردة.
 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة