جمال الشناوي
جمال الشناوي


يوميات الأخبار

حلـم.. ولا عـلم

جمال الشناوي

الأربعاء، 06 مايو 2020 - 08:36 م

 

بقلم/ جمال الشناوي

الفشل هو هزيمة مؤقتة، يصنع لنا فرص النجاح.
والحلم كما قال أرسطو، ينقلنا من ضيق الواقع، إلى رحابة المستقبل.

عاش الكاتب الشهير أغلب سنوات عمره مدمنًا على الخمر والقمار، تحاصره الديون، عجزه عن تحقيق حلمه، جعله يستمرأ الفشل، وظيفته البسيطة فى مكتب البريد دامت لثلاثين عامًا وها هو تخطى الخمسين من عمره حياة لا تتغير.. يعمل صباحًا وبعد الظهر يجول بدور النشر والصحف حالمًا بفرصة.. وفى الليل يستسلم لما تفعله به الخمر، يبكى، يصرخ، حتى يغيب عن الوعى ثملًا.. ويستيقظ صباحًا ليجد نفسه ملقى بأحد أركان غرفته. أو يجد نفسه بين أحضان إحدى العاهرات قبلت بمرافقته على وعد بالدفع لها مستقبلًا..

أمله فى كتابة الرواية كان تعشش فى رأسه، لا أحد يؤمن بقدرته غيره ولا يرى موهبته أى من أصحاب الصحف أو دور النشر، سنوات العمر تتسارع متتابعة حتى بلغت منتصف الخمسينات. آمن لتشارلز بوكوفسكى بمقولة أرسطو إن الفشل هو هزيمة مؤقتة وتصنع لنا فرصة النجاح، ورغم طول سنوات الهزيمة لم ييأس من تتابع الانكسار الذى لازم كل مسعاه.. حتى جاء يومًا بإحدى سنوات منتصف الخمسينات من حياته البدائية القاسية، أحد أصحاب دور النشر ضاق من إلحاحه وعدم يأسه، وقرر أن يغامر.. أخيرا بيده عقد لشراء رواية، وبعد 3 أسابيع فقط كانت الرواية الأولى لتشارلز بوكوفسكى فى الأسواق وتبدل الحال وتحقق الحلم مع مبيعات كبيرة غير متوقعة لعمله الأول، فبعد 30 عامًا من المحاولة، لامس الروائى الشهير لأول مرة فى حياته أطراف حلمه المستمر.. وأصبح تشارلز من المشاهير والأثرياء رغم أنه لم يغير نمط حياته الذى رافقه عقود الفشل.

وعليه قررت أن أكتب يومياتى عن أحلامى -غير الشخصية- نزولًا على ما استقر عليه الحكماء، بأن الناجحين يبحثون عن الفرصة لمساعدة الآخرين، بينما يسأل الفاشلون عن استفادتهم الشخصية من أى عمل.

حلم يوم الاثنين
بعد ليلة لمتابعة ما يحدث لبعض المصريين بالخارج.. تساءلت كيف لشاب تخرج من الجامعة، اختار السفر لأن الفرص هنا يراها غير متاحة.. أى سفر ولو حتى إلى المجهول، مخاطر كثيرة وعواقب غير مضمونة يرهن مستقبله لصدفة النجاح الممكن والفشل المتاح.. كثير منهم قرر بيع ما تملكه أسرته تحت إلحاح حلم أرض الأحلام، 100 ألف جنيه ثمنًا لفشل ممكن ونجاح محتمل. حملتنى أحلامى وبعض منها فى اليقظة.

حلم يوم الاثنين.. كأنه شريط سينما أو تقرير تليفزيونى أراه لقطة تتبعها أخرى... الوزراء يتوافدون على مبنى الحكومة إلى احتماعات مطولة، خصصها رئيس الحكومة المخلص، لدراسة أفكار جمعها وزراء القوى العاملة والشباب والصناعة والرى، فيما يشبه خلية أزمة أو غرفة عمليات عسكرية.. رئيس الحكومة يتابع تكليفهم بوضع خطط لـ 100 ألف مشروع صغير ومتوسط.. ما بين مزارع صغيرة أو شركات أو مصانع، يملك الواحد منها خمسة شباب من أولئك الذين يحلمون وينسون حلمهم مع أول أزمة.
تصاعدت دراما الحلم.. وشاهدت إعلان الحكومة عن تأسيس مئات الشركات الصغيرة وآلاف المزارع، وزير الرى وقف يقول إنه تم حل أزمة المياه بعشرات من محطات التحلية، ومئات الآبار.. وزير الشباب يعلن فتح مراكز الشباب كمراكز متقدمة لنقاش مجتمعى وتصويب بعض الأفكار واستقبال الجديد منها، وعرض المشروعات عليهم فى القرى وتحويل 4 آلاف مركز شباب إلى خلايا عمل لا يتوقف، يصل عبرها صوت الدولة، ويتعانق طموحها مع أحلام ملايين الشباب ولخلق الفرص والنشاط الاجتماعى والاقتصادى - ولكن ليس على طريقة فيلم التجربة الدنماركية.. لو امتلكنا الإرادة فإن هذه المراكز قادرة على تعويض ضعف وترهل الأحزاب السياسية.. على هامش الحلم رأيت صديقى الدكتور الأمريكى من أصل مصرى وهو يروى كيف أجبره حفيده على إيقاف السيارة لانتشال علم أمريكا بإحدى محطات الوقود وقد أطاحت به الريح.. وكيف غرسوا فى الأطفال حب رمز الدولة وليس أولئك الذين أحرقوا علم مصر فى ميدان التحرير.

رؤية الثلاثاء
لا فارق كبيرًا بين الأمل والحلم.. والشيء الوحيد الذى يجعل الحلم مستحيلًا هو الخوف من الفشل.. كما قال باولو كويلو، كنت أحلق بحلمى فوق معامل كليات الهندسة وجامعه زويل، كثير من الأفكار بدأت تجد آذانًا صاغية من الدولة.. وحراكًا ربما لم نفطن إليه إعلاميًا ونركز عليه، كثير من الأفكار واقعى وقابل للتنفيذ ويسهم فى حل الأزمات.
فى الحلم رأيت لجنة خبراء يشرف عليها وزير التعليم العالى بنفسه، وهى تضع أسسًا لدراسات جدوى لكثير من المشروعات وقابلية الأفكار للتنفيذ.. ووضع أسس لتمويل وتأسيس مئات وآلاف الشركات والمصانع التى تقوم على أفكار من الجامعات ومراكز البحوث.. الخبراء بشرونا فى الحلم بكثير من المشروعات الممكنة التنفيذ.. وأن الحكومة قررت إطلاق ثورة فى مجال الأعمال، وتؤسس شركات مقاولات صغيرة للمهندسين الشباب ينطلقون للمشاركة فى ثورة البناء التى تجرى الآن.. شركات بناء ومقاولات صغيرة تكون الأولى بجانب من مشروعات الدولة ولو بالأمر المباشر، لمن ينجح منهم وأغلبهم سيفعلها.. شاهدت فى الرؤية شركات الشباب تتابع رصف الطرق وبناء المدن الجديدة.. ومشروعات تحلية المياه، فكثير من طلاب جامعاتنا يملك المعرفة بفضل زوال الحدود العملية بين الدول بفعل ثورة التكنولوجيا. ليست مقاولات فقط.. بل مصانع صغيرة بالمئات لخريجى أقسام الهندسة الميكانيكية، والاتصالات والحاسبات تستطيع باستخدام ما يعرف بالهندسة العكسية والطابعات ثلاثية الأبعاد من إحداث ثورة صناعية هائلة، تنقل دقائق الصناعات الهندسية إلى بلادنا، وتوطينها..

حلم يراودنى حتى فى يقظتى وانتظر يوم تحقيقه.. وأملى كبير تحت إدارة الإنجاز بالإرادة التى تدير مصر حاليًا..

ليست أضغاث أحلام، بل هى أمل وحلم يمكن تحقيقه.. فهناك حلم يراودنى بين الحين والآخر فى مجال صناعة الدواء.. لماذا لا نسمح بزراعة ما يتحمله مناخنا من النباتات الطبية.. ويتولى كل معيد أو إستاذ بكليات الصيدلة تكوين شركات متخصصة فى إنتاج الدواء.. باختصار يمكن خلق جيل من رجال الأعمال والصناعة لم تصبه فيروسات الفهلوة والنهب المنظم للثروات.

المجتمع والناس
لم أر فى أحلامى هذا الشهر دولًا استطاعت القفز إلى المستقبل، دون تشريح مجتمعى ودراسات إنسانية تقدمها للإدارة والحكومة عن خصائص التغييرات التى طرأت على الفرد والمجتمع، لتساعد الدولة على وضع السياسات المضمونة النجاح، فكابوس السنوات الماضية جعل كل مراكز الدرسات الاجتماعية، خالية من الباحثين والعلماء إلا فيما ندر رغم اكتظاظها بآلاف الموظفين.. غاب العلم عن مراكز التفكير فى كثير من أقسام علم الاجتماع فى جامعاتنا.. أو أن إنتاجها قد لا يختلف عن أبحاث مكررة ومتشابهة، باتت فقط تخدم الترقى الوظيفى، فهل تعود الحياة لمركز البحوث الاجتماعية، ويعكفون على ورش عمل تعتمد على أدوات بحث حقيقية غير ما يتم تزييفه فى الغرف المغلقه، طمعًا فى علاوة الترقية دون هدف خدمة المجتمع؟..
فى سنوات سابقه، حلم غيرى بما أكتبه الآن، فتم تخصيص وظيفة فى كل كلية ومعهد وجامعة اسمها وكيل لخدمة المجتمع وأغلب شاغليها أساتذة، لم يضبطوا يومًا بالتفاعل مع مجتمعهم المحيط بالجامعة، فهل درس وكيل جامعة القاهرة لخدمة المجتمع أو كلف قسم الاجتماع لديه مثلا، أنماط الجريمة فى بولاق الدكرور الملاصق للجامعة أو حتى قامت كليات الطب بمسح لمعرفة نوع الأمراض التى من الممكن أن تصيب سكان الحى الضخم.. لا أظن.

المستشفيات الاستثمارية
عقود طويلة ونحن نسمع بقصص حول ارتفاع أسعار الخدمه الطبية فى المستشفيات الاستثمارية التى حولت الطب إلى بيزنس وهذا حقهم، ولا خلاف عليه.. ولا أعرف كيانًا يضم ملاك وأصحاب تلك المستشفيات، لا جمعية تتحدث باسمهم.. حتى أنقل إليهم الحلم الذى أيقظنى فرحًا فى ليلة رمضانية.

صمت مطبق فى قادم من تلك المستشفيات، سوى عن تورط نفر منهم فى شراء معدات وأدوات طبية من مصادر مجهولة، كل أصحاب هذه المستشفيات جمعوا ثروات طائلة، لكنى شاهدتهم فى الحلم يطلبون اجتماعًا عاجلًا مع وزيرة الصحة، ويعرضون عليها المساهمة فى محاصرة الفيروس والوباء.. شاهدت أصحابها فى اجتماع الوزيرة وكل منهم يصر على تخصيص جناح فى المستشفى الذى يملكه لعزل وعلاج مرضى كورونا.. يلحون على الوزيرة فى قبول تبرعات مالية للمساهمة فى الحرب على الفيروس أحدهم قرر أن يدعم أحد مستشفيات العزل بفريق كامل من الأطباء والتمريض للتخفيف عن الجيش الأبيض الذين شاهدنا بعضهم وقد أمضى 70 يومًا حبيسًا فى مستشفى العزل لحماية حياة إنسان.

وفى الحلم أيضا شاهدت وزير المالية يتابع مع موظفى الضرائب تهرب البعض منهم من سداد حق الشعب.. بكثير من الحيل فى تستيف الأوراق.

فى خدمة الوزير
لم يكن حلمًا بل واقع صنعه فيروس كورونا فى المساهمة فى تنفيذ خطط وزير التعليم المحترم.. واقع جديد حلمنا بالوصول إليه طيلة عقود ماضية.. وربما أطرف ما سمعته أن الفيروس الجديد يعمل لحساب الدكتور المجتهد طارق شوقى.. فاستطاع الفيروس فرض تجارب التعلم الإلكترونى، ويقضى على الدروس الخصوصية، وأيضا إسكات ألسنة جروبات الماميز التى تصرخ ليل نهار وبعضها تحركه عصابات إخوانية منتشرة فى نسيج الوزارة. أما الحلم فشاهدت الوزير المجدد يجلس إلى مساعديه ومستشاريه، يخططون لتقنين تلك المكاسب لتصبح واقعًا مبشرًا لإقرار فى قطاع التعليم قبل الجامعى، للحفاظ على مكتسبات حرب الفيروس.

الاختيار
أفقت من أحلامى على دراما رمضان، فاكتشفت أنها هذا العام قريبة الشبه بأحداث مسلسل الاختيار.. كثير من النجوم كانوا مثل البطل «المنسى» أحسنوا اختيارهم للأدوار وأخلصوا لتلك الخيارات ونجحوا.. آخرون كانوا مثل عشماوى، أخطأوا فخانوا فنهم وخدعوا أنفسهم بأدوار غير مناسبة.

حكمة
ستتحقق أحلامنا إذا امتلكنا الإرادة على ملاحقتها وحتى إذا لم تتحقق، فيجب ألا نصاب بالإحباط، بل نستمر فى الحلم وإلا ماتت الروح فهو غذاؤها.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة