كرم جبر
كرم جبر


إنها مصر

دموع على «الزمن الجميل» !

كرم جبر

السبت، 16 مايو 2020 - 06:42 م

الزمن الجميل لن يعود حتى لو عاد نفس البشر.
فمن أحشاء من نُسكنه القبور، تولد صرخة طفل جديد يخرج للحياة، وليس من قوانين الطبيعة أن ندفن المستقبل فى قبور الماضي، مهما كان جميلاً.
لم أستغرب من مئات التعليقات والرسائل التى تلقيتها، تعليقاً على مقال نشرته منذ أيام بعنوان «ذكرياتى مع إخوتى المسيحيين»، تحدثت فيه عن روح التسامح والمحبة فى مدينتى التى نشأت فيها «القوصية» وذكرت بعض الأسماء والوقائع.
الناس لديهم شوق كبير لاسترجاع القيم النبيلة، التى دهستها روح الشر.. والمؤكد أن العيب فينا وليس فى الزمن، فنحن من نصنع «الحلو والمر» ونصوغ القيم والتدني.
هل تغيرت الشخصية المصرية؟
نعم..
وهل التغيير للأسوأ ؟
نعم..
وهل تقتصر المساوئ على الزمن الراهن فقط ؟
لا.. أغنية سيد درويش «فين المصرى بتاع زمان»، سؤال - أيضاً - عن «الزمن الجميل»، وفى أفلام أبيض وأسود فى الخمسينيات وقبلها يتحدثون دائماً عن تدهور الأخلاق والبكاء على الزمن الجميل.
التفسير: هو الحنين إلى الماضي، وإذا سألت إنساناً هل تريد أن تعيش ماضيك من جديد؟.. سيرفض أو يفكر، وقد يقبل إذا كانت حياته ميسرة.
والتفسير: كلما يمضى بنا الزمن بعيداً عن الماضي، تضعف التفاصيل وتتوه المعالم، والإنسان بطبيعته يميل إلى نسيان الألم، والتشبث ببقايا السعادة.
فى مقالى عن «ذكرياتى مع الإخوة المسيحيين»، تحدثت عن بعض من أتذكرهم.. جاءنى خطاب من «عزت رميح» من أبناء القوصية، يستكمل فيه رسم الصورة التى أتصور أنها كانت رائعة.
يقول: فين أيام زمان الحلوة والدنيا وخدانا على فين.. فين دكتور أسعد وحنا الناظر والدكتور ولسن والدكتور إسحق وأولاد أديب وإسحاق بتاع المكتبة، وأبونا ميخائيل وأبونا عبد المسيح وفايز لبيب وإخوته.
وفى القوصية التى كانت «رمز التسامح»، ولا أدرى إذا هى الآن أم لا مثل بقية مصر: كان المسيحى يحمل لقب «شيخ»، الشيخ ينى وعزيز وتوفيق وسمير ينى الصايغ، وكثير من الناس المحترمين، وكان آباؤنا أعز أصحاب.. الله يرحمهم.
ذكرياتى مع إخوتى المسيحيين هى نتاج لتعايش آمن تحت مظلة وطن واحد يجمعنا ونحمل جنسيته وهويته، فلم يكن منا من يقول «أنا مسلم» أو «أنا مسيحي» ولكن «أنا مصري».. وكنا جميعاً نهتف فى طابور الصباح «تحيا الجمهورية العربية المتحدة»، ثم تحيا «جمهورية مصر العربية».
منذ هزيمة 67 وخروج الإخوان من السجون، بدأت ملامح الحياة تصطبغ بالتطرف، وأخذ الرصيد فى النزف قطرة قطرة، وشهدنا بعد ذلك أحداث الزمن القبيح.
بقيت الروح المصرية ترفرف فى السماء، وتجسد الوجع فى عام حكم الإخوان، وتعرض المسيحيون لأكبر اعتداءات فى تاريخهم، فتصدى إخوتهم المسلمون للكراهية، وحرسوا الكنائس ومنعوا الاعتداءات.
بداية استرجاع شىء مما كان.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة