المدفع اليدوي والمادة المستخدمة في صناعته
المدفع اليدوي والمادة المستخدمة في صناعته


بديل الفوانيس بالقرى.. «مدافع يدوية» تحول أطفال مصر لقنابل متنقلة

محمد رمضان

الأربعاء، 13 مايو 2020 - 07:48 م

 

◄ بأدوات بدائية يتم إنتاج مئات المدافع اليدوية لإحداث انفجارات قوية

◄ مادة الكربون المستخدمة بالمدافع تخرج من ورش السمكرة للأطفال سرًا

◄ الصغار تحولوا لتجار.. والقطعة الصغيرة تكفي لعدة مرات بـ3 جنيهات فقط

◄ سعر البرميل 100 جنيه وبيعه بالكيلو وتحقق أرباحاً خيالية

◄ أطفال القرى الأكثر استخدامًا لها كبديل للألعاب النارية

◄ رنا مبارك تحذر: جفن العين الأكثر تضرراً بحروق.. والبشرة معرضة لـ«التهيج»

 

تعطلت المدارس وأغلقت المساجد بفعل الفاعل «كورونا»، لكن أبواب الشوارع في القرى والمناطق الشعبية أُجبرت على البقاء مفتوحة أمام أطفال يتحركون كـ«قنابل متنقلة» ترعب الصغير والكبير.

 

ليس سهلا أن تنام وتستيقظ على أصوات «انفجارات» قوية تصيب شوارع بأكملها بصدمات متتالية.. والسر يكمن في صغار يحملون «مدافع يدوية» يتناوبون على تحريك قطع صغيرة بداخلها مخلفة ورائها ما يشبه فرقعات يكاد يتخيل البعض أنها حقيقية.

 

في إحدى قرى طوخ بالقليوبية، يقف طفل صغير بحوزته كرة صغيرة محاطة بورق ألمونيوم «سولفان» يخرج قطعا سوداء تشبه الفحم برائحة «جاز» نفاذة لكن القطعة الواحدة حوالي «5 جرامات» قادرة على الاستخدام لسبع مرات متتالية.


مدفع يدوي!


بحلول شهر رمضان من كل عام، وقبل أن ينتهي المصلون من صلاة الترويح يوميًا، وكعادة سنوية كان الأطفال في القرى يلجأون إلى بديل للألعاب النارية «باهظة الثمن»، لكن أعنف بدائلهم ما راج قبل سنوات بينهم بـ«الفحم الحراري».


السؤال هنا.. كيف يحدث صوت يشبه القنابل؟ الإجابة تكمن في «ماسورة مياه» طولها ما بين 20  و30 سم متصلة في أحد طرفيها بعبوة مبيد حشري فارغة بها ثقب صغير؛ حيث يوضع بها قطع فحم صغيرة للغاية وبعد لحظات من رجها بشدة يتم وضع نار (عود كبريت مشتعل) ليخرج من فوهة الماسورة صوت شديد جداً، وتعاد هذه الكرة.


 

بالعودة للتاجر الصغير (11 عامًا) – تتحفظ بوابة أخبار اليوم على ذكر اسمه – فإن قطعة صغيرة بـ3 جنيهات يمكن تجزأتها لقطع أخرى صغيرة يتم استخدامها لعدة مرات تحدث صوتًا مدويًا.
 

أما مصدر حصوله عليه فتحدث: «أنا مش بفرقع.. أنا بابيع الحتة باتنين جنيه أو تلاتة، اشتريت صفيحة بـ50 جنيه وحطيتها في جاز طول الليل وبعدين بأقعد ابيع منها، اشتريتها من واحد بيجيبها من على شريط القطر (قضبان السكك الحديدية) وبعدين إحنا نشتريها منه».


تاجر قديم


لم ينتبه أحد حتى الآن أن الأمر به شيء غير قانوني فـ«ع. ع – شاب ثلاثيني» كان أحد من عملوا في تجارة هذا الفحم لكن كانت له رواية أخرى عن مصدر شراء هذا الفحم (حسب الاسم الدارج بالقرى).
 

يقول هذا الشاب لـ«بوابة أخبار اليوم»: «هو كربون وكنت باشتريه قبل سنوات من إحدى ورش سمكرة السيارات في بنها، بس خد بالك لأنه المفروض ما يخرجش من الورش، هم بيستخدموه في شغلهم بيسخنوا بيه صاج العربية لكن بيعه بيتم في السر».

ويواصل «ع. ع»: «فضلت شهور طويلة أجيبه لكن السوق كان بيشتغل كويس في رمضان، بس لما لقيت العيال بيفضلوا يضربوا بيه جمب الجوامع قولت مش هاشتري تاني.. زمان كنت بابيع حتة بنص جنيه.. طبعا دلوقتي سعرها زاد جامد».

 

المصدر الرئيسي
 

الآن بات الحديث عن موقعين لجلب هذه المادة الأولى هي خطوط السكك الحديدية وورش السمكرة، لكن بالعودة إلى «عم ربيع – أحد العاملين على مزلقان تابع لهيئة السكك الحديدية» نفى علمه بوجود مثل هذه المادة بين الصخور الموضوع أسفل القضبان رغم عمله منذ سنوات طويلة في الهيئة.
 

ولم يكتف «عم ربيع» بذلك؛ بل زاد: «الصخور الموجودة حول قضبان السكك الحديدية هي بازلت ويتم جلبها من أبو زعبل ومناطق محدودة في مصر ثم يتم إدخالها في ورش تكسير لقطع صغيرة تابعة للهيئة قبل نثرها فوق القطع الخشبية التي يتم تثبيت القضبان الحديدي فيها، لكونها صخور ثقيلة تثبت الخطوط جيدًا».
 

بطبيعة الحال حصلت «بوابة أخبار اليوم» على قطع من هذه المادة بـ10 جنيهات فقط كافية لحرمان شارع بأكلمه من النوم ليلة أول ليلتين مع الاستخدام المتواصل لها من الأطفال.
 

وبعرض قطعة من هذه المادة على أحد أستاذة الجيولوجيا بجامعة القاهرة نفى أن تكون من صخور البازلت، لكنه رجح أن تكون مادة مركبة.

 

ورش السمكرة
 

لم يعد مجديًا الاستمرار في البحث عن قطع مشابهة على قضبان السكك الحديدية، وبات الأكثر واقعية هي ورش سمكرة السيارات لكن لماذا هذه تحديدًا؟
 

في طنطا وميت غمر بمحافظتي الغربية والدقهلية على التوالي، لا تزال كثير من ورش سمكرة السيارات تعتمد على الأساليب التقليدية في التعامل مع هيكل السيارات «الصاجة»، وهنا يظهر دور الكربون.

 

قبل ظهور واستخدام أسطوانات الغاز لإشعال النار لتسخين «صاجة» السيارة لإعادتها لأصلها بعد تعرضها للتطبيق نتيجة حادث أو أي أمر آخر، كان يتم الاعتماد على براميل من الكربون.

 

«سيد – سمكري من بنها» تحدث لـ«بوابة أخبار اليوم» عن هذا الكربون قائلا: «بيتم وضع كميات من الكربون في حوض وبتسخينها بيطلع منها غاز يساعد على الاشتعال وبالتالي بتقوم بنفس دور أسطوانات الغاز الحديثة، وهذا مستخدم بشك واسع في ورش الدلتا وتحديدا محافظتي الغربية والدقهلية».

 

ويضيف سيد: «الكربون بيجي في براميل سعر البرميل الواحد حوالي 100 جنيه، وفيه 35 كيلوجرامًا، المفروض ممنوع خروجه من الورشة لكن بعض السمكرية بيبعوه للعيال الصغيرة عشان الكيلو الواحد بيحقق أضعاف ثمنه».

مخاطر صحية
 

كغيرها من المفرقعات والألعاب النارية يسجل الكربون والمدافع اليدوية مخاطر صحية على الأطفال وربما كبار السن القريبين منهم، تبدأ بحروق في جفون العين، والتأثير على مستوى السمع الذي قد ينتهي بصمم جزئي أو كلي، وإصابات وحروق في اليدين أو أي جزء من الجسم.
 

ليس هذا فحسب، فكثير من الأطباء يحذرون من تأثير المفرقعات على الرئة لمن يعانون من الربو أو الحساسية والحروق في أي جزء من الجسد، وتحديدًا اليدين والقدمين، في ظل تطاير بعض الشرر في مسافة محدودة تفصل بين الأطفال والمدافع التي يمسكونها في أيديهم.

 

الدكتورة رنا مبارك – أخصائي الجلدية والتجميل والليزر- تحدثت بدورها لـ«بوابة أخبار اليوم» عن أن أكثر منطقتين متضررتين من الألعاب النارية هما العين والجلد، فقد تحدث حروق من الدرجتين الثانية والثالثة يصاحبها ألم شديد وإحمرار وتهيج بالبشرة.

وقالت «مبارك»: «لمس هذه الألعاب قد يسبب للبعض حساسية لأنها تحتوي على مواد كيميائية قد تسبب تهيج الجلد، كما أن الرماد الناتج عن عمليه الاحتراق قد يضر بالجلد أيضًا»، محذرة من تشوهات مختلفة قد تصل لمرحلة الخطورة في أغلب الأحيان وربما فقدان أحد الأطراف إذا كانت المفرقعات قوية للغاية.

 

وعن الكوارث التي ترتبط بالعين فقد تصل إلى إصابة الجفن والملتحمة بحروق، وربما تمزق في الجفن أو دخول أجسام غريبة في العين.

 

أما الصوت الصادر عن تلك المدافع اليدوية فيؤثر بشكل كبير في الأطفال المتواجدين بالقرب من منطقة استخدامها، ويسبب لهم الرهاب والخوف الشديدين، ويمتد ذلك إلى أذى نفسي والإضرار بالسمع من الصوت المباغت، وفقًا لما أكدته أخصائي الجلدية والتجميل والليزر.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة