ماكرون
ماكرون


في الذكرى الثالثة لوصوله إلى كرسي الحكم

ماكرون يواجه اختبارا مصيريا وتحديات غير مسبوقة في فرنسا

أ ش أ

الخميس، 07 مايو 2020 - 09:33 ص

ثلاثة أعوام تمر اليوم، على وصول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلى سدة الرئاسة في فرنسا.. هذا الحدث الكبير الذي شكل وقت حدوثه مفاجآة سياسية من العيار الثقيل وأحدث "زلزالا" هز مختلف أرجاء الدولة الفرنسية، حيث شكل فوز ماكرون ضربة قوية للحزبين التقليديين في البلاد (الجمهوريين) اليميني الوسط و(الاشتراكي) ليعيد بذلك تشكيل المشهد السياسي الفرنسي من خلال طرحه لـ "ثنائية" حزبية جديدة مكونة من حزبه الحاكم حديث العهد "الجمهورية إلى الأمام"، وحزب اليمين المتطرف "التجمع الوطني" بقيادة مارين لوبن.


وعلى مدار السنوات الثلاثة الماضية، واجه ماكرون العديد من التحديات الصعبة والاختبارات المتعثرة التي ساهمت بدورها في زيادة شعبية في بعض الأحيان أو تراجعها في أحيان أخرى.


وعلى خلاف أسلافه من الرؤساء الفرنسيين، حرص ماكرون منذ اليوم الأول لتوليه الرئاسة على تنفيذ سلسلة الإصلاحات التي وعد بها في برنامجه الانتخابي بحزم وصرامة، مرتكزا على أغلبية برلمانية واسعة أفرزتها الانتخابات التشريعية التي اكتسحها حزبه الجديد "الجمهورية إلى الأمام"، ومستغلا غياب "معارضة قوية" على الساحة السياسية.


ومن أبرز الإصلاحات التي طرحها الرئيس الشاب تعديل قانون العمل، وزيادة الضرائب المفروضة على الطبقة المتوسطة وأصحاب المعاشات وبالأخص ضريبة المساهمة الاجتماعية العامة، سن قانون جديد للجوء والهجرة، فضلا عن إصلاح الشركة الوطنية للسكك الحديدية المثير للجدل.


ولاقت هذه الإصلاحات معارضة واسعة في الشارع الفرنسي، واندلعت موجة غير مسبوقة من الاحتجاجات والإضرابات توجت بظهور حركة (السترات الصفراء) لأول مرة في 17 نوفمبر 2018، والتي خرج خلالها نحو 300 ألف شخص إلى الشوارع؛ احتجاجا على القرارات التقشفية التي اتخذتها الحكومة الفرنسية، ومنها رفع أسعار الوقود وزيادة الضرائب، وشهدت العاصمة الفرنسية (باريس) وغيرها من المدن أعمال عنف استثنائية، حيث سادت أعمال الشغب وتعرضت العديد من المحال والمقاهي والمطاعم للاحتراق والنهب، لاسيما في منطقة (الشانزليزية) الشهيرة، وتسببت هذه الحركة في تكبد الاقتصاد الفرنسي خسائر مالية كبيرة لحقت بمختلف القطاعات الحيوية بالبلاد وقدرت بملايين الدولارات.


ورغم محاولة ماكرون احتواء الأزمة من خلال "التنازلات" التي قدمها للمحتجين في خطابه الشهير في 10 ديسمبر 2018، وطرحه للـ"الحوار الوطني الكبير" للتعرف على مطالب المتظاهرين إلا أن الحركة ظلت مستمرة شهورا طويلة، وإن كانت قد تراجعت أعدادها بشكل ملحوظ وفقدت الدعم الجماهيري الذي كانت تحظى به في البداية.


وفي الوقت الذي بدأت تهدأ فيه (السترات الصفراء) جاء ماكرون بمشروعه الجديد لإصلاح نظام التقاعد ليشعل الشوارع الفرنسية من جديد، حيث رأي المواطنون أن هذه الإصلاحات بها قدر كبير من عدم المساواة وتحرم العاملين من العديد من الامتيازات التي تعد من أفضل مزايا أنظمة التقاعد في العالم، فضلا عن أنها تجبر ملايين الأشخاص في القطاعين العام والخاص على العمل لسنوات بعد سن التقاعد.


ونتيجة لذلك دخلت البلاد في موجة جديدة من الإضرابات بدأت في الخامس من ديسمبر 2019، واندلعت معها مظاهرات ضمت العاملين في مختلف القطاعات الحيوية في الدولة وعلى رأسهم عمال السكك الحديدية، وأدى ذلك إلى حالة من الشلل في البلاد نتيجة توقف معظم وسائل النقل، واستمرت هذه الإضرابات والاحتجاجات لأسابيع طويلة في أطول موجة تظاهرات تعرفها فرنسا منذ عقود، ورغم انعقاد عدة جولات للتفاوض بين الحكومة الفرنسية والنقابات وأصحاب العمل في محاولة للتوصل إلى حل توافقي، إلا أنها لم تخرج بنتائج مثمرة حول هذه الأزمة في ظل تشبث الطرفين بموقفيهما.


وساهمت كل هذه الأزمات في تراجع شعبية الرئيس ماكرون في الشارع الفرنسي، حيث كان يبدو في نظر الكثيرين في صورة "رئيس الأغنياء" المصمم على المضي قدما في طريق الإصلاحات بحزم وصرامة رغم كافة الاحتجاجات والاعتراضات.


ولكن ما ساهم نسبيا في تحسين صورته محاولاته المستمرة لأن يلعب دورا بارزا على الساحتين الأوروبية والدولية، فمنذ اليوم الأول له في (الإليزية) وضع ماكرون نصب عينيه هدف قيادة القاطرة الأوروبية، وسعى لتحقيق هذا الهدف مستغلا وجود فراغ في القيادة في ضوء تراجع المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل عن المشهد وإعلانها عدم الترشح لولاية جديدة عام 2021، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وانشغال كل من إيطاليا وإسبانيا بأزماتهما الداخلية.


أما على الصعيد الدولي، فقد سعى ماكرون للعب دور فعال في العديد من القضايا منها محاولاته التوسط لإجراء محادثات بين روسيا وأوكرانيا، وبين إيران والولايات المتحدة، كما سعى أن يكون لبلاده دور في الملف الليبي والأزمة السورية، فضلا عن دور بلاده البارز في أفريقيا ودول الساحل على وجه الخصوص للتصدي للإرهاب.


وفي خضم كل ذلك، جاءت أزمة (كورونا) المستجد لتضرب بكافة إصلاحات ماكرون عرض الحائط، وتعيد ترتيب المشهد الفرنسي من جديد، فالأهداف التي جاء ماكرون لتحقيقها لم تعد على قائمة الأولويات بل قلبت (كورونا) المشهد كله رأسا على عقب، وأصبح محور اهتمام الحكومة منصب على إنقاذ البلاد من هذه الجائحة غير المسبوقة التي ألحقت خسائر كارثية للعالم كله، ولفرنسا بشكل خاص.


في ضوء ذلك، خصصت الحكومة الفرنسية 110 مليارات يورو لدعم الاقتصاد الفرنسي الذي تكبد خسائر فادحة نتيجة الوباء، وأعلن ماكرون وقف كافة الإجراءات الإصلاحية، مشددا على أن حكومته تستهدف حاليا مساعدة الشركات ومنعها من الإفلاس، وتجنب البطالة الجماعية، ووقوع مزيد من الانهيار الاقتصادي في البلاد.


وبشكل عام، ساهمت أزمة (كورونا) في رفع شعبية الرئيس ماكرون ورئيس حكومته إدوارد فيليب، حيث حظت سياسات الحكومة منذ البداية على دعم شريحة واسعة من المواطنين. ولكن بات لافتا مؤخرا تراجع هذه الثقة بمعدلات طفيفة، نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية وحالة الترقب التي سادت بين المواطنين بعد الإعلان عن تخفيف إجراءات الحجر الصحي في البلاد ابتداء من 11 مايو الجاري، وهو ما يثير القلق في الشارع الفرنسي خشية من أن تكون البلاد غير مهيأة تماما لهذه الخطوة.


ويتفق المراقبون على أن (كورونا) ستكون هي المحرك الأساسي لسياسات ماكرون خلال المرحلة المقبلة، حيث كشفت آخر استطلاعات للرأي، التي أجرتها المعاهد الفرنسية، أن 41% من المستطلعة أراؤهم يتوقعون أن ماكرون، في أعقاب هذه الأزمة الصحية، سيعدل من أسلوب ممارسته للسلطة خلال العامين المقبلين المتبقيين في فترة ولايته الرئاسية.


في ضوء ما سبق، يبدو جليا أن الذكرى الثالثة لتربع ماكرون على عرش الإليزيه جاءت في مرحلة فارقة في تاريخ العالم وفرنسا على وجه الخصوص، حيث وضعت (كورونا) ماكرون أمام اختبار مصيري وأصبح مستقبله السياسي مرتبطا بمدى نجاحه أو فشله في إعادة تحريك العجلة الاقتصادية في البلاد دون التسبب في عودة الوباء إلى الانتشار، وهو ما سيتحكم في كافة سياساته وقراراته الفترة المقبلة، وسيعد عنصرا حاسما في تحديد ترشحه لولاية رئاسية جديدة في الانتخابات المقبلة 2022.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة